الاتصال وتطور البشرية
تقديم
مرت البشرية منذ بدء الخليقة ، بمراحل تطور بالغة الأهمية ، تغيرت خلالها لغة الاتصال بين البشر ، من عصرا لرموز والعلامات والإشارات ، إلى عصر اللغة المنطوقة والتخاطب ، ثم وصلت لعصر الكتابة اليدوية البدائية ، قبل أن يعرف العالم الطباعة ويدخل منها إلى عصر الاتصال الجماهيري بدئا بالصحافة الورقية ، ثم الصحافة المسموعة والمرئية التي عرفت في بدايات القرن العشرين ، مع اكتشاف السينما ، وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية ، تمهيدا للوصول بالعالم إلى مرحلة الاتصال التفاعلي ، من خلال الانترنت ، والصحافة الاليكترونية ،
أولا :عصر الإشارات والاتصال الغير لفظي
مارس الإنسان البدائي ، الاتصال من خلال عدد محدود من الأصوات مثل : الزمجرة ، والهمهمة ، والدمدمة ،والصراخ ، إضافة إلى استخدام الإشارات ، بالأيدي والأرجل ، فكان التفاهم صعبا وبطيئا ، أدى إلى تخلف البشرية آلاف السنين ، نظرا لضعف القدرة البشرية على التعبير عن ذاتها ، فضلا عن أفكارها
ثانيا :عصر التخاطب والاتصال اللفظي
الحاجة للبقاء دفعت الإنسان للتعلم ، شيئا فشيئا ، وهو ينتقل ببطء تدريجي من العصر الحجري لآلاف السنين ، إلى عصر الحياة المستقرة والإقامة الدائمة في جماعات تزايدت أعدادها مع مرور الزمان , وبدأت تصنع لنفسها لغة تخاطب منطوقة ، ويذكر المؤرخون ، أن منطقة الشام والعراق ، شهدت حضارات قديمه ، قبل سبعة آلاف سنه من ميلاد المسيح عليه السلام ، عرفت الزراعة وتربية الحيوانات ، وكانت لها لغة تخاطب ساعدت على تأقلم الناس مع بعضهم ودفعتهم لحل نزاعاتهم الشخصية والتفرغ لبناء حضارة إنسانيه ، لا يمكن لها أن تقوم دون لغة ، وكانت الرموز التصويرية ، من خلال صور ورسومات بدائيه ، يتم حفرها على الحجارة ،هي الخطوة الأولى في تعلم النطق والكتابة
ثالثا :عصر الكتابة والاتصال الغير شخصي
بدأت الكتابة بعد فترة من استقرار المجتمعات الزراعية ، حين بدأت الحاجة لتسجيل الأراضي والأملاك ، وطور المصريون القدماء نظاما لتحديد الأيام والشهور والسنوات ، ليواجهوا أوقات الفيضانات في مواعيدها ، كما استخدموا قبل خمسة آلاف سنه من الميلاد الكتابة التصويرية في الكتابة على المعابد والمقابر وفي تسجيل الأحداث الهامة ، عن طريق حفرها على الحجارة ، وكان كل رمز أو رسم يعني فكرة معينه ، مما يتطلب من الكاتب والقاري ، حفظ عدد هائل من تلك النماذج الرمزية ، ثم طور السومريون العراقيون الكتابة بالرموز الصوتية ثم استغرق الأمر عدة قرون أخرى لظهور الكتابة الألف بائيه في بلاد الإغريق عام 700قبل الميلاد ، وتعتمد على استخدام الحروف للتعبير عن المنطوق الصوتي ، وكان أهم انجاز بشري ، ظهر من خلاله الأبجديات اللغوية لشعوب العالم ، فأصبح لدينا 28 حرف للغة العربية ، و 26 حرف للغة الانجليزية ، فكل شعب له لغته الخاصة التي تعلمها وأتقنها ، كما يتعلم الطفل الصغير النطق من أمه وأبيه ، فهناك الايطالية والفرنسية والعبرية واللاتينية ...الخ
مرحلة الطباعة
مع تطور الكتابة ، تطورت الوسائل التي يتم الكتابة عليها ، فقد استخدم المصريون الحفر على الحجارة ، واستخدم السومريون العصا المدببة للكتابة على ألواح الطمي ، وكانت المشكلة في صعوبة نقل هذه المواد ، حتى اكتشف المصريون الكتابة على أوراق البردي ، كما اكتشفت قبائل المايا الكتابة على لحاء الأشجار ، إلى أن اكتشف الصينيون الورق ، ونقلوه إلى العالم ، ووصلت صناعته إلى بغداد في عهد الخليفة / هارون الرشيد ، ثم انتشر الورق في أوربا بعد فتح العرب للأندلس ، وبعد قرون قليله اكتشف الجواهرجي الألماني /جوتبرج ، طريقه لخلط الرصاص بمعادن اخرى لعمل السبائك ، طورها لطباعة الأحرف مستخدما اله ضخمه لعصر النبيذ كمطبعه ، نجح في تشغيلها عام 1436م ومع بداية القرن16 ، بدأت الصحافة الورقية المطبوعة تنتشر .
رابعا : عصر الإعلام والاتصال الجماهيري
شهد القرن التاسع عشر معالم ثورة الاتصالات الجماهيرية والتي اكتمل نموها في القرن العشرين , وكان من أسبابه الثورة الصناعية في العالم المتقدم والتي صاحبها التوسع في فتح أسواق جديدة ن كانت بحاجه إلى الاتصال الغير مباشر خارج الحدود مابين المنتجين والموزعين والمستهلكين ، وواكب ذلك ظهور المخترعات الحديثة ن مثل التلغراف عام 1837م ،وهو إن لم يكن وسيلة اتصال جماهيريه ، لكنه كان عنصرا أساسيا في تكنولوجيا الاتصال ، وقد تبعه اكتشاف / جراهام بيل للتليفون في العام 1876م ، وبعد عام واحد اخترع / إديسون / الفونوغراف ، وبدأ تسويقه كوسيلة موسيقيه شعبيه منذ العام1890م ، وفي العام 1896م اكتشف المخترع الايطالي / ماركو ني – اللاسلكي – وكانت المرة الأولى التي يتم فيها انتقال الصوت إلى مسافات بعيده دون الحاجة إلى أسلاك ، أدت إلى ظهور الخدمة الاذاعيه الصوتية لأول مرة في كندا وألمانيا عام 1919م ثم في أمريكا عام 1920 ، ثم بدأت بعدها بعدة أعوام التجارب الأمريكية الأولى لاختراع الخدمات التليفزيونية مستفيدة من كافة الاختراعات السابقة ، وظهر أول بث تليفزيوني أمريكي عام 1941م ، وكان اختراع السينما قد ذاع وانتشر ، مابين العام 1895م بظهور أول فيلم صامت من إنتاج فرنسي ، وحتى العام1927م بولادة السينما الناطقة ، وانعقاد مهرجان هوليوود السينمائي ، فاكتملت معادلة الاتصال الجماهيري بشقيها الثقافي والإخباري ، لتعلن عن دخول البشرية عصر الاتصال الجماهيري المرئي في السينما والتلفزيون
خامسا : عصر الانترنت ، والاتصال التفاعلي
كان القرن العشرين بحق هو قرن الإعلام ، وقد تتابعت فيه الاختراعات الاليكترونية بسرعة مذهله ، وصلت به إلى البث الفضائي التليفزيوني مستفيدة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية التي بدأت الظهور ، بإطلاق الاتحاد السوفييتي – السابق – لقمره الصناعي الأول عام1957، وتبعه تفوق أمريكي في مجال الأقمار الصناعية ، التي استطاعت نقل أول بث تليفزيوني مباشر في العام 1964م ، بتغطيتها لدورة طوكيو الاولمبية ، إلى أن عشنا ، وعلى الهواء مباشرة ، الحرب الامريكيه على العراق عام 1991 وأصبح لدى العرب القمر الصناعي عربسات عام 1990 ، وانضم إليه القمر الصناعي المصري نايلسات منذ العام1996م ، وكان الاندماج بين تكنولوجيا الأقمار الصناعية ، وتكنولوجيا الحاسب الاليكتروني ، أو الكمبيوتر ، هو قمة ما أنتجه العقل البشري من الاختراعات ، والتي أطلقت الانترنت ، والصحافة الاليكترونية ، وأدخلت الانسانيه إلى عصر تفاعلي ، بلا قيود وليس له حدود ، في التواصل بين الناس من كل الأجناس،
العولمة
تغيرت الأدوار أو تداخلت بين عناصر الاتصال ، وبات المرسل والمستقبل ، يتبادلان الأدوار في معظم الأحوال ، ويمكن لأي فرد كان توجيه رسالته في أي زمان والى أي مكان ، وتجمعت الخدمات الاتصالية في توليفه واحده ، يمكن من خلالها ، مشاهدة التلفاز والسينما وكتابة الرسائل الاليكترونية ، في جهاز المحمول التليفوني ، ويمكن مشاهدة الأفلام السينمائية والقنوات التليفزيونية والمحطات الاذاعيه ، مع مخاطبة العالم كله باستخدامات الانترنت ، وجهاز الكمبيوتر ، الأمر الذي جعل الكثيرين ، يطلقوا على هذا الزمان ، بالعولمة الكونية ، وتحولت القيادة من الساسة إلى رجال الإعلام ، وبات الإعلامي سياسي , والسياسي إعلامي ، والاقتصاد هو اللاعب الأساسي الآن ، ولم يعد هناك حرب أشباح ، أو أسرار ، وفي لحظات قصير تكون أخبار المشاهير من أثرياء وسياسيين أو فنانين ، في متناول الجميع ، من عامة الشعب أو المثقفين ، ولم تعد الديكتاتورية حلا مقبولا للحكام ، وبات الحديث عن الاشتراكية وهم وضياع ، والكون كله يتبع قوة عظمى واحده ووحيدة ، هي التي أنتجت كل هذه الاختراعات ، وتنادي بالفوضى الخلاقة بين الشعوب المستضعفة لتحكم سيطرتها عل العالم ، بنشر قيمها ، ومعتقداتها والويل والدمار لمن يعارض أمريكا صانعة عصر العولمة .
الباحث الإعلامي / يسري شراب – دبلوم سياسة – دبلوم إعلام