المبحث الثاني
اولا
التمييز العنصري في المجتمع الإسرائيلي :
------------------------------
- كانت المشكلة التي تواجه الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة دائماً هي في تحقيق الاندماج بين فئات المهاجرين المختلفة القادمين إلى إسرائيل من بلدان مختلفة وأجناس عدة والمهاجرون اليهود بعد قيام إسرائيل كان معظمهم من نزلاء معسكرات الاعتقال النازي وينتمون إلى أوساط اجتماعية اضطهدت في أوربا وهي التي دفعت الأوربيين ثم الأمريكيين لإقامة وطن قومي لهم وحسب رغبة قياداتهم الصهاينة في فلسطين عام 1948 م .
ويلاحظ انتماء القادة الأوائل للحركة الصهيونية لدول أوربا الشرقية حيث التجمعات من اليهود هناك بدرجة ثقافية عالية بل أن مؤسس الاشتراكية والشيوعية الدولية " كارل ماركس " فأعتنق معظم اليهود من أوربا الشرقية المذهب الاشتراكي لذا كان الاتحاد السوفيتي ثاني دولة تعترف بإسرائيل الاشتراكية وبات حزب العمل الإسرائيلي المابام من مؤسسي الاشتراكية الدولية . وعموماً ينقسم اليهود في إسرائيل إلى ثلاث فئات هي :
1- السفارديم من اليهود الشرقيين الذين يشكلون 60% من المستوطنين اليهود وهم الذين جاءوا من الدول العربية وشمال أفريقيا وأكثرهم تشدداً اليهود العراقيين .
2- الاشكنازيم وهم اليهود القادمين من أوروبا الشرقية وأوربا الغربية ويشكلون 30% من إجمالي تعداد السكان الذين تجاوزوا المليون وربع المليون في العام 1951 م .
3- الصابرا من اليهود الذين ولدوا في فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل 1948 م . أو أولئك الذين ولدوا فيها بعد قيامها .
ويأتي العرب في الدرجة الرابعة من حيث الحقوق والواجبات كمواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية وبدورهم ينقسمون إلى عرب مسلمين وعرب مسيحيين والدروز حيث يعتبر الاشكنازيم في أعلى درجات السلم الاجتماعي الصهيوني الإسرائيلي ثم يأتي من بعدهم الصابرا والسفارديم من اليهود الشرقيين ثم العرب الدروز ثم العرب المسيحيين وفي الترتيب الأخير يأتي العرب المسلمين بما يمثله هذا من تمييز عنصري في السياسات والممارسات الإسرائيلية على هذا التصنيف ويلاحظ التمييز العنصري بصورة فاضحة في الجيش والحكومة ، حيث لا نجد في قيادة الجيش سوى القليل من اليهود الشرقيين ومعظم القادة في الجيش والدوائر الحكومية والمؤسسات الكبيرة والإعلام والهستدروت من اليهود الغربيين ، فكيف يكون الحال بالنسبة لعرب 48 وهم من ديانة مختلفة ويشكلون أقلية قومية معادية تدخل في نطاق دولة صهيونية تسعى لإقامة مجتمع يهودي عنصري بنسبة 100% كما تسعى لتحقيق الانسجام بين أطرافه المختلفة من اليهود الشرقيين واليهود الغربيين كما يلاحظ التمييز العنصري في المجتمع الإسرائيلي ما بين المتدينين الذين يشكلون نسبة 20 % من اليهود في إسرائيل وغير المتدينين الذي يشكلون نسبة 80% من السكان ويصطدم المتدينون مع غير المتدينين في قضايا اجتماعية عديدة فضلاً عن السياسة التي تجعل الأحزاب الدينية ترفض الانضمام لأي ائتلاف حكومي دون تنفيذ مطالبهم الدينية ويمتد التعصب الديني إلى قضايا زواج اليهودية أو اليهودي بغير اليهودي أو بغير اليهودية وهي مشكلة واجهت آلاف المهاجرين اليهود الجدد المتزوجين من مسيحيات ، فكيف يكون حال العرب من غير اليهود لكي يكون مواطن إسرائيلي له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات ..؟! وسط هذا التفتيت العرقي والديني . وخاصة إذا ما عرفنا أن الأحزاب الدينية الإسرائيلية لا تعترف بأي يهودي من أم غير يهودية فكيف يكون الوضع القانوني لعرب 48 إذا ما وصل حزب ديني لرئاسة الحكومة الإسرائيلية ...
ثانيا
دولة توسعية بدون دستور أو حدود :
عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين ضمنت قرارها وجوب التزام كلاً من الدولتين العربية أو اليهودية بتشكيل جمعية تأسيسية ووضع دستور ديمقراطي يكفل حماية الأماكن المقدسة وحقوق الأقليات القومية المختلفة داخلهما مع الحقوق الدينية وحقوق الإنسان ، وهو ما لم يتحقق تنفيذه لاختلاف الرأي بين الأحزاب القائمة وإن كانت قد تشكلت هيئتان رئيسيتان عند قيام إسرائيل وهما مجلس الدولة المؤقت ليكون بمثابة البرلمان لاسرائيل أو الكنيست . والحكومة المؤقتة لتكون الجهاز التنفيذي للدولة وكان كلاهما برئاسة بن " غوريون " حتى قيام إسرائيل 1948 م . ثم أصبح " حايم وأيزمان " رئيساً لمجلس الدولة المؤقت و أول رئيس لدولة اسرائيل 1948 ثم أجريت اول انتخابات اسرائيلية للبرلمان في 25/1/1949 م ليكون الجمعية التأسيسية التي حدد عدد أعضائها بمائة وعشرين عضو ، تم انتخابهم من اثنى عشر حزب سياسي بينهم اثنى عشر إمرأة كانوا جميعهم من اليهود ما عدا ثلاثة من العرب فقط لتمثيل السكان العرب في اسرائيل كغطاء قانوني أمام الأمم المتحدة وهم لا يشكلون سوى 2.5 % من أعضاء الكنيست في حين أن تعداد العرب كان في ذلك الوقت يصل إلى ما يقارب 15% من إجمالي السكان وفي ظل هذه الانتخابات الأولية ظهر الخلاف واضحاً حول مشروع الدستور الذي نشرته الحكومة المؤقتة ووضعه " ليوكوهين " المستشار القانوني " لبن غوريون " حيث أعلنت الأحزاب الدينية معارضتها للمشروع لأنه لم يجعل من التوراة أساساً للتشريع ورفضته الأحزاب السياسية لأنه نص على قيام محاكم دينية للنظر في قضايا مدنية .
لكن المبادئ الأساسية لهذا المشروع هي التي قامت على أساسها دولة إسرائيل وتم تقويم هذا المشروع الدستوري لإقراره من أول برلمان إسرائيلي وانقسم الرأي حوله ما بين قيام دولة على أساس ديني وأن يحكمها مجلس من الحاخاميين يطبق الشريعة اليهودية وما بين / دولة مدنية انقسم الرأي حولها حسب النظام الذي تتبعه ما بين الرأسمالية أو الاشتراكية واستمر الخلاف قائماً إلى ما قبل إجراء الانتخابات التالية للكينيست 1951 م ، لعدة أسباب أهمها :
1- وضع دستور علماني غير مطابق للتوراة سيكون عقبة أمام تعبئة اليهود في العالم لمصلحة الدولة .
2- وضع دستور يكفل المبادئ العالمية لحقوق الإنسان و الحريات العامة سوف يكون عقبة أمام اسرائيل في سعيها لتهجير عرب 48 ونفيهم عن إسرائيل ، ويمنع تحقيق الانصهار الكامل للسكان اليهود في مجموعة متجانسة .
3- عدم رغبة المؤسسة العسكرية ذات النفوذ القومي في أن تتبع القوى السياسية بنص دستوري
4- صعوبة الاتفاق حول تعريف محدد ودستوري لليهودي والصهيوني والإسرائيلي أمام العالم
وهكذا كان صعباً على إسرائيل وضع دستور مكتوب قبل أن تستقيم لها الأمور وتستقر فيها الظروف
وهناك قضية أخرى بالغة الخطورة تتعلق برسم الحدود لدولة إسرائيل وهي تشكل عقبة دستورية أخرى لدولة أقامت سلطتها السياسية دون وجود إقليم أو أرض معينة ومحددة لها دولة ليس لها شعب متجانس وتعتمد على الهجرة اليهودية من أجناس وأقطار متعددة دولة فيها الأفريقي والأسيوي والأوروبي والأمريكي ولا يجمعهم لغة أو عادات واحدة، ولا يشتركون إلا في الديانة الواحدة – اليهودية – فقط - و هي دولة عنصرية قولاً وعملاً ونصاً وروحاً فكيف يكون لها حدود وشريعتها تقوم على أن دولة اسرائيل تتسع لتشمل كل الدول المجاورة لها من النيل إلى الفرات
وظهر ذلك واضحاً في خطاب " بن غوريون " أمام الكنيست بعد احتلال اسرائيل لأراضي سيناء المصرية في العدوان الثلاثي الذي تم 1956 م قائلاً :
(( أن قواتنا المسلحة أنجزت حملة صاعقة استمرت أقل من سبعة ايام لتطهير شبه جزيرة سيناء من القوات المعادية وتمت لها السيطرة على خط يمتد من رأس النقب إلى شرم الشيخ ومن ايلات إلى رفح بعمق يصل إلى قناة السويس وخليجها الجنوبي)) هكذا يعترف " بن غوريون " بحدود الدولة الصهيونية المرسومة منذ العام 1919 م والتي تشمل الجنوب اللبناني ونهر الليطاني والجولان السورية وجميع مدن شرق الاردن – متجاوزة الضفة الغربية الفلسطينية ، إضافة إلى قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء )) وهو ما يعني عدم الاعتراف بالحدود الدولية التي رسمت لها في قرار التقسيم الصادر 1947 م على 55 % من مساحة فلسطين الكلية ، ولم تلتزم به في حرب العام 1948 لكي تستولي على 79 % من مساحة فلسطين وسعت للتوسع باحتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء عام 1956 م – وتحاول ضمها – بحجة أنها الحدود الآمنة لها من عمليات الفدائيين الفلسطينيين بمساندة القوات المصرية العاملة في قطاع غزة ، التي كان يقودها العقيد الشهيد " مصطفى حافظ " الذي اغتالته أيدي الموساد الصهيوني في رسالة متفجرات قبل العدوان الثلاثي بعدة أشهر مع العقيد " صلاح مصطفى " الملحق العسكري المصري في الأردن والضفة الغربية الفلسطينية آنذاك .
وإجمالاً :-
كانت سنوات عصيبة مرت على عرب 48 ما بين أعوام 1948 – 1956 عانوا فيها قسوة الحياة في ظروف مرحلة اثبات الوجود للكيان الصهيوني الوليد في ما سمي بإسرائيل تحولوا خلالها إلى أقلية مضطهدة تعيش تحت قوانين الحكم العسكري الاسرائيلي الذي يعاملهم كمواطنين غير مرغوب فيهم ، رغم أنهم يحملوا – صوريا – جنسية الدولة الإسرائيلية التي يمثلها الحاكم العسكري ضدهم . في ظل دولة توسعية لم ترسم لها حدوداً ولم تضع دستوراً وتتطلع إلى الهدف الأكبر في التوسع عبر الحدود العربية ، تحت تأثير الأحلام الدينية والتاريخية عن أرض إسرائيل الكبرى أرض الميعاد من النيل إلى الفرات والتي كانت تعشعش في عقول زعماء إسرائيل من أمثال " بن جوريون " و " حايم وليزمان " حيث لاحت الفرصة بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا لكي تحصل إسرائيل على شبه جزيرة سيناء التي تضم عدداً من الرموز المهمة عند اليهود وبينها الجبل الذي يعتبر محور التاريخ اليهودي ومنبعه جبل موسى عليه السلام – وقد ذكر " بن غوريون " صراحة أمام الكنيست أن أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية تحرير هذا الجزء من الوطن في شبه جزيرة سيناء وكانت تعليقات الإذاعة الإسرائيلية منذ بدء الهجوم على " مصر " وقطاع غزة 1956 م تمضي في غيها على أن سيناء جزء من أرض إسرائيل المسلوبة وأنها امتداد لأرض النقب الفلسطينية والتي أصبحت إسرائيلية
- لقد كانت ولا تزال المشكلة الكبرى أمام كل الفلسطينيون بل كل العرب في مصر وسوريا والأردن ولبنان أنهم أمام دولة معادية أحلامها بلا حدود تحكمها المؤسسة العسكرية وتعيش حالة التغير الدائم والمستمر بسبب الهجرات المتتالية من اليهود القادمين إليها من أرجاء العالم وتطمع في نقل كل يهود العالم إليها كما تحلم بدولة يهودية صرفه ولا يمكن على هذا المنوال أن تترك عرب 48 أو غيرهم من العرب الفلسطينيين بسلام وأمان .