منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1

    من كوبنهاجن إلى صنعاء

    من كوبنهاجن إلى صنعاء(1)
    هذه ليست (سياحة) في كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء) فقط،بل هي محاولة لإلقاء النظرة على أحد أسباب ما أصبح عليه الغرب،أو بعض الأسباب التي جعلتهم يحيطون بنا من كل جانب،ويبنون حضارتهم على حسابنا،أو عبر تحويلنا إلى مجرد (مستهلكين) أو (زبناء)،لمصانع الغرب ... لقد درسوا كل ما يتعلق بنا،رسموا لنا (خرائطنا) .. درسوا مناخنا،أسواقنا،ديننا،لغتنا،وفنون البناء عندنا ... ولم يسلم منهم حتى (ختاننا) إناثا وذكورا!!! نعم .. لم يأت التفوق الغربي اعتباطا،لقد بذلوا الجهد كله ... مات أبناؤهم،وارتوت صحارانا،وبحارنا،من دمائهم .. فهل نتعجب إن تفوقوا؟!! الكتاب الذي بين يديّ هو (من كوبنهاجن إلى صنعاء)،لمؤلفه توركيل هانسن،وقد نقله إلى اللغة العربية،الدكتور محمد أحمد الرعدي،ونشرته دار العودة ببيروت،والطبعة التي بحوزتي هي الطبعة الثانية 1983م { مقدمة الطبعة الأولى في سنة 1968م.} ويقع الكتاب في 376 صفحة. في البداية نقتطف جزء من المقدمة التي كتبها الدكتور عبد العزيز المقالح نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوالكتاب – من كوبنهاجن إلى صنعاء – بموضوعه البالغ الأهمية وبأسلوبه الروائي الجذاب،ويروي تفاصيل رحلة علمية وسياسية،كانت قد قامت بها بعثة أوربية مؤلفة من ستة أفراد من الدانمرك إلى اليمن،ولم يعد إلى وطنه من أفراد هذه البعثة سوى واحد،ولقي الباقون مصرعهم في البر أو البحر،شأنهم شأن عشرات الآلاف من الرواد وطلائع الكشوف العلمية والاستعمارية في مطلع عصور الارتياد والاكتشافات الحديثة.){المقدمة (ب)}.مقتطفات من (القسم الأول) من الكتابعنون المؤلف لهذا القسم بالعناوين التالية نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيخط سير البعثة – البداية الحقيقية للمشروع – دوافع الرحلة – اختيار أعضاء البعثة – التنافس بين الدنمارك والسويد .){ص 21}. بعد الكثير من الاستعداد والتجهيز .... (في صباح يوم هادئ من أيام شتاء عام 1961،في الرابع من شهر كانون الثاني(يناير) ركب فريق مكون من خمسة رجال قاربا،في طريقهم إلى إحدى السفن،مرتدين ملابس الرحيل. وقفوا جميعهم في القارب،وأعطوا الشمس ظهورهم ليروا مدينة "كوبنهاجن"وكأنها في متناول أيديهم،المدينة ذات الشهرة الواسعة،وقد أخذت تتوارى ببطء من خلال أشعة شمس كانون الثاني (يناير) الخافتة.هناك في عرض البحر،أمام القارب،وتحت أشعة الشمس ترسو السفينة (جرين لند) التي تربط عاصمة الدانمرك بمدن العالم البحرية الأخرى،إلى هناك حولوا أنظارهم ووقفوا في مواجهة أشعة الشمس،وقد زروا أعينهم،اتقاء منها،وحتى يكون في استطاعتهم رؤية الصواري وحبال السفينة. ومن المحتمل أن يكون قد غمر بعضهم شعور بسيط بعدم الارتياح لمنظر السفينة وكأنها شبح أسود. كان على تلك السفينة الراسية هناك أن تأخذهم معها في الأشهر القامة،وتعبر بهم مياه البحر الأبيض المتوسط حتى تصل مدينة القسطنطينية،ومن ثم يواصلون رحلتهم إلى الإسكندرية،فالقاهرة،وعبر مياه البحر الأحمر إلى الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية .. إلى هناك،إلى أرض المعجزات،حيث اللبان والمر العلاجي،والبلسم،إلى جنة الله على الأرض، التي حلم لإسكندر الشاب بغزوها،والتي منذ الأزل أطلق عليها اسم العربية السعيدة،ذلك رما لأنه لم يصلها أحد. وكان جميع أعضاء الفريق يسمونها في مذكراتهم بهذا الاسم. ){ص 21 - 22}.ظل خبر البعثة – أو أمر "المغامرين" – سرا!! إلا أن انطلقت الرحلة،فنشرت إحدى الصحف الخبر،مع التنويه بدور جلالة ملك الدنمرك،رغم مشاغله : (كان أمر هؤلاء المغامرين الخمسة سرا لم يكشف،ومع هذا ما إن مر أسبوع على بدء رحلتهم حتى نشر الخبر التالي بتاريخ 20 كانون الثاني (ينار) عام 1761،على الصفحة الأولى من جريدة كوبنهاجن بوست :"إن جلالة الملك في هذا القوت العصيب،ورغم مشاغله الرسمية المرهقة،يناضل دون ملل من أجل غزو آفاق جديدة للمعرفة والتقدم العلمي،وتحقيق مجد أكبر لشعبه. لقد أرسل بعثة من العلماء على ظهر السفينة "جرين لند"(..) وتتألف البعثة من 1 – البروفسور فريدريك كرستيان فون هافن متخصص في اللغات. 2 - البروفسور بيتر فورسكال عالم نبات،وفيزيائي. 3 – المهندس الملازم كارستن نيبور،عالم في الرياضيات الفلك. 4 – الدكتور كرستيان كرامر،طبيب وفيزيائي. 5 – الهر جورج ولهم بورنفانيد،فنان ونحات. هؤلاء الرجال سوف يمضون عدة سنوات في الشرق كما سبق وأمضوا عدة سنوات يعدون أنفسهم لهذه المهمة،ولهذا فمن المتوقع بثقة،أن جهودهم ومؤهلاتهم سوف يكون لها نتائج مرضية،من أجل تقدم المعارف العامة،ومن أجل ترجمة أكثر صحة للكتاب المقدس خاصة.){ص 22 - 23}.هذه الإشارة إلى (الكتاب المقدس)،تلاها حديث أكثر تفصيلا عن أهداف الرحلة (الدينية)،أو (الدينية التأريخية) – إن صح التعبير - : (وكان البروفسور ميشاليس طبيا بالخبرة،تماما كما كان الأطباء الإنجليز،وكان يؤمن بوجود الله،وينكر الوحي وكل ما يتعلق بالأديان من اعتقادات،وعدل عن المبدأ الذي يقول بأن كل كلمة،في التوراة،هي وحي من عند الله،وعليه فإن التوراة كتاب لا مجال فيه للنقص أو المخالفة،واعتبر الكتب السماوية ككل الكتب العادية،لابد أن تخضع للنقد الحر من الناحية اللغوية والتاريخية،وأثناء دراسته بدا له أن القيام برحلة إلى البلاد العربية سوف يلقي الضوء على كل الأمور والتساؤلات المتعلقة بالدراسات اللغوية للكتب المقدسة. فعلى سبيل المثال،سيكون في الإمكان التعرف على الأشجار والحيوانات بالبلاد العربية واختبارها ومطابقتها بما جاء ذكره في التوراة من أشجار وحيوانات،كما يمكن دراسة جغرافية شبة الجزيرة العربية (خاصة حركة المد والجزر في البحر الأحمر)،كدليل كبير في محاولة فهم موضوع (الهروب من مصر).كما تمكن الرحلة من دراسة عادات العرب اليومية،,ملابسهم،وفن البناء لديهم. كان ميشاليس مقتنعا بأنه لم يبق إلا بلدان قليلة في عالمنا هذا،لا يزال شعبها محافظا على القديم،كشعب شبه الجزيرة العربية،وإن في "العربية السعيدة"إمكانية عظيمة لوجود آثار حضرية متنوعة شبيهة بتلك التي في إسرائيل القديمة وأحسن من تلك التي في فلسطين.){ص 24 - 25}. وهذه إطلالة على سيرة أحد أفراد البعثة،ومكانته العلمية.ربما تلقي الأسطر الآتية – أيضا – الضوء على نقطة تتعلق باللغة (العبرية)،والتي كثيرا ما نقرأ أن اليهود أحيوها بعد أن ماتت،ولسنا نجادل في ذلك،ولكننا نشير فقط،إلى أن البحوث العلمية كانت تكتب باللغة العبرية في تلك الفترة المبكرة،كما لا ننسى أن اللغة العبرية كانت لغة وسيطة بين اللغة العربية (لغة الحضارة) في وقتها،وبين اللغة اللاتينية،وذلك عبر المترجمين اليهود الذين كانوا يجيدون اللغة العربية ... على كل حال،يقول المؤلف عن البروفسور بيتر فورسكال نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعييبدو أنه في سن العاشرة انخرط في بجامعة ابسلا (..) حيث كان عليه أن يدرس العلوم الدينية،,في ذلك الوقت،لم يكن من المستغرب أن يدخل الجامعة صغار السن،ومع هذا فقد أثار فورسكال حوله نوعا من الحماس والفخار عندما ألف رسالة جيدة مطولة باللغة العبرية بعد دخوله الجامعة بثلاث سنوات فقط.