عيد بنكهة القهر...
لم تنم بهية حتى أنهت ما عليها من صنع حلوى العيد وترتيب المنزل وتنسيق ملابس العيد لأطفالها...
كان رمضان يؤذن بالرحيل..ولن يعود للأسف حتى السنة التالية...نظرت لمنزلها نظرة رضى.. ابتسمت ودخلت تعد آخر أطباقها الرمضانية اللذيذة ...كان يكفيها محبة أولادها لما تحضره , فزوجها لا يألو جهدا في اختلاق العلل حتى الملل...
بكل الأحوال لن يتجاوز رمضان الثلاثون يوما ...
كانت تعلم مسبقا أن رمضان سينتهي كما بدأ بروح عصبية مفرطة لزوجها ناهيك عن تشنج كل من تعرف, ذاك المريض بالقرحة المعدية والتي تسبب له الأدوية الخاصة بالمثابرة على الصيام,كآبة مزعجة تحرق مضاعفاتها السلوكية روحها حتى الصميم ,حتى لا تكاد تعرفه أبدا ,رغم تحليها في هذا الشهر ومحاولاتها الحثيثة بكل أنواع الحلم التي تجدها في زوايا نفسها المنهكة...
كانت تتوق دوما لشم ريح البشر والبحث عن علاقات جديدة تسعدها وتضيف نكهة جديدة لحياتها الرتيبة...
ما كانت تعرفه تماما ..هو أن الصمت في ذروة الأوقات المزعجة هو الحكمة بعينها ..لكنها كانت تنفلت منها عبارات الصدق لما يسألها احد عن أحوالها فتندم وتتعود لتقول:
-لن أعود لذكرها أبدا...
لم تصدق يومها أن رمضان سيمضي..بكل ما فيه من طعم الورع والمحبة والألفة والعبادة المميزة...
يمضى كل اليوم كسابقه...كمضي العمر الذي لا يفصح عن أوجاعه إلا متأخرة...
ومازال سؤالها ينهش في قلبها المحترق:
-لماذا لم تعد أخواتي يتصلن بي؟
لقد مضى على سوء التفاهم الذي كان في اليوم الأول عند الاجتماع على مائدة الإفطار لدى والدتها... وقت كاف,ولم تتوان عن الاتصال بهن فردا فردا...وإلى لآن لم تجد جوابا شافيا وكل يتذرع بحجج غير مقنعة...
عندما أتى العيد بكل بهجته..كانت بهية تنتظر ابتسامة جديدة ترسمها الدنيا على محياها والذي نسي طعم الابتسامة الحقة...
أولاد انهوا دراستهم ومازالوا في المنزل بلا عمل وخلافهم بلغ عنان السماء مع والدهم...معادلة لم تجد لها حلا أبدا وكل يكيل اللوم على غيره...
عندما تكيل لومك كله على فرد فاعلم انك في منتهى وفي قمة الضعف....
حدثت نفسها بهذا ولم تنكر لومها لكل الحياة...
أتى العيد بثوبه الجديد وتجهزت العائلة لزيارة الجدة...
تململ أبو نضال في الذهاب لكنه أرخى الحبل لام نضال لمعرفته أنها قضت رمضان حزينة جدا وعلى غير عادتها في المزاح وروح الدعابة..كان تأنيب الضمير يأكله جدا..فكيف ينقل خلافاته الخاصة لعائلة زوجته في لحظة غضب؟
دق الباب...رأوه..دخلوا دون أن ينبسوا بحرف...
دلفت أم نضال لداخل المنزل وسط وجوم الجميع...قالت لها أختها الصغرى..
-أبو نضال لن يدخل هنا بعد اليوم...
صدح صوت في الداخل:
-تصرفكم هذا خاطئ لا يجوز لا يجوز... صعب ألا يسمع الإنسان إلا نفسه..
صدر الرد مصاحبا له بحزم
-لا دخل لك بعد ذلك في أمورنا الخاصة...
غصت في دموعها..ومازالت أسئلة كثيرة تدق على رأسها المسكين:
لماذا تشغلنا توافه الأمور عن الأمور الأهم؟ ولماذا لا نمنح أحدنا فرصة تعديل البوصلة؟ ولماذا لا نغفر والله غفور رحيم؟هل نحن أفضل من كل هؤلاء الذي يحيطون بنا؟
ألقت سلامها على الجميع وانصرفت مع عائلتها ...
ريمه الخاني 14-8-2011