فى قرية صغيرة فقيرة، وفى ليلة العيد، اجتمع الأطفال يتسامرون فى ضوء القمر الشاحب، كان القمر لا يلبث أن يظهر حتى يختفى ، من جرّاء تلك السحابات السود التى تعبره فى اصرار وتتابع، وكان الأطفال ممزقى الملابس حفاة الأقدام، قال أحدهم "سأحمم كلبى صباح العيد" ، وقال آخر" سأذهب للحقل وآتى بحزمة برسيم لأرنبى الأبيض" ، وقال ثالث " سأذهب مع أمى لأزور قبر أبى " ، سعيد وقف صامتا ينظر للقمر البعيد، قالوا "قل لنا ماذا ستفعل يا ابن أم سعيد؟ " ، قال"سأبكى، سأبكى كثيرا حتى تصنع لى أمى كعك العيد" ، ضحكوا وقالوا "كعك العيد؟ من منا أمه خبزت له كعك العيد؟! اجر يا سعيد ، العب قبل أن يختفى القمر".
نام سعيد وقد عقد العزم أن يبكى عندما توقظه أمه فى الصباح، وما أن راح فى النوم حتى رأى فى الحلم كعكا كثيرا، كبيرا وصغيرا، أخذ سعيد يأكل ويأكل، وكانت أمه تراه وهو نائم يمضغ، فتنظر إليه فى ضوء المصباح الضعيف وتبتسم، رأى سعيد كعكة كبيرة جميلة ، علقها فى ذراعه ومشى يختال ، أحاطت به ملائكة النوم ، يريدون أن يخطفوها، قبض عليها سعيد وراغ حتى نجح فى الإفلات منهم، وجرى سعيد، جرى والكعكة فى ذراعه ، ولما هيىء له أنه أفلت منهم رأى سلطان النوم واقفا عند بوابة الحلم، يمسك فى يده سيفا، يضرب به يد الخارج من البوابة فيسقط ما فى يده ويخرج من البوابة كأن حلما لم يكن.
شدد سعيد القبض على كعكته وقال أموت دونها، ضرب السلطان بالسيف، ضرب بالسيف، سعيد يقفز، ينط، يعرق، يجاهد، أمه مسحت له العرق بكمها وأطفأت المصباح تخشى حرارته، يصرخ سعيد ، يقفز فوق السيف ،ينط فوق كتفى السلطان، يعبر بين ساقيه، صحا سعيد من النوم والكعكة فى يده يقبض عليها ويستميت.
ضحك سعيد، ضحك ، وجرى لرفاقه يمسك الكعكة فى يده، اجتمع حوله الرفاق وتكاثروا، تخاطفوا الكعكة، مزقوها، مضغوها، وفى لحظة ابتلعوها ، بكى سعيد ، فلم يذق منها شيئا، وشعر أن ما أكله من كعك لم يكن إلا حلما، عاد من حيث جاء، نظر إلى أمه وإلى وعاء الدقيق الفارغ ، نظر إلى السرير الجريد الذى كان ينام عليه ثم خرج من البيت.
* * *