(..) عرّض نفسه للهجوم حين قدم رسالة جدلية أخرى إلى جامعة (ابسلا) (..) في هذه الرسالة الجديدة غامر بيتر فورسكال بتقديمه بعض الآراء ووجهات النظر،التي جعلت مجموعة كبيرة من الرجال الأقوياء تقف ضده (..) كتب جزء من الرسالة باللغة اللاتينية،والجزء الآخر باللغة السويدية وحملت العنوان التالي : آراء وأفكار عن الحرية المدنية. وفي الوقت الذي كتبت فيه هذه الرسالة كانت الملكية المطلقة قد انتهت في السويد،غير أن أي إنتاج فكري جديد كان لابد أن يخضع لرقابة الحكومة أو على الأصح لرقابة أصحاب النفوذ،وذلك بواسطة مجلس العدلية الذي كانت رقابته أكثر من شدة منها في العهود التي كان يتمتع فيها ملك السويد بسلطة مطلقة.تحت وطأة دكتاتورية الحزب الواحد،أعد فورسكال دفاعه عن الحرية المدنية،من أربع وعشرين مقالا،استهلها بأن ذكر أن أعز وأغلى ما يملكه الإنسان،بعد حياته هي حريته،وأن الخطر الوحيد الذي يهدد هذه الحرية،هو سيطرة وجبروت أصحاب المناصب والوجهاء،وأصحاب الأموال الذين كبرت سطوتهم على البلاد،واستغلوا نفوذهم في سبيل الحصول على الامتيازات على حساب الشعب،وحتى في كثير من البلدان الجمهورية،حيث يملأ الحكام الدنيا ضجيجا وزعيقا باسم العدالة والحرية،نجد أن غالبية الشعب قد أصبح عبدا للطبقة الحاكمة.(..) رفضت الكلية طباعة الرسالة شأن كل الأعمال الخطيرة والجريئة،وذلك في محالة منها لإخماد الشعلة التي يمكن أن تسبب الانفجار (..) لم يستسلم وقدم شكوى إلى مجلس العدلية،فأصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار. وبطبيعة الحال،أيد مجلس العدلية قرار الكلية (..) واستأنف فورسكال الحكم،غير أنه حصل على نفس النتيجة،فقد طلبا إلى مجلس العدلية يبدي فيه استعداده لأن يغير كل شيء يجده المجلس خطأ،وكان نصيب هذا الطلب أيضا الرفض. وكتب للمرة الثالثة طالبا أن يوضح له المخالفات التي يفترض أنه ارتكبها وأبدى استعداده مرة أخرى،في تصحيح أي أخطاء يمكن أن تكشف له،فرفضت كل طلباته.فلجأ إلى قوة النضال بقوة وإيمان،وعمد إلى الاتفاق مع صاحب مطبعة،,في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1759 صدر كتابه : "آراء وأفكار عن الحرية المدينة" من 500 نسخة وما إن خرجت آخر نسخة من المطبعة حتى قام في نفس اليوم بتوزيعها على تلامذته في جامعة ابسلا،(..) وأصدر مجلس العدلية حكما بمنع الكتاب،وأمر مدير الجامعة بجمع كل النسخ التي طبعت،لكنه لم يستطع أن يجمع إلا تسع وسبعين نسخة من الكتاب،تم إحراقها في الحال.){36 - 40}.بعد حادثة إحراق الكتب،ننقل مقطعا (مطولا) من التوصيات الأخيرة التي تسلمتها البعثة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتسلم المستر كريستيان نيبور،توصيات الملك الأخيرة،التي تضمنت ثلاث{هكذا} وأربعين مقطعا. كان أهمها ما يلي:1 - سوف ترحل البعثة إلى القسطنطينية (..) تواصل طريقها من هناك إلى العربية السعيدة،حيث تلاحظ وتدرس كل شيء،على أن تظل أهداف البعثة نصب عين الجميع.2 - إن الطريق الذي سوف تسلكه البعثة،سيكون مؤديا أولا إلى القسطنطينية ثم إلى الإسكندرية،فالقاهرة،ثم إلى سيناء،ثم جنوبا،عبر البحر الأحمر إلى مدينة المخاء {في الصفحة 65 : "إلى الإسكندرية ثم السويس،نزولا في البحر الأحمر إلى جدة القريبة من مكة،ثم إلى ميناء المخاء في اليمن السعيدة"} ويتسلم أعضاء البعثة من سفير جلالة الملك في القسطنطينية جوازات سفرهم (..) وسوف تمكث البعثة في العربية السعيدة سنتين وعند الضرورة ثلاث سنوات.3 - إن واجبكم الأول هو أن تتعلموا اللغة العربية،قد استطاعتكم،وسيسعدكم ذلك،من رفاقكم،عالم النبات وعالم اللغات.5 - سيكون لكل واحد منكم مذكرة يسجل فيهل ذكرياته،وعليه أن يبعث بصورة منها بشكل دائم،حين تسمح الظروف.6 - على كل منكم التعامل مع (المحمديين) في حذر شديد،واحترام دينهم،وعدم التصرف مع نسائهم،بحرية كما يتصرف،مع النساء الأوربيات.7 - سوف يكون تحت تصرفكم مبلغ 2000 ريجسدالر لشراء المخطوطات بأسعار معقولة،(..) والغرض من هذا شراء مخطوطات التأريخ الطبيعي،والجغرافيا،والتأريخ،وشراء المخطوطات القديمة للتوراة،ونسخ للترجمة العربية للتوراة،وخاصة الغائر منها في القدم والتي كتبت بأحرف أبجدية تختلف عن التي تستخدم الآن. 8 – على الأعضاء أن يعملوا جهدهم للإجابة على الأسئلة التي وضعها البروفيسور ميشاليس،وأيضا على تلك التي يرسلها العلماء الأوربيون،وترسل إلينا من هذه الأخيرة نسخ ترفق بصور المذكرات. 9 - (..) وحين تقومون بحساب خطوط الطول والعرض،عليكم أن تجمعوا المعلومات لعمل خرائط للمناطق التي تمرون بها،وعليكم ملاحظة الاختلافات التي يمكن أن تكون بين الفصول الجافة والفصول الممطرة،وعليكم الاهتمام بأي شيء أثري من العصور القديمة،ووجهوا هممكم أيضا إلى حجم السكان وإلى خصوبة الأرض.وأكثر من هذا عليكم أن توجهوا أهمية خاصة لحركة المد والجزر في البحر الأحمر،والعلاقات بين الأحياء والأموات،وإلى تأثير تعدد الزوجات في زيادة ونقصان السكان،وإلى العلاقات بين الرجل والمرأة،وإلى عدد النساء في المدينة والريف.على الدكتور كرامر أن يولي اهتمامه بالأمراض الخاصة بالمناطق المزارة،وبالقيام بمكافحتها،وستكسبون ثقة العرب بمساعدة مرضاهم.11- على البروفيسور فون هافن أن يلاحظ تقاليد وعادات أهل البلاد،وخاصة تلك التي ألقى عليها القليل من الضوء الكتاب المقدس والقوانين اليهودية،وعليه أن يعمل ليكتشف بقدر الإمكان كل شيء عن العرب والإسرائيليين والسوريين،وأن يطلع على طقوس وعادت الوثنيين قبل الإسلام،ويسجل أي اختلافات يجدها عما جاء في التوراة المكتوبة باللغة القديمة،وعما جاء في المخطوطات اليونانية. وأية مخطوطات قديمة عربية أو شرقية لا يستطيع تفسيرها،عليه أن ينقلها طبق الأصل.12- على البروفيسور فورسكال أن يجمع المعلومات عن الحيوانات والنباتات وعلى الأخص تلك التي جاء ذكرها في التوراة.){69 - 71}. نختم هذا الحلقة،بتعليق المؤلف،على ما يتعلق باهتمام البعثة بالدين نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوهل كان فقط هدف البعثة(فتح آفاق جديدة للمعرفة وفي سبيل ترجمة أكثر صحة للكتاب المقدس؟) .. إنهم مهما أولوا الناحية الدينية من اهتمام،فإننا نستطيع أن نضعه جانبا،ذلك أن الدين قد استغل عبر التاريخ،بحجج تخفي وراءها مهام غريبة مستهجنة. وهناك أمر آخر يؤكد هذا،ذلك أن جميع الرسائل المتعلقة بالبعثة،لم تشر إلى الناحية الدينية مطلقا.){ص 74}.أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 3/2/1432هـ

  2. #2
    من كوبنهاجن إلى صنعاء(2)
    من اللافت للنظر أنه حتى قبل الوحدة الأوربية،وإبان الصراع – والحروب – بين أوربا،خصوصا على المستعمرات،كان هناك نوع من التعاون العلمي بين الجامعات،وقد كان من مهام البعثة أن تجيب على التساؤلات التي تأتيها من الجامعات،وعند وصول البعثة إلى القسطنطينية : (كان البريد في انتظار أعضاء البعثة لدى السفير،وقد حوى رسائل كثيرة من كل الجامعات الأوربية تطلب من أعضاء البعثة أن يقوموا بفحص ودراسة جميع المشاكل التي يمكن إدراكها،صغيرها وكبيرها،ابتداء من موضوع،هل يجد الرجل المختون متعة "جنسية"أكبر من الرجل غير المختون .. وانتهاء بموضوع،إلى أي مدى يمكن اعتبار الصحراء العربية المجدبة بداية توسع الجفاف وزحفه على العالم أجمع.){ص 101}.هذه (لوحة) لا ندري إن كانت مجرد (لوحة) أم أنها تريد أن تخبر الذين هناك،أن صغيراتنا عاريات،في القوت الذي يضع الصغار (طواقي) أيا كان لونها!!! : (متابعا تغير المناظر على طول الشاطئ،فهذه أشجار النخيل تمر أمامه،وهذه المنازل المبنية من الطين،وقد تغطت سطوحها بأكوام القمح التي تجذب كل صباح أسراب الطيور الصغيرة. وعلى الأرض نشر الأرز وتجمع الأطفال لدرسه،الصبيان منهم يلبسون فقط طواقي حمراء،والبنات كما خرجن من بطون أمهاتهن. وكان يشاهد من وقت لآخر،رجلا راكبا حماره وعليه سترة زرقاء رثة،أو امرأة تعود من النهر وعلى رأسها جرة من الفخار.){ص 122}.في القاهرة كتب نيبور في ... ( مذكراته الصغيرة ملأ وصفه للمدينة ما لا يقل عن 149 صفحة (..) وقد بدأ نيبور دراسته بإعطاء صورة تفصيلية للمدينة،فوصف أحياءها المختلفة ومساجدها وجميع ميادينها الواسعة،ووصف طريقة مد المدينة بالماء من نهر النيل والطرق المستخدمة في التصفية،ووصف سكان المدينة :أخلاقهم وعاداتهم وملابسهم،ونوع حكومتهم ومهنهم،وأورد قائمة بصادرات البلاد ووارداتها،واستغرق وصف الأدوات المائية فصولا واسعة،كآلة المساة(الساقية)،كما وصف الطواحين ومعاصر الزيت والمشاريع الزراعية والآلات الموسيقية وملح النشادر،وتضمن الوصف رسوما إيضاحية دقيقة،بينها رسم لآلة سماها نيبور (موقد الدجاج)،وهي تطابق في الجوهر جهاز التفريخ الصناعي الحديث. حتى الألعاب المصرية كانت موضوع دراسة واسعة.){ص 135}.ذهبت البعثة إلى سيناء،ولكنها لم تنجز شيئا،ولكن بقاءهم في مصر كانت له ... ( نتائج فاقت ما كانوا يتوقعونه،خلافا لرحلتهم الفاشلة إلى سيناء،فبالإضافة إلى إرسال عدة مئات من النماذج النباتية فقد أرسل فورسكال أيضا مؤلفاته كاملة. اثنان منهما خاصان بالنباتات وواحد خاص بالحيوان. وملأ نيبور ما يقرب من ألف صفحة من مذكراته بملاحظاته الفلكية وبتقلبات الجو مقرونة بالخرائط وتخطيطات المدن مع وصف لعادات وتقاليد سكانها،وتضمنت مجموعات بورنفانيد الفنية العديد من الرسوم النباتية وأشياء أخرى،كالملابس والآلات والأجهزة والآثار والمناظر الطبيعية.){ص 198 - 199}. ثم بدأت رحلتهم إلى جدة : ( وفي يوم هادئ من أيام الصيف،في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) 1762،كان الرجال الخمسة أعضاء البعثة،من جديد،يقفون على قارب يعبر بهم ناحية الشمس وأصوات المجاديف تخرّ في آذانهم،,قد خلا الهواء من أي نسيم يمكن أن يحرك ذلك الحر الشديد الرابض على سطح الماء الجامد. لقد تركوا خلفهم مدينة السويس،حيث شكلت الظلال المدببة والواجهات البيضاء للمنازل نماذجا للتناسب بين الأشياء وظلها،تتغير تدريجيا كلما ابتعد القارب عن الشاطئ،وأمامهم تقف أربعة مراكب ضخمة لا يرون منها إلا الأجزاء الواقعة في الظل. وكان النور شديد الوهج حتى أن رؤوس الصواري والحبال كانت تظهر وكأنها نقط لامعة.وكانت أشعة الضوء تصطدم بالمياه أمام السفن وخلفها.(..)هذه هي السفن،التي خلال ثلاثة أيام،ستقوم بالإبحار جنوبا في خليج السويس،وبعد ذلك تبحر بميل في البحر الأحمر حتى تصل جدة التي كانت وقتئذ ميناء مكة. (..) بعد ثلاثة أيام (..)أبحرت السفن الأربع في اتجاه الجنوب على المياه اللامعة (..) وقدر فورسكال البحارة بما لا يقل عن اثنين وسبعين رجلا،يرافق أغلبهم زوجاتهم وأولادهم. (..) واستغل فورسكال حادث الكسوف المتوقع فوق البحر الأحمر،لاستعادة مكانتهم المفقودة ومركزهم الضائع. فقد أخبر ربان السفينة وركابها أنه يتنبأ حدوث كسوف للشمس.وبالفعل حدث هذا الكسوف في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 1762. فدهش جميع المسلمين.){ص 197 - 200}.لم أستطع تجاوز (دهشة المسلمين) تلك،دون أن أتساءل .. هل قدرنا – كمسلمين – إما أن نصاب بالدهشة عند علمنا "المسبق" بواقعة (الكسوف) أو أن (نعدوا) بالنظرات لنشاهد (الكسوف) – كما حدث الأسبوع الماضي – ضاربين عرض الحائط بالأمر بـ(الصلاة) والتذلل والخوف؟!!!!! هل لحصولنا على (المعلومة) دور في تحويل الأمر إلى شيء (عادي) لا (يرعب) ولا يدهش؟!!! على كل حال،يبدو أننا في (باب الدهشة)!! مدهشة تلك الصورة التي رسمتها البعثة لأهل جدة (المنفتحين)،خلافا لأهل مصر(المنغلقين)!!!! (وفي التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1962 رست السفن الأربع في ميناء جدة. (..) وقبل مواصلتهم السفر اضطروا للبقاء في جدة ستة أسابيع،بسبب الرياح الشمالية الدائمة التي أخرت وصول السفن القادمة من المخاء محملة بالقهوة(..) كان بقاؤهم مملا بين عرب مصر،الذين كانوا ينظرون إليهم نظرة عدائية،لكنهم هنا،التقوا،مندهشين،بشعب ودود،استطاعوا لأول مرة أن يزروا أماكن شرب القهوة،دون مواجهة أي إزعاج أو مضايقة أيا كانت. فعرب جدة لا يجدون وجود الأوربي بينهم إهانة لهم،كما كان الحال في مصر. والكل،غنيهم وفقيرهم لطيفوا المعشر ومحبون للاستطلاع. (..) خلال بقائهم بجدة قام كل من نيبور و بورنفانيد و فورسكال بإنجاز بعض الدراسات عن المنطقة،كل في مجال اختصاصه. وعند المغيب كانوا يتجولون على الرصيف،وفي استطاعتنا أن نتخيلهم يسيرون هنا وهناك،يسجلون أسعار الحرائر المستوردة من الهند،وأسعار العسل والشراب والبيرة الصفراء من مصر،والقصدير والزئبق والشمع من أوربا. ومن حولهم يتزاحم الناس في ذلك الميناء العربي – الذي ربما لم يتغير منذ ذلك الوقت بروائحه المخمة،وألوانه الترابية،الخضراء والصفراء،وحماليه المشدودة أعينهم إلى الأرض - ){ص 205 - 206}.كنت أريد أن أبعدكم عن تلك الروائح غير الطيبة،فإذا بالعبارات التالية تشتمل على سعي أحد أعضاء البعثة للحصول على (قملة) من أجساد اليمنيين!!! وذلك ما سنراه في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 5/2/1432هـ

  3. #3
    من كوبنهاجن إلى صنعاء(3)
    واصلت البعثة استعراضها،لما تملك من أدوات،لتحصل على المزيد من (دهشة المسلمين)،ولكن هذه المرة عبر (المجهر). طلب الهر فورسكال (قملة) ليضعها تحت المجهر،طلب من موظفي الجمارك اليمنيين (واحدة)، فنفوا وجود مثل ... ( هذه الحشرة على أجسامهم. وحين وعدهم بأنه سوف يدفع بعض المال مقابل تلك المخلوقة،كان من الواضح أن أحدهم كان قادرا على أن يقدم شيئا ما. ولم يشعر الأمير بالغبطة والسرور من قبل،كما شعر بها حين شاهد هذه القملة في حجم كبير جدا. وقد أمعن النظر فيها جميع الحاضرين،واحدا بعد الآخر،وجاء دور موظف الجمارك الذي قدمها فأخذ يقسم اليمين في غضب،بأنه لم يشاهد قملة عربية في مثل هذا الحجم،وأن المخلوقة الموجودة تحت المنظار لابد أن تكون،بالضرورة،قملة أوربية (..) "من ما عرضنا على سكان اللحية من أشياء مدهشة لم يثر انتباههم وإعجابهم شيء مثلما فعل التلسكوب الذي عرضته عليهم،والذي كان يريهم الأشياء مقلوبة. لقد دعوتهم لمشاهدة امرأة تمشي في ميدان السوق على بعد منهم،فكادت عيونهم تخرج من محاجرها دهشة وإعجابا،حين شاهدوا المرأة تمشي بأقدامها في الجو دون أن تسقط ملابسها من عليها. وقد صرخوا في صوت واحد وفي حماس بالغ : الله أكبر. وشعر كل منهم بالسعادة والغبطة لأن مثل هؤلاء الأوربيين المشهورين قد أتوا إلى مدينتهم.وشعرنا نحن للمرة الثانية بالسعادة تغمر قلوبنا جميعا للقائنا بهؤلاء المواطنين الطيبي القلب. ){ص 220}.طيبة اليمنيين،أمر أجمعت عليه البعثة،بل طاب لهم الجو حتى عزفوا الموسيقى!!! : (واتفقت أراء جميع أعضاء البعثة في أن هذا البلد فريد في نوعه،فطيبة سكانه لا يمكن مقارنتها بطيبة سكان بلد آخر زاروه في رحلتهم الطويلة.(..) "لأن كل شيء كان يسير سيرا حسنا بالنسبة لنا في اللحية،فقد طلب لنا،الهر بورنفانيد وأنا{نيبور} أن نعزف معا بعض الألحان على الكمنجة في الهواء الطلق في تلك الأمسيات الجميلة". (..) وانسابت هذه الألحان الغريبة إلى مسامع الأهلين،فاستطاع المارة في الشوارع القريبة سماعها،وشاع في الحال أن بين الأعمال العجيبة التي يقوم بها هؤلاء الغرباء،هي قدرتهم على عزف الموسيقى المدهشة.وما أن وصل هذا الخبر إلى علم أحد التجار الأغنياء المسنين حتى أرسل إلى البعثة رسالة يطلب فيها المجيء إلى داره مصطحبين معهم كمنجاتهم.لكن العازفين رفضا دعوة هذا الرجل الغني،لأنهما كانا يعرفان أن المسلمين لا يحترمون الذين يشغلون أنفسهم بالموسيقى. ){ص 223 - 225}.لم يستطع (المسن) أن يفوت هذه الفرصة،فركب حماره،مسنودا بخادمين،وذهب إلى البعثة،حيث عزفوا له بعض الألحان الحزينة،لأن العرب يسهل عليهم تقدير الموسيقى الجادة أكثر من الموسيقى المرحة،تحدث نيبور عن اليمني المسن نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي"كان على ما أذكر،في الثامنة والثمانين من عمره. لم يتزوج أبدا زواجا صحيحا. لكنه كان يفاخر بأنه قد حرم مجموعة كبيرة من الفتيات الصغيرات الجواري،من بكارتهن،وكان بعدئذ يعمل على زواجهن،أو يقوم بإعتاقهن،لتعود إليهن حريتهن من جديد. وكان عنده في ذلك الوقت فتاتان من الجواري الصغيرات الجميلات،حصل عليهما حديثا،وكانت الرغبة تتأجج في نفسه لأن يمارس معهما ما هو من عاداته. وقد قدم لدكتور البعثة مبلغا من المال،عساه بخبرته يستطيع أن يمنحه القوة اللازمة لذلك.(..) ووجدنا تاجرا آخر من تجار اللحية في نفس الموقف الحائر،يسمح لنا مظهره،أن نقدر عمره بين الخمسين والستين سنة. عرض هذا التاجر على دكتور البعثة مبلغ ماية سبيس ديلير،إذا استطاع أن يجعل منه صالحا حتى لزيارة واحدة لجاريتين من جواريه ..(..) وصف نيبور حالة هذين الرجلين بسخرية غير ملحوظة. لكن يبدو أن كرامر لم يكن كذلك حيال هذه القضايا،فقد طفح البشر على وجهه وهو يستمع إلى مثل هذه القصص. فأين يمكن أن يجد المرء بلدا آخر على ظهر هذه الأرض يشكو مرضاه بوضوح وصراحة نفس هذه المشاكل؟){225 - 226}.بطبيعة الحال لم يكن هم البعثة الوحيد،علاج اليمنيين،وإصابتهم بالدهشة !! (كان الثقل الحقيقي للعمل يقع كالعادة على كاهلي نيبور و فورسكال،وقد بدأ الأول عمله بوصف المدينة،من الناحية التاريخية والجغرافية والتجارية. فكان يتجول كل يوم في منطقة السوق المليئة بالتراب والغبار،وبين البيوت المبنية من حصير القش،والشوارع الملتوية،حيث يجلس على الأرض الخياطون والنجارون يصنعون منتوجاتهم الخشبية والشمس تلقي أضواءها على أدواتهم ومعداتهم من خلال ثقب في السقف. ولأول مرة في كل الرحلة استطاع نيبور أن يستخدم آلته الفلكية دون إزعاج من أحد،ودون أن يعرض نفسه للهجوم من أحد. وعمل خريطة لمدينة اللّحية تعتبر حجر الزاوية في خريطة اليمن المشهورة التي رسمها بعد ذلك،والتي كانت أكثر خرائطه صحة وإتقانا.){ص 222}.يبدو أن عدوى (الدهشة) قد انتقلت إليّ!!! يدهشني – فعلا – أن نجد دقة أعضاء البعثة في رصد كل شيء .. ولكن حين تعلق الأمر بـ(الدين) أو بــ(الأنظمة الشرعية)،غابت تلك الدقة،وحل مكانها شيء آخر!!! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوقد أثارت الأنظمة الشرعية اهتمام دكتور الفلسفة فورسكال،وروعه ذلك المعتقد الخاص بالثأر الذي بموجبه يعيش أقارب القاتل تحت التهديد الدائم حتى لو لم يشاركوا في جريمة القتل! وعلى نقيض هذا المبدأ السخيف أعجب بالهنود البينيان الذين يعيش عدد كبير منهم في هذه المدينة والذين لا يمكن أن يقتلوا أي حشرة مهما كانت صغيرة،ذلك لأنهم يؤمنون بمبدأ تناسخ الأرواح.){ص 222 - 223}.يبدو أن المؤلف – أيضا – دقيق الملاحظة،أو صاحب ملاحظة (لاذعة)،فقط حين يتعلق الأمر بالأشياء المهمة،مثل الطريق الذي يربط القاهرة بالسويس نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلكن اليوم،أصبح بين القاهرة والسويس طريق ممهد يبلغ ماية وست وثلاثين كيلو مترا،ولكنه مزدحم،ومهمل،وسطحه دائما في حالة غير جيدة.){ص 171}،كما مرت معنا – في الحلقة الثانية – إشارته إلى ميناء جدة (ذلك الميناء العربي – الذي ربما لم يتغير منذ ذلك الوقت بروائحه المخمة){ص 206}،أما حين يتعلق الأمر بــ(الأنظمة الشرعية)،فإما أن الأمر (غير مهم)،أو أنه يجهل المغالطة التي نقلها عن (دكتور الفلسفة)!!! على كل حال،لم تفت على المترجم أن يعلق بالقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمعلومات المؤلف في هذا الشأن مغلوطة،لأن عادة الأخذ بالثأر ليست من مبادئ الشريعة الإسلامية،فالدين الإسلامي يحارب هذه العادة السيئة.){هامش الصفة 222}.نختم هذه الحلقة بخريطة (نيبور) : (يوما بعد يوم،وميلا بعد ميل كان يضيف أجزاء جديدة إلى خريطته الضخمة التي كانت في بدايتها تشبه لعبة الألغاز الكثيرة الخطوط والتعاريج،وفي نهايتها أصبحت تشكل أول خريطة لليمن. وأصبحت فيما بعد،الرائد الذي لا غنى عنه للمكتشفين الإنجليزيين العظيمين (هاييس) و (بالسقريف) اللذين حملاها في رحلتهما إلى هذه المناطق،جاء في كتاب هاييس المسمى (اليمن) قوله :"إن من المستحيل،محاولة التقليل من التقدير الذي يستحقه عمل نيبور". كما أن بالسقريف أهدى كتابه عن اليمن إلى العالم نيبور الذي كان أول من عرّف أوربا باليمن السعيد. وبدأ العمل الحقيقي في بيت الفقيه،فلم تكن تعني الرحلة من اللحية إلى بيت الفقيه،إلا رسم خط واحد على الخريطة. وكان نيبور في الأشهر التالية،في رحالات دائمة من مكان إلى آخر على ظهر حماره،في تلك الصحراء المترامية الأطراف. ويتم السفر في تهامة عادة في الليل بسبب حرارة الطقس نهارا. لكن،بالنسبة لنيبور،لم يكن من الممكن أن يقوم بدراساته في الظلام،فقام برحلاته في النهار،متحملا حرارة الطقس. وكان أفراد البعثة يقضون لياليهم مضطجعين على الرمال،ملفوفين بأغطيتهم،وفوقهم السماء في امتدادها كأنها غطاء إضافي. وفي بعض الأمسيات كانوا يهرعون إلى ما يدعى (مقهاية)،وهي كوخ بسيط،به يستطيع المسافر أن يعوض النقص فيما يتناوله من ماء الشرب،بأن يشرب القليل من قهوة القشر،التي لها لون الشاي ومصنوعة من قشر حبوب البن،وتشرب على كميات قليلة،ويتم تجهيزها في آنية كبيرة من الطين الداكن. وفي بعض الأحيان حين يواتيهم الحظ،كانوا يجدون نزلا أكبر من (المقهاية) يسمونه (Maussle) حيث ينام الكثير من النزلاء،بين الدخان المتصاعد في غرفة واحدة من دكك الطين. ويقدم لهم في هذه الأماكن خبز الذرة الدافئ والحليب الطازج السميك الذي يظل عالقا بالأصابع كخيط طويل. وتمر الأيام وتتلاحق وهم تحت السماء التي لا تتغير،وفوق نفس الرمال التي لا تتبدل،وفي تلك القرى المتشابهة بأكواخها المبنية من القش .. وحميرها،ونسائها التي تبدو وكأنها قد غطست جميع ملابسها في تلك الأواني الفخارية الضخمة التي فيها تصنع الأصباغ النيلية){ص 234 - 235}.من (نيبور) إلى (بالسقريف) و (هاييس) لا نبدو أكثر من (عصا) سباق (التتابع) يناولها (العداء / الباحث / الرحالة) إلى الذي يليه!!!!!!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 6/2/1432هـ.

  4. #4
    من كوبنهاجن إلى صنعاء(4)
    يبدو أن صفحت (أطيب شعب){وبالنص : (واتفقت أراء جميع أعضاء البعثة في أن هذا البلد فريد في نوعه،فطيبة سكانه لا يمكن مقارنتها بطيبة سكان بلد آخر زاروه في رحلتهم الطويلة.)ص 223} قد طويت،فلا أحد (من الطيبين) يقبل حمل (مسيحي) مريض أو ميت،كما حدث مع( فورسكال) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي... وإما أن المسلمين لا يرضون تحقير أنفسهم بحمل رجل مسيحي (..) لم ينجحوا في حث أحد من الحاضرين المسلمين على المساعدة في حمل الرجل المريض من الفندق إلى البيت. وكان الناس يحيطون بهم في سلبية،وفي فضول وحب استطلاع.){ص 285 - 286}.شيء مؤلم بطبيعة الحال،حين نقارن هذا التعامل مع "عيادة" خير خلق الله – صلى الله عليه وسلم – لجاره اليهودي .. ولكن لا عجب فالأمر طبيعي جدا ... حين يستبد الجهل بالأمة ... وتستعيض بقوة (التعصب) عن القوة (المادية) التي تجعلك لا ترى في غير المسلم أكثر (إنسان) ضل سواء السبيل،وتتمنى له الهداية ... إذا لم تسع إلى ذلك. تتواصل معاناة البعثة،وينتهي مرض فورسكال في .. (... اليوم العاشر من تموز (يوليو) لعام 1763،وان سواد الليل يغطي المدينة (..) وفي الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم التالي توفي فورسكال في مدنية يريم،باليمن السعيد وقد بلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما. وكان على نيبور في هذا اليوم أن يكتب تقريرا عن موته إلى السلطات اليمنية فأرسل أحد الخادمين الذين معهم،إلى حاكم المدينة و إلى قاضيها. فلم يستقبله الأول،أما الثاني فقد أشار عليه بالاتصال بأحد المواطنين،ظنه سيبيعهم قطعة صغيرة من الأرض يدفنون فيها الرجل الميت. وذهب نيبور في الحال واشترى الأرض،ولكنه بعد ذلك بقليل اضطر إلى إلغاء الصفقة،لأن قطعة الأرض هذه كانت تقع قرب قناة تمد بعض المزارع بالماء،وقد هدد أصحاب هذه المزارع بائع الأرض في أنه سيكون مسؤولا في حالة بيعه الأرض لدفن رجل مسيحي فيها،إذا جفت مياه هذه القناة،أو تلوثت. وفي هذا الوقت وصلتهم رسالة من الحاكم (..) أخبره الحاكم بأنه بمقتضى قوانين البلاد،فإنه نفسه الوريث الوحيد لمن يموت من في مقاطعته من البينيان أو اليهود. (..) أجاب نيبور بأن المتوفى ليس يهوديا ولا من البينيان،ولكنه أوربي،وأن حاكم المخاء،حيث فقدوا زميلا آخر من زملائهم،لم يذكر مثل هذا الإدعاء فيما يخص ثروة المتوفى. عندئذ قال ابن الحاكم في لطف بأن كلمات والده لا يجب أن تفسر حرفيا وأن كل ما قصده هو أنه توقع بعض الهدايا الهامة بمناسبة الوفاة. {هذا ما يسميه إخواننا في مصر "موت وخراب ديار"}فأجاب عليه نيبور، بأنه كأمين صندوق البعثة لا يستطيع أن يتصرف في أي مبلغ من المال دون أن يستلم وصلا في مقابل ما دفع،وهو لهذا يطلب من الحاكم أن يطلعه كتابة عن المبلغ الذي طلبه. بعد هذا الجواب لم يطلب منه شيء،فالحاكم يعرف معرفة جيدة بأن نيبور يريد أن يحصل على إثباتات يقدمها للإمام في صنعاء،وهو يخاف كثيرا أن يصل إلى علم الإمام مثل هذه الأمور.(..) حين ترك نيبور الحاكم ذهب إلى المدينة ودبر الحصول على قطعة أرض لا تقع قرب قناة خاصة بالزراعة أو قرب حقول مزروعة. وبقيت أمامهم مشكلة أخرى،هي حاجتهم إلى ستة رجال يحملون جثة فورسكال إلى القبر. وأبدى نيبور استعداده لدفع مبلغ كبير من المال لمن يقوم بهذا العمل،وأكد أن الدفن سيكون في منتصف الليل حتى لا يلحظ أحد،لكن دون جدوى. ولم يستطع إلا في اليوم التالي أن يجر أمامه ستة عمال من الفقراء،وافقوا على حمل الجسد.(..) في عجله،ثم دفنوه في سرعة خاطفة في ذلك القبر الذي لم يتجاوز عمقه القليل من الأقدام. (..) وبعد الدفن بعدة أيام وصل إلى علمهم أن جسد فورسكال قد أخرج من قبره في الليلة التالية لدفنه،فقد اعتقد بعض العرب أن بعض الأشياء القيمة قد دفنت معه حين لا حظوا أن دفنه قد تم داخل تابوت. ){ص 287 - 289}. يستطيع المرء ببساطة أن يفرق بين استنكار (الفعل) – ما فعله السكان بالبعثة – وبين من وقع عليهم الفعل ... خصوصا حين أتذكر (فورسكال) – ومعه بورنفانيد – وهو يرسم (ختان) تلك الفلاحة الفقيرة!!!!!!وأخيرا وصلت البعثة – أو من تبقى من أعضائها – إلى عاصمة العربية السعيدة : ( وبعد آخر منحنى في الطريق إلى صنعاء امتد أمامهم منظر فسيح،توقف الرجال الثلاثة عنده وأطلوا على واد به عدة منازل،وشاهدوا الدخان المتصاعد من مداخن البيوت والمختلط ببخار المطر،يغطي جوانب التلال. وكان كل شيء هادئ لا يتحرك،وطائر الوروار يجثم على أحد الغصون،وقد مضى بعض الوقت قبل أن يستطيع المسافرون المنهكون تصديق ما تشاهده أعينهم. أجل. لم يكن ما يرونه أمام أعينهم من صنع تصورات الحمى،إنها حقا مدينة،فهذا شذى الأرض الطري ينقله الهواء حولهم،وهذه هي فعلا قطرات المطر المتساقطة من الأشجار،وهذا طائر الوروار الأخضر يطير مرارا ليعود إلى نفس الغصن الذي طار منه.إنهم ليسوا في حلم،فهم الآن أمام مدينة صنعاء عاصمة العربية السعيدة،التي وصلوها أخيرا بعد رحيل دام سنتين ونصف.(.) ونامت البعثة تلك الليلة على سرر نظيفة لأول مرة منذ زمن طويل،وحين جلسوا صباح اليوم التالي يشربون القهوة،وصلت إليهم هدية الإمام ترحيبا بمقدمهم. وكانت الهدية عبارة عن خمسة أغنام و 3 جمال محملة بوقود الطبخ،ومجموعة من الشموع وأكياس الأرز وجميع أنواع الخضروات،وطلب الإمام أن يعفى لعدم استطاعته رؤيتهم لفترة يومين،لأنه كان مشغولا جدا بدفع مصروفات جنوده.(..) وصف نيبور أحوالهم بقوله : "لم نعش مثل هذه الراحة من منذ زمن طويل،لقد كان للبيت غرف جميلة وكان محاطا بحديقة مليئة بجميع أنواع الفواكه التي يبدو أنها تنبت على الطبيعة دون عناية. إنها حديقة على الطريقة العربية،بها نافورات وبرك حيث يفضل المرء الجلوس في الظل على أن يمشي". ){ص 307 - 309}.ثم جاء وقت لقاء الإمام نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيونورد فيما يلي وصفا للقاء الذي تم بين الشاب فلاح المستنقعات الذي علم نفسه بنفسه وبين صاحب السمو الملكي إمام العربية السعيدة : "جرت المقابلة الرسمية في قاعة مستطيلة تحت سقف له قناطر،وفي الوسط كانت نافورة تقذف ماءها في الهواء مسافة أربعة عشر قدما،وخلف بركة النافورة ترتفع منصة،يقع خلها منصة أخرى،بها مجلس العرش،وقد غُطيت كل الأرضية حول النافورة والمنصة المرتفعة بالسجاد العجمي،أما مجلس العرش فلم يكن إلا منصة مربعة مغطاة بالحرير،وعليها ثلاث مخدات كبيرة،أحدها خلف الإمام واثنتان على جانبيه،وكلها مغطاة بأشياء جميلة. وكان الإمام جالسا على عرشه هذا بين الوسائد وقد لف ساقيه تحته على الطريقة العربية في الجلوس،وكان مرتديا قميصا أخضرا خفيفا له أكمام طويلة فضفاضة،وعلى يمينه وعن يساره إخوته،وأمامه على المنصة المستطيلة يقف وزيره لشؤون الدولة الفقيه أحمد،وفي مكان منخفض عن المنصة المستطيلة أخذ أعضاء البعثة أماكنهم،وعلى امتداد الجدران يقف صفان طويلان من الزعماء العرب،وأخذونا مباشرة إلى الإمام لتقبيل يده اليمنى،باطنها وظاهرها،وتقبيل ثوبه أيضا المتدلي على ركبتيه،وتقبيل ظاهر اليد أمر عادي حين يقابل المرء أمراء العرب،ولكن تقديم باطن اليد للأجنبي لتقبيلها لدليل على تكريم كبير غير عادي.وكان يسود القاعة صمت عميق،ولكن في اللحظة التي كان يلمس فيها أحدنا يد الإمام كان يعلو هتاف المنادي ببعض كلمات يبدو أنها تعني : "الله يحفظ الإمام"ويردد بعده جميع الحضور هذه الكلمات بأعلى أصواتهم وبكل قواهم. لا أستطيع أن أنكر أني كنت منزعجا بعض الشيء بسبب ذلك الصراخ المروّع،خاصة،في اللحظة التي لمست فيها يد الإمام،ذلك لأني كنت أول من تقدم منهم،وكنت عندئذ مركزا تفكيري فقط في كيف أعبّر عن تقديري وتحياتي في لغة عربية ممتازة،كما كنت مأخوذا بروعة المشهد،الذي لم أشاهد له مثيلا من قبل بالجزيرة العربية،وعلى أي حال،لقد استعدت في سرعة هدوئي،وحين أخذ الناس يهتفون مرة أخرى،حين لمس رفاقي يد الإمام شعرت أن ما يحدث في حفل الاستقبال هذا،يشبه نوعا ما الهتاف ثلاثا في بلادنا.(..) فقد أوضح للإمام أنهم من الدنمارك وأنهم قد سافروا عبر البحر الأحمر،لأنه أقصر طريق إلى المستعمرة الدنماركية،ترنكبار،وفي طريقهم أحبوا القيام بزيارة بلاد اليمن الواسعة المشهورة بثرائها وجمالها. ولم يذكر نيبور أنهم اضطروا إلى أن يدفعوا مقابل هذه المتعة حياة اثنين من رفاقهم،ولا أن بقاءهم في المخاء قد كلفهم خمسين دوكات فينيسية،ولا أن الأهالي في يريم وذمار قد استقبلوهم بالحجارة. كل ما ذكره أنه لا يستطيع أن يخفي إعجابه بحالة الأمن أثناء رحلتهم،وكرم الضيافة التي قابلوها في كل مكان نزلوا فيه..(.. )"بعد هذه المقابلة أذن لهم أن يتجولوا بحرية في العاصمة،وبدأ نيبور في الحال في إعداد خريطة أولية للمدينة (..) فزار السوق الكبير،ووصف أزقته المتخصصة في بيع الوقود والفحم والحديد والعنب والذرة،والزبدة والملح والخبز،الذي تقتصر التجارة فيه على النساء،كما هو غالبا في كل مكان في جزيرة العرب،كما يوجد سوق خاص لإبدال الملابس القديمة بأخرى جديدة،ويوجد فيه أكشاك للبضائع التركية والهندية والإيرانية. ويوجد بالمدينة أعشاب وعلاجات وفواكه مجففة وطازجة كالكمثرى والمشمش والخوخ والتين،وتوجد شوارع خاصة للأعمال المهنية المختلفة،للحدادين والإسكافيين وصانعي السروج،والخياطين،وصانعي القبعات والبنائين و الصاغة ومجلدي الكتب والكتبة،وفي كل مكان توجد الخضروات الطازجة بكميات كثيرة،واستطاع نيبور أن يحصي أكثر من عشرين نوعا من العنب.){ص 310 - 312}.على مائدة (عشرين نوعا من العنب) أترككم .. على أمل أن نكمل (سياحتنا) في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 7/2/1432هـ

  5. #5

    من كوبنهاجن إلى صنعاء(5)
    تركنا البعثة في الحلقة الماضية،وهي تنعم بأصناف الفواكه،وبالحرية الكاملة في الكتابة والرسم،ولكن لا شيء يدوم،ها هم ينطلقون في أقصى سرعة ممكنة،للحاق بالسفن المغادرة،ليخرجوا من العربية السعيدة:
    (من أجل أن نكون صورة صحيحة عن السرعة اليائسة التي ساروا عليها من صنعاء إلى المخاء،لا يعوزنا إلا مقارنة عدد أيام الذهاب،بعدد أيام العودة (..) الرحلة استغرقت ثمانية وثلاثين يوما،متضمنة الأيام التي قضوها في تعز وتريم،أي أنهم قضوا ستة عشر يوما من السفر الحقيقي،وغادروا صنعاء في السادس والعشرين (..) أي أن رحلة العودة من صنعاء استغرقت تسعة أيام،بينما استغرق ذهابها ستة عشر يوما,هذا بالرغم من أن طريق العودة كانت أطول،وواجهوا فيها الأمطار (..) فكان الإجهاد الذي أصابهم صعبا إلى حد غير إنساني،وكان لابد أن يدفعوا الثمن. والسبب الرئيسي لتعبهم هو التغيير المفاجئ في لطقس،فمن هواء صنعاء الجبلي الرقيق،إلى حرارة المخاء الاستوائية الرطبة. وبعد ثلاثة أيام فقط من وصولهم إلى المخاء،اضطر نيبور للجوء إلى الفراش،فاقد الوعي بسبب الإجهاد و الحمى المرتفعة،وبعد ذلك بيومين جاء دور بورنفانيد،وبعد ذلك بيوم جاء دور كرامر وبرجرن،وعانى الجميع المرض بنفس الطريقة. وما إن مر ثلاثة أشهر تقريبا على وفاة فون هافن،حتى كانت البقية الباقية من أعضاء البعثة ملقاة في نفس البيت الذي مات فيه فون هوفن تعاني نفس المرض. (..) وأثناء ذلك {انتظارهم السفن} ساءت شؤون البعثة أكثر من ذي قبل،فحين غادروا اليمن السعيد في الواحد والعشرين من آب (أغسطس) 1763،كان كارستن نيبور هو الوحيد الذي كان في استطاعته الوقوف،أما كرامر و بورنفانيد وبرجرن فقدُ حملوا إلى ظهر الباخرة،(..) بعد أسبوع فقط من مغادرتهم العربية السعدية انخفض عدد أعضاء البعثة إلى رجلين اثنين. وإذا عدنا إلى كوبنهاجن نجدهم هناك لا يعرفون بالطبع أي شيء عن الأحداث التي أدت إلى إغراق هاتين الجنازتين في المياه المشمسة الساطعة للمحيط الهندي،واستمر برنستورف شهر بعد شهر في تحرير الرسائل والتعليمات إلى الرجال الذين مضى على موتهم زمن طويل،فقد مرت سنة قبل أن تصله هذه الأخبار المؤلمة.(..) وفي يوم الأربعاء أول آب (أغسطس) 1764 ظهرت ثلاثة أخبار (..) "من سوء طالع محبي العلوم والأبحاث القيمة،أن يعرفوا بأن البعثة التي أرسلها إلى العربية السعيدة،صاحب الجلالة بعناية فائقة وتكاليف باهظة،وأعدها وجهزها بطريقة تدعو للإعجاب،المستشار ميشاليس،بعد أن تجولت في العربية السعيدة (..) قاست – بإرادة الله – مصيرا مؤلما (..) : البروفسور فون هافن في 25 أيار (مايو) والبروفسور فورسكال في 11 تموز (يوليو) العام الماضي،كما اختطف الموت أيضا الفنان بورنفانيد،وبعده مات الخادم السويدي المرافق لهم،وظل اثنان على قيد الحياة". (..) حين نُشر هذا الخبر كانت القصة غير كاملة،ففي أثناء ذلك كانت قد حدثت وفاة أخرى لعضو آخر من البعثة.){ص 318 - 322}.لتكتمل القصة،يكتب المؤلف :
    (ومات كرامر آخر رفيق لنيبور في مطلع السنة الجديدة في العاشر من شباط (فبراير) 1764.){ص 331}.أما كرامر هذا فهو الوحيد الذي .. (... لم يخلف وراءه كلمة واحدة،فطوال الرحلة كلها من كوبنهاجن إلى بومباي،لم يكتب ذلك الشخص الغامض،لا رسالة واحدة،ولا ملاحظة واحدة،ولا توجد كلمة واحدة بخط كرامر في كل أكوام الوثائق الموجودة في أرشيف الدولة الخاص بالرحلة إلى شبه الجزيرة العربية،ولو لا أننا وجدنا إمضاءه في بعض الرسائل التي أرسلها الآخرون،لخالجنا الشك في وجوده في البعثة،ورسالته الوحيدة إلى الأجيال اللاحقة،ما هي إلا القليل من كلمات النصح في العناية بطائر الكناري. هذه حقيقة في حد ذاتها ملفتة للنظر،وأكثر الأمور دلالة على ما يمكن أن نقوله عن هذا الدنماركي الصامت،الذي مات ببومباي في الثانية والثلاثين من عمره،هو أنه لا شيء يمكن أن يقال عنه،فهو إما أن يكون نصيرا لمبدأ : العيش فن،وإما أن يكون مجنونا.){ص 332}.
    يبدو أن الغرب قد مر بتجربة (إهمال) ما ينتجه المبدعون،أو لنقل مر بمرحلة عدم الاستفادة من الجهود الذي يبذلها بعض أبنائه،كما نفعل تماما مع أبنائنا،مما يدفع ببعضهم إلى (وأد) مشاريعه،أو العودة بها إلى الغرب لتنفيذها هناك ... مع وجود فوارق بين الصورتين،لا تخفى.
    يحدثنا المؤلف عن فورسكال : (أما بالنسبة لمخطوطات فورسكال فقد حوت عند موته سبع صرر كبيرة حملت على السفينة من بومباي إلى كوبنهاجن. وتضمنت هذه المخطوطات مذكرات للرحلة ووصف تفصيلي للنباتات والحيوانات،وبحوث عن عادات (المحمديين) وعن الخطابة في اليمن،وعن الديانة القبطية،وعن مرض الجذام،وعن تاريخ اليمن القديم،وبيانات عن أسعار البضائع والعملة والموازين والمقاييس في كل البلدان التي مروا بها كما بعث فورسكال من القاهرة الأطروحة التي سبق ذكرها،المتضمنة دراسة بعنوان "نباتات الإسكندرية والقاهرة"ومقالين.){ص 294 - 295}.
