مصطلح المبارزة في القافية
من كتاب ( موسيقى الشعر العربي – الأوزان والقوافي والفنون ) تأليف أ.د. حسني عبد الجليل يوسف. ( ص- 144) ورد ما يلي :
التأسيس : وهو ألف بينها وبين الروي حرف يسمى الدخيل، وهو متحرك، وهو ألف لازمة في قوافي الأبيات جميعها، وتركها في بيت يكون عيبا، وتعرف ألف التأسيس بالقرينة، ففي قول عنترة :
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر.....للحرب دائرة على ابني ضمضم
ألشاتمي عرضي ولم أشتمهما..... والناذرين إذا لم القهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما جزرَ السباع وكلِّ نَسْرٍ قشعم
ليست الألف في ( القهما) ألف تأسيس، وليس لأنها من كلمة غير كلمة القافية، فلا يلزم ورودها في كل ابيات القصيدة. أما قول عطية بن الخرع
هما إِبِلان فيