تيسيرالسعدي ممثل بسبعة أصواتسيرة الفنان الكبير«تيسيرالسعدي» كما صاغتها الكاتبة والناقدة المسرحية ميسون علي في كتاب (ممثل بسبعة أصوات) تؤكد أن مسيرته الفنية الغنية والطويلة لا تنفصل عن تاريخ مدينة دمشق، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والفني طوال القرن الماضي ، فالسعدي هو من " النوع من الناس الذين يخالط حب الفن طعامهم وشرابهم ومنامهم .. حتى ليبدو وكأنه ممثل يؤدي دورا لا انقطاع فيه ، فقد رفد تيسير السعدي الفن السوري بروافد لا يمكن إهمالها او تناسيها .. فكان من الضروري توثيق هذه التجربة ، كي لا يكون تاريخنا الفني والمسرحي ناقصا في أحد جوانبه . "
فما يميز تيسير السعدي، كما ذكرت المؤلفة ، أنه ينتمي إلى جيل الرواد الذين أخذوا على عاتقهم تأسيس فن سوري وسط أجواء مجتمعية مغلقة تؤثّم الفن .. وتعتبر العمل الفني شيئاً معيباً. ولعل ما أنجز إلى جانب أبناء جيله لا يقتصر على تمهيد الطريق، وتعزيز النظرة المحترمة للفن والفنان في المجتمع وحسب ، بل في إنجاز أعمال ما زالت حتى الساعة ، تعد الأكثر إخلاصا للخصوصية السورية.
هكذا صار السعدي رافداً أساسياً من روافد الإبداع السوري، بدءاً من علاقته الأولى بالفن، التي ابتدأت من سوق ساروجة، الحي الدمشقي العريق الذي نسجت طابعه المقاهي ودور السينما وأصوات الحكواتي يروي آداب الثقافة الشعبية والسير العربية، و كراكوز وفصول خيال الظل، مضافاً إليها صوت سلامة حجازي الذي كان يقدم مسرحية فرقته المصرية بمسرح القوتلي في ساروجة .
اطلع تيسير السعدي على المسرح في مدرسة اللاييك، التي آثر والده تسجيله فيها لأنها علمانية، وفي هذه المدرسة كان مبهورا بما يتعلمه من فنون المسرح والفن التشكيلي والموسيقى الكلاسيكية، إضافة للغة الفرنسية . ومارس الفن هاوياً في عدة فرق إلى أن عمل في نادي الفنون الجميلة وحقق شطرا من طموحاته ، التي حملها طي نفسه ، عندما ذهب للدراسة في المعهد العالي لفن التمثيل العربي بالقاهرة عام 1945 . ثم العودة إلى سورية ليصوغ من خلال تجربته الخاصة، التي حرص أن تكون متفردة ولها خصوصيتها، ويباشر العمل في الإذاعة السورية فلمع اسمه مع مجموعة من الفنانين، الذين شكلوا شريان الثقافة المحلية التي أخذت بالانتشار- عن طريق الإذاعة- في جميع أنحاء البلاد... ذلك أنها الوسيلة التي جمعت الشعب على حب فن التمثيل والقصص التي يكتبها «حكمت محسن» ويخرجها تيسير السعدي، حتى أصبحت شارة الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى في الإذاعة التي شكلها السعدي إيذاناً بالإصغاء إلى ما يدور بين «أبو رشدي» النزق، و«أبو فهمي» بارد الأعصاب، و«أم كامل» المرأة المغلوبة على أمرها، و«أبو إبراهيم» المتزن..كانت صورا من حياة الشعب، والمستمع ينطلق بخياله معها و يفرح هنا ، ويحزن هناك ، ويأخذ العبرة ، ويفكر في معنى الأمثال الشعبية المتدفقة على ألسنة تلك الشخصيات الحية النابضة . ومما يسجل للفرقة أنها عكست في أعمالها التغيرات الاجتماعية والسياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وأبرزت حياة ومشكلات الطبقة الوسطى الصاعدة آنذاك .. كما قدمت الفرقة ولأول مرة العرض المسرحي المتكامل ، بعد أن كان المسرح يقدم كفاصل كوميدي قصير ، يلي فقرات الغناء والرقص والمونولوج .
وشكل السعدي وزوجته مكرم صبا المحمودي ثنائيا فنيا هو ( صابر وصبرية ) وقدما حوالي 4000 تمثيلية إضافة إلى 500 حديث وبرنامج ما بين إذاعة دمشق ولندن وطهران ودول الخليج . وقد ذاع صيتهما من خلال مسلسل " صابر و صبرية " الذي لا يزال في أذهان من تابعوه بين أوائل الستينيات وأواخر الثمانينيات من القرن الماضي ، وما تزال تعاد حلقاته إلى الآن في مختلف الإذاعات العربية لشغف الجمهور واستمتاعه به .
وفي مجال السينما أسندت له المنتجة والممثلة آسيا داغر دور البطولة كوجه جديد في فيلم" الهانم " أمام فاتن حمامة وزكي رستم ، أثناء دراسته في معهد التمثيل بالقاهرة ، وعرض الفيلم عام 1964 . وبعد عودة السعدي إلى سورية، ومع تأسيس المؤسسة العامة للسينما، وتأسيس التلفزيون شارك كممثل في فيلم " الرجل " 1968 إخراج فيصل الياسري.
وفي خاتمة الكتاب تلخص ميسون علي تجربة السعدي بقولها : «ليس بوسع المرء، حينما يفكر بشخصية من طراز تيسير السعدي ، إلا أن يجد نفسه أمام عوالم رحبة خصبة، و تحفزه على التأمل بعمق في الفن . وهذا أمر تتضح صحته حالما تنتهي من تقصّي التجربة الحافلة المتفردة لتيسير السعدي بأوجهها المتعددة... لقد جاوز التسعين وإنه لعمر مديد يزخر بما يجعل من فنان ، صورة حية عميقة لتاريخ مدينة .. ولتاريخ ولادة الفن في هذه المدينة وتبلوره ونضجه».
عرض : جازية سليماني