    تلك(الثروة العلمية) تعرضت للإهمال ،حتى طرح البروفيسور لينوس سؤالا عن (العينات) التي أرسلها فورسكال :
    (وفي بداية عام 1765 تسلم الرد التالي :
    "حتى الآن لسنا متأكدين ما هو المصير الذي تنتظره الثروة العلمية التي جمعها فورسكال ودفع حياته ثمنا لها. فقد وصلت مجموعات إلى هنا من قبل عدة سنوات من البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به،متضمنة القليل عن مصر. لقد شاهدت هذا الحصاد الرائع الذي دلّ على المجهود العظيم الذي بذل في جمعه،شاهدت الصناديق المملوءة بالحشرات والطيور المحنطة،والأوعية الزجاجية المليئة بالكحول والسمك وبعض الحيوانات البرمائية والقواقع. ولسوء الحظ شاهدت هذه الأشياء للحظات قصيرة لم تمكني من التدقيق في أي منها بالتفصيل. لقد سلمت للهر اسكانيس ومعها بعض الأشياء الأخرى،وقد أرسلت إلى هنا من بلاد العرب ولا أدري فيما إذا كان صحيحا أم لا بأن جزء كبيرا منها،خاصة الأسماك قد أتلفته الرطوبة وتأثر بالطقس. آمل أن لا يكون ذلك صحيحا".(..) وفي عام 1770 قدم الهر (زوجا) تقريرا ذكر فيه أنه لم يعمل شيء حتى هذا التاريخ،وعندئذ تقدم سترونس بمشاريع إصلاحية و تطهيرية،فطرد اسكانيس من الخدمة،وحين حل محله في منصبه عام 1772 برونج،استطاع البدء في فتح صناديق فورسكال.في هذا الوقت كانت المجموعات قد تلفت مما اضطره إلى رمي جزء كبير منها،وما تبقى منها استخدمه بورنج وفريسيس و أوتو،كأساس لوصف عينات جديدة،لكن بعد أن ضربت كوبنهاجن بالمدافع عام 1807،وضعت الصناديق مرة أخرى في المخازن،حيث ظلت ثلاثين سنة مقفلا عليها دون أن يجري علها أي كشف. (..) ولم تشكل من جديد (مجموعة أعشاب فورسكال) إلا بعد مضي 170 سنة من وفاة فورسكال،وقد سميت باسمه "المجموعة الفورسكالية". وأصبح لهذه المجموعة فيما بعد أهمية تاريخية (..) ولكن،بعد مرور 200 سنة أتى علماء النبات وعلماء الحيوان من جميع أنحاء العالم لينحتوا فوق بقية (المحصول) تقديرا وإعجابا. (..) أما عن مخطوطاته فلم تكن أحسن حظا من غيرها،(..) ومذكراته الكاملة ابتدأ من أول يوم في الرحلة إلى ما قبل وفاته بأقل من أسبوعين وصلت كوبنهاجن سليمة،ولكنها لم تنشر. وفي السابع والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) لعام 1774 نشرت إحدى الصحف خبرا قصيرا مفاده أن وزير الدولة وقتئذ،الكونت فون برنستوف الأصغر قد عمل كل التدابير لطبع مذكرات رحلة المغفور له فورسكال إلى الشرق.) {ص 296 - 299}.ثم تواصلت الجهود لتكوين صورة عن الخدمة التي قدمها (فورسكال) للعلم،رغم الصورة (القاتمة) التي جاءت في الخاتمة :
    (وبعد ماية وخمسين عاما،وبطريقة فك الأشياء إلى قطع،ومن ثم تركيبها مع بعض (..) كان كرستنسن قادرا على تكوين صورة صحيحة لما كان يفكر فيه فورسكال وهو يجمع مواده المهمة. ونتيجة لهذا تبين أن فورسكال لم يكتشف أربعا وعشرين نوعا مختلفا وحوالي ثلاثماية عينة فحسب،اعترف بأنها حتى في زمن كرستنسن كانت جديدة،وبها من دقة الملاحظة ما ليس لها مثيل من قبل،ولكنه أيضا برهن على معرفة عميقة بعلم التشكل النباتي (Morphology) فكون نظريات التحول النباتي،وفي هذه الموضوعات كان تفسيره متقدما تقدما هائلا،وليس من المبالغة في شيء أن نعتبره أحد مؤسسي علم الجغرافيا النباتية،ولكن لأن مواده لم ترتب مطلقا ترتيبا سليما،فلم يبرز أي منها مؤثرا في العلوم المعاصرة. وأنهى كارل كرستنسن إعجابه بفورسكال بهذه الملاحظة المحزنة : "إذا أخذ المرء بوجهة النظر التي تقول بأن القيمة التاريخية للفرد وأعماله هي مدى أهمية مشاركته في التقدم العلمي،ففي هذا الحال تكون أعمال فورسكال قليلة القيمة". لم يبق شيء والنتيجة النهائية لهذا الجرد الشامل النهائي لمحتويات المخزون كانت لا شيء.){ص 301}.
    هنا بالطبع تظهر قيمة العمل الذي يكون (لله) فلا يتأثر بإهمال البشر،ولا بنظرتهم (المادية) { بأن القيمة التاريخية للفرد وأعماله هي مدى أهمية مشاركته في التقدم العلمي } للأمور.
    نتوقف هنا،وسنرى في الحلقة القادمة (وصية) نيبور للملكيات في أوربا،والعمل الجبار الذي قام به ... بمفره ... سنرى ذلك ... إذا أذن الله.

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي - مكة المكرمة في 8/2/1432هـ

    ................................


  6. #6


    من كوبنهاجن إلى صنعاء(7)
    لا أعلم إن كان قارئ هذه (السياحة) في كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء) قد لا حظ أن النساء لم يرد لهن ذكر في الرحلة،باستثناء إشارات خاطفة!!!
    لاحظتم ذلك أم لا،فإنني لم أتعمد تأخير حديث أعضاء البعثة – أو بعضهم - عن المرأة،قياسا على (أفضل صفوف النساء آخرها)،وإنما فعلت ذلك لحاجة في نفس (محمود)!!!
    المرة الأولى التي تحدث فيها أحد أفراد البعثة عن النساء،كانت حين كتب فورسكال :
    (ووجدنا أنفسنا بصحبة تاجر في طريقه إلى القاهرة،كانت سلعته غير مألوفة في الموانئ الأوربية لقد كانت حمولة من النساء الجواري،أنزلهن في قمرة في مكان فوقنا حجزت خاصة بهن،وكان حريصا على عزلهن عن الرجال،فكان يحضر طعامهن بنفسه،وزيادة في الحرص علق بطانية على باب القمرة،حتى لا يرى أحد النسوة عند دخوله ولا عند خروجه.(..) كنت من خلال نافذة قمرتي أبحث عن المواد المضيئة التي شغلت معظم وقتي،وقد أعطى هذا فرصة للفتيات الساكنات فوق قمرتي،لمشاهدة هذا الصياد الأوربي. وحين كنت أسمع كلامهن فوق وأتطلع إلى أعلى،كن يختفين بسرعة،ولكن دون حشمة،وظللن هكذا،واحدة تظهر وأخرى تختفي،وفي النهاية تبادلنا جميعا الحديث معهن وتعرفنا عليهن واحدة واحدة.){ص 107 - 113}.
    هذه القصة رواها (نيبور) من زاويته،فكتب يقول :
    (وكنت في الغالب أجلس أنا و فورسكال على أرضية قمرتنا نقرأ ونكتب،وحين كنا نسمع أصواتهن فوقنا،كان من الطبيعي أن نطل من نافذتنا لنعرف ماذا كان يحدث فوقنا. وكان منظرنا بالنسبة لهن يدعو للغرابة،فلم يكن معتادات على منظر الأوربي المتوحش في نظرهن(..) وفي البداية كن يعرضن عنا استنكارا لكنا لم نسمح للضعف أن يتسرب إلى قلوبنا من جراء هذا الإعراض خاصة حين شاهدناهن يوقفن بعضهن البعض من الاستمرار في الضحك علينا.وبالتدريج اعتدن علينا وألفننا وألفناهن وأطلعناهن على أنواع مختلفة من الفواكه والحلويات المصنوعة في أوربا.
    وحين كان يطيب لهن شيئا منها،كن يدلين بوشاح من نافذتهن حتى نربط به ما طاب لهن. وبادلننا الهدايا بإعطائنا شيئا أو شيئين صغيرين. وكنا لا نعرف من اللغة التركية كلمة واحدة،,لم تكن تعرف واحدة منهن أي لغة أوربية (..) وأكثرهن ودا كانت تقول لنا بعض الكلمات في مناسبات عديدة،ومن أجل أن نعرف معنى هذه الكلمات التركية،سألنا الكاتب التركي عن معناها،ومعنى كلمات تركية أخرى،وبهذا استطعنا أن نعرف أنها كانت تقصد بهذه الكلمات تحذيرنا من أن لا نحاول التطلع إليهن،أو الحديث معهن،إلا حين ينشغل الرجال بصلواتهم،وعلى أي حال لم يكن في استطاعتنا دائما التأكد من عدم وجود الرجال،وأخيرا اعتادت النسوة القرع على نافذتهن إشارة لنا بأنهن وحيدات. ولهذا وجدت الفتيات،ووجدنا نحن أيضا تسلية كبرى في رحلتنا هذه.){ص 113 - 114}.
    كأن شيئا لم يتغير!!!!! فلا زلنا – أو لا زال بعضنا – يدلي بوشاح ليضع له بعض (زرق العيون) ما لذ له من أطايب الغرب!!!!! ولا زالوا – أيضا – يسألون بعض كتابنا عن بعض الأشياء ليستشفوا من ورائها أشياء أخرى!!!!!!!فعلا كأن شيئا لم يتغير ... قبل سنوات ليست بعيدة،ثارت ضجة في مصر لأن قناة غربية صورت عملية (ختان) إحدى الصغيرات - طبعا وثارت ضجة في الغرب من أجل وجود (الختان) - وفي ذلك الزمن الذي وصلت فيه البعثة،كانت تراودهم نفس الفكرة،الاطلاع على (الختان)!!!
