ثانياً: الأوضاع القانونية والرسمية :
إذا كانت للطوائف الغربية اليد الطولي علي الطوائف الشرقية فإن للطائفتين الغربية والشرقية السيادة والغلبة كممثلين للأغلبية علي الطوائف العربية الفلسطينية في إسرائيل حيث نجد أن الظلم والتمييز سمتان تميزان علاقتهما معا فإذا ما تناولنا المحور الأول وهي العدالة أو نقيضها الظلم نستطيع أن نكشف عن الأسلوب الذي تحكم به السلطات الإسرائيلية العرب في إسرائيل الذين كانوا يخضعون لثلاث دوائر مستقلة هي:
(أ)مكتب مستشار رئيس الحكومة للشئون العربية في القدس.
(ب)الدائرة العربية في الهستدروت وفي الشمال تختلط سلطة مجلس العمال وحزب الماباي الذي كان يتزعمه عند قيام الدولة آبا حوشي رئيس الدائرة العربية في الماباي.
(ج) المخابرات (شين بيت) وذراعها المنفذ للحكم العسكري ويساعدها قسم المهمات الخاصة في الشرطة المدنية.
وحيث أن خلق إسرائيل وتفكك المجتمع السياسي الفلسطيني لم يكن الفصل الأخير يقدر ما كان إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الصراع حيث أصبحت الدول العربية وإسرائيل هي الأطراف الرئيسية في صراع شهد اشتعال أربع حروب خلال ما يقرب من ربع قرن من الزمن فقط وبرغم فرض إسرائيل لنظام الحكم العسكري علي العرب الذين استمروا يعيشون فيها حتى عقد مضي إلا أن هذا الأمر لم ينجح في عزلهم عن الإطار الإقليمي المحيط كما لم ينته إلي الحيلولة دون تأثرهم بتطوراته بشكل أو آخر ، ومن ناحية أخرى فإن استمرار حالة الحرب بين إسرائيل والدول العربية قد أعطي الكيان الصهيوني فرصة لطرح وجود الأقلية العربية في إسرائيل كمل لو كانت قضية أمن ذات تأثير وثيق علي سلامته واستقراره ومن هنا نلحظ تردد اتهامات لهؤلاء العرب في أوقات الحروب وبعدها بالعمل كطابور خامس للدولة العربية داخل إسرائيل وبأنه في حالة غزو الدول العربية لإسرائيل فسوف يقف أبناء الأقلية العربية إلي جانب الغزاة ضد الدولة وسكانها من اليهود واستنادا إلي هذا المنطق الذي روجت له أدوات الأعلام الصهيونية وتصريحات المسئولين في إسرائيل جري تبرير فرض الحكم العسكري علي العرب بكل ما حفل به من قيود وإجراءات للاضطهاد والتمييز ما لبث أن أصبحت بدورها سببا رئيسيا لاحساسهم بهويتهم كفلسطينيين عرب , وكانت سياسة القمع هي الأداة الرئيسية لإسرائيل في التعامل مع الوجود العربي سواء إرتبط بالقمع العسكري السياسي أو بالقمع الاقتصادي باشكاله المختلفة وكان نظام الحكم العسكري الذي فرض علي العرب بصورة رسمية منذ إعلان الدولة وحتي أول ديسمبر عام 1966 صورة متكاملة الجوانب لهذا القمع تتعين دراستها حتي نتعرف علي ثلاث حقائف أساسية تنصرف أولاها إلي ضخامة القيود التي فرضت في وجه مشاركة سياسية حقيقية تعبر عن الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل وترتبط الحقيقة الثانية بدور نظام الحكم العسكري بإجراءاته المتعسفة وسلطاته شبه المطلقة في تذكير العربي باستمرار هويته وبكونه مستهدفا للتميز لمجرد كونه عربيا بالأساس أما الحقيقة الثالثة التي يشير إليها التعرف علي مضمون نظام الحكم العسكري كما جري تطبيقه فهي زيف ما رددته الدعاية الإسرائيلية والصهيونية عن المضمون التحديثي لسياسة السلطات الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية وهو الأمر الذي أصبح مطروحا للنقاش في إسرائيل بصورة متزايدة مع نهاية الخمسينات وأدي بعد عدة سنوات إلي إصدار قانون بإلغاء هذا النظام ولكن مع إسناد كثير من وظائفه إلي الشرطة المدنية. ووفقا لسياسية الحكم العسكري قسمت المناطق التي يسكنها العرب إلي ثلاث عين لكل منها حاكم عسكري يختص بإدارتها وهذه المناطق هي الجليل والمثلث والنقب وقد استند الحكم العسكري من الناحية القانونية علي قانونين أساسيين أولهما قانون الدفاع في حالة الطوارئ الذي أصدرته الحكومة البريطانية إبان عهد الانتداب عام 1945 وثانيهما قانون الطوارئ في مناطق الأمن الذي قامت الحكومة الإسرائيلية بإصداره بعد عام واحد من قيام الدولة وبناء علي هذين القانونين أصبح الحكم العسكري سيفا مسلطا علي رقاب العرب بحكم صلاحيات ضخمة أخرى تم إسنادها للحكام العسكريين, وفي أول ديسمبر عام 1966 تم إلغاء جهاز الحكم العسكري وجري نقل اختصاصاته إلي البوليس الذي أنشأ إدارات خاصة لممارستها وذلك مع بقاء القوانين المنظمة للحكم العسكري وإن كان أسلوب تطبيقها من جانب الشرطة المدنية قد جعلها أقل فجاجة عما سبق وفي مناقشات الكنيست الإسرائيلي حول هذا الموضوع ثارت ضجة كبيرة حول مغزي هذه الخطوة وما تنطوي عليه من تنازل ومخاطرة بالنسبة لأمن إسرائيل إلا أن أحد ممثلي حزب راكاح وهو توفيق طوبي أوضح أن المعني الوحيد الذي انطوي عليه بيان رئيس الوزراء تحت عنوان إلغاء الحكم العسكري إنما يتمثل في تحويل المهمات التي كانت ملقاة علي الحكم العسكري إلي الهيئات المدنية وبشكل أكثر تحديدا فيما يتعلق فقط بالحصول علي تصاريح مع التنقل بالنسبة للمواطنين العرب داخل مناطق الحكم العسكري , وفي سعي السلطات الإسرائيلية نحو تحقيق أهداف سياسة التذويب فإنها قد اعتمدت أدوات رسمية تشمل النظام التعليمي و أدوات الأعلام وجماعات متخصصة مرتبطة بالحكم العسكري وأدوات اقتصادية .