| الفايكنج والاندلس |
وفي عهد عبد الرحمن بن الحكم ( ابن عبد الرحمن الداخل ) ، عرفت الأندلس لأول مرة خطراً جديداً لم يسبق لها أن عرفته أو توقعت حدوثه: ذلك هو خطر الغزوات النورمانية البحرية.كانت سيادة البحار الشمالية منذ بداية العصور الوسطى في يد " الفيكنج " Vikings أو النورمانيين، وكان أولئك النورمانيون أمة بحرية عريقة، تمرست منذ غابر العصور في ركوب البحر ومقارعة أهواله، ووطنهم الأصلي هو اسكندناوة، وربما دانيماركه، وشواطىء ألمانيا الشمالية، ولذا عرفوا بالنورمانيين أى أهل الشمال .واشتهر النورمانيون بجرأتهم في جوب البحار الشمالية، وبراعتهم في مغالبة قسوة الجليد وأهوال اللجة والطبيعة، ولم يأت القرن الثامن الميلادي حتى كانت حملاتهم البحرية الناهبة، تثخن في شواطىء الجزر البريطانية. وكان جدب الوطن، وشظف العيش، وروح المخاطرة، تدفع بهم دائماً إلى عرض البحار، وتجعلهم خطراً دائماً على الشواطىء والثغور المجاورة. وفي أوائل القرن التاسع وصلت حملاتهم الناهبة إلى شواطىء بلاد الفرنج (فرنسا)، ثم نفذت جموع منهم إلى شمال فرنسا. وغزوا مصب اللوار ومصب الجارون، وأنشأوا لهم عدة مراكز وقواعد في تلك الأنحاء. وهنا بدأ تطلع النورمانيين إلى اسبانيا. والأندلس بنوع خاص. وكانت نعماء الأندلس، وما اشتهرت به من الخصب والغنى، تثير جشع أولئك الغزاة المغامرين، ولم تكن الأندلس تحسب حساباً لذلك الخطر الداهم المستتر معاً، لأنها لم تعرف النورمانيين من قبل، ولا تعرف لهم بقربها أرضاً أو مستقراً. وتطلق الرواية الإسلامية على أولئك الغزاة المجهولين إسم "المجوس"، بيد أنها تعرفهم أيضاً "بالأردمانيين" أى النورمانيين، وقد ترجع هذه التسمية إلى أن النورمانيين كانوا في العهد الذي عرفهم فيه عرب الأندلس لأول مرة " مجوساً " أى وثنيين لم يعتنقوا النصرانية بعد. وكان ظهور النورمانيين في المياه الإسبانية، لأوّل مرة في سنة 843 م. ففي تلك السنة خرج أسطول نورماني من نهر الجارون وعاث في شواطىء مملكة جليقية، فبعث ملكها راميرو (رذمير) إليهم جيشاً ردهم وأحرق كثيراً من سفنهم، فانقلب النورمانيون عندئذ إلى مياه إسبانيا الغربية والجنوبية، يجوبونها في طلب السبي والغنيمة، واقتحموا شواطىء المملكة الإسلامية (الأندلس) في غزوتهم الأولى. وتضع الرواية الإسلامية هذه الغزوة في سنة 230 هـ
[ د. محمد عبد الله عنان - دولة الاسلام في الاندلس ( 1/ 261-262 ) ]
* ع *