    نقل لنا مؤلف الكتاب تلك الواقعة،عن أحد أعضاء البعثة :
    (بينما كنا في زيارة أحد البارزين من عرب القاهرة،بأملاكه بالريف البعيد عن المدينة بستة أو سبعة أميال،عبر فورسكال وبورنفايد عن رغبتهما في أن يريا ويرسما فتاة شابة مختونة. وفي الحال أمر مضيفنا بإحضار فلاحة في الثامنة عشرة من عمرها،وسمح لهم بمشاهدة كل شيء أحبا مشاهدته فيها،وتم كل هذا أمام سمع وبصر الخدم الأتراك،واستطاعا أن يرسما كل شيء من الطبيعة مباشرة،ويداهما ترتجفان خوفا من رد الفعل السيئ من قبل المسلمين ولان سيد المنزل كان صديقنا،فلم يجرأ أحد على إبداء أي معارضة.){ص 136}.
    في ذلك الزمان البعيد،وفي هذا الزمان القريب،وفي المستقبل سيجدون من ماتت نخوته،ويقبل بأن يسمح لهم بتصوير ... أو رسم ... – أو نقل ذلك على الهواء مباشرة،إن شاءوا – أعراض المسلمين.
    قبل أن تغادر البعثة القاهرة،نجد مشهدا آخر،ربما يلقي – بشكل من الأشكال – ظلا على واقعنا الذي نعيشه،وكأننا أمام مشاهد مكررة،فلا زال جسد المرأة يقدم للمتعة .. طبعا بشرط ألا ينافي ذلك ثوابتنا،وقيمنا!! فلم تقبل الراقصات أن يرقصن في بيت رجال غير متزوجين!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    (وفي الأيام الأخيرة لبقائهم في القاهرة،استأجروا بعض الراقصات المصريات من الفتيات بغرض التسلية وإضاعة الوقت. ولأن الرجال الخمسة كانوا غير متزوجين،فقد منعت الراقصات من تقديم الرقص في منزلهم،وقمن به في الشارع العام بدلا من المنزل،واستطاع أفراد البعثة بهذه الطريقة أن يطردوا الأفكار المزعجة من رؤوسهم. وبالرغم من أنهم في البداية لم يجدوا أي متعة ذات أهمية في مراقبتهم ذلك النوع من التسلية،فإنهم بالتدريج وجدوا أنفسهم مأخوذين بأصوات جميلة ورقصات حالمة،وجمال لا مثيل له (..) ورغم أن الفتيات قمن بما يمكن أن يكون في نظر الرجل العاقل،حركات موغلة في الفحش.وجدوا في البداية جميع الفتيات الراقصات قبيحات،بأيديهن المصفّرة وأظافرهن المحمّرة،,زينتهن السوداء والزرقاء حول رقابهن،ووجوههن وأذرعهن. والأطواق في آذانهن ورسوغهن،أو في أنوفهن،وكميات من المرهم المعطر على شعورهن،يستطيع المتفرج أن يشمه من مسافة بعيدة. وقام بورنفانيد برسم صورة مغرية لهذا المنظر في الفترة الأخيرة من الرقص،بعد أن تحول القبح في كل شيء إلى جمال أخاذ في كل شيء.){ص 162 - 163}.
    استطيع أن آخذ (وقتا مستقطعا) لأنتقل بكم إلى رحلة أخينا محمد أسد،في بداية القرن العشرين،حين كتب عن زيارته الأولى للقاهرة :
    (كان حي الأضواء الحمراء في القاهرة يقع في المنطقة المحصورة بين مسكني ومكان عملي الجديد،حي بأكمله بحارات ضيقة متعرجة تقطنه المومسات.تخلو تلك الحارات ويسودها صمت وسكون في فترة ما بعد الظهر وأنا في طريقي إلى العمل،أرى عبر النوافذ امرأة تتمطى في تراخ وكسل،ومن نافذة أخرى فتيات المنزل يرتشفن فناجيل القهوة بصحبة رجال ملتحين،على وجوههم علامات الجدية،ويتحدثون في عبوس عن أشياء تبدو بعيدة عن إثارة البدن والمتع المحرمة.وعندما يحل المساء،وفي طريقي عودتي من العمل إلى مسكني،يستيقظ الحي أجمعه،وتدب فيه الحياة،يصدح بموسيقى العود العربي تصاحبه الطبول والدفوف وضحكات النساء.وعندما تسير تحت أعمدة الإنارة والفوانيس الملونة،تجد فجأة ذراعا ناعمة تلتف في رقة حول رقبتك.(..) ويداعبون فتيات الليل،أو يدخنون النراجيل صامتين متفرجين : ليسوا جميعا من "زبائن" المتعة: قد جاء كثير منهم لقضاء بعض الوقت في مكان غريب سمعوا عنه.(..) لابد أن تتنحى أحيانا قبل أن يصطدم بك درويش سوداني يرتدي أسمالا بالية (..) كيف يمتلك المصريون تلك القدرة على الضحك : ){ص 168 - 169(الطريق إلى مكة ) / محمد أسد / ترجمة : عفيف بعلبكي / بيروت / دار العلم للملايين / 1977م }.نعود إلى سياحتنا الحالية. في طريق البعثة إلى جدة – قبل التوجه إلى اليمن – كانت المرأة حاضرة،ولكن هذه المرة عبر أسوء الأخلاق (التلصص) على الحاجات التركيات،الغافلات!!!!!!!! :
    (واحتل الحجاج الأتراك أفخم القمرات ترافقهم جميع حريمهم،ونزلت نسائهم في أماكن فوق قمرة أعضاء البعثة مباشرة،وأصبح حال البعثة كما كان الحال عليه تقريبا مع الجواري في السفينة التي حملتهم من استانبول،وكانت النتائج،كما سوف نرى،شبيهة بالنتائج السابقة في بهجتها ومتعتها.(..) ولم يكن لنيبور سمع حاد فقط وهو يصغي للضجة التي كانت تثيرها النساء في الأماكن التي تحتهم،بل كان له أيضا نظر ثاقب نحو جمالهن،وسحر أجسادهن. وقد أضاف إلى ملاحظته للشمس والقمر والنجوم ملاحظة من نوع عجيب هي ملاحظة الحسان من الحريم.ويحسن بنا أن نترك الآثم نفسه يعترف. جاء في مذكراته :
    "كان حمامنا مجاورا لحمام الحريم،وكلاهما كانا واسعين لما يكفي لاغتسال ثلاثة أشخاص أو أربعة في وقت واحد. وحين دخلت أول مرة الحمام تملكتني الدهشة،فقد كان باستطاعتي أن أسمع أصوات النساء بوضوح نوعا ما،واستولت عليّ فكرة التفتيش عن ثغرة ما في الحائط المشترك بيننا،ووجدت فعلا شقا صغيرا في الحائط".هكذا انتهت رحلة السويس،بالحديث عن الحسان،تماما كما انتهت رحلة القسطنطينية بوصف تلك الجواري من الفتيات،وكما انتهت رحلة إقامتهم بالقاهرة بمشاهدة الفتيات الراقصات.
    ويبدو كما لو أنهن نفس الفتيات،يظهرن بعد كل مرحلة من مراحل سفرهم،ثم يختفين،تماما مثل فتيات الفرق اليونانية التي تظهر على المسرح بين فصول المسرحية. ){ص 199 - 201}.
    كرر المؤلف ملاحظته السابقة،ولكن هذه المرة لم يكن هناك غير (نبور) بعد أن مات الباقون :
    (في بير سيبوليس التقى نيبور من جديد بالفتيات الشابات اللائي كن يظهرن بين وقت وآخر خلال رحلتهم الطويلة،كما لو كن في رفقته يذهبن غير مرئيات أنى ذهب،ولا يظهرن عليه إلا في المناسبات. هذه المرة كن مجموعة من الفلاحات الشابات،شاهدهن نيبور يأتين نحوه،بعضهن على الحمير،والبعض الآخر على الأقدام،ولم يعرف نيبور فيما إذا كان قصدهن التجوال قليلا بين الآثار،أو كن يقصدن مشاهدة ذلك الجني العجيب،الذي سمعن أنه كاتب بارع. وكان في استطاعتهن،التأكد من هذه الإشاعة،بعد أن شاهدن الأوراق المبعثرة حوله فوق كتل المرمر،لقد أتين يطلبن من نيبور كتابة بعض النصوص على قطع صغيرة من الورق،يستخدمنها أحجبة لحمايتهن ضد الأمراض والعقم.وتملكه السرور في أن يقدم لهن هذه الخدمة،فترك عمله جانبا،وجلس على الأرض يكتب بريشته بعض النصوص العربية ..){ص 345}.
    وبعد ... يوجد خبر جيد،وآخر (عكسه)!!!!!!!
    الخبر الجيد أن هذه (السياحة) قد انتهت ... والخير (السيئ) أن ملاحظة المؤلف بشأن النساء اللائي يظهرن للبعثة بين الحين والآخر،أو في آخر كل محطة!! قد ذكرني بكتاب للدكتورة رنا قباني،وهو كتاب : ( أساطير الغرب عن الشرق : لفق تسد) ... لذلك سوف أحاول أخذكم في سياحة جديدة في الكتاب المذكور ... ومن أجل ذلك أخرت الحديث عن المرأة في كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء) لتكون ملاحظة المؤلف مدخلا إلى كتاب الدكتورة (رنا) .. فإلى اللقاء.

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – طيبة الطيبة في 10/2/1432هـ

المواضيع المتشابهه

  1. السايلة في صنعاء..
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-29-2013, 08:23 AM
  2. من كوبنهاجن إلى صنعاء
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-24-2012, 09:43 AM
  3. اغلاق مطار صنعاء
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-08-2012, 10:44 AM
  4. مئات الآلاف يشاركون في مظاهرات المناخ في كوبنهاجن
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان أخبار العلوم.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-13-2009, 06:44 PM
  5. صنعاء التاريخ
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-28-2007, 01:40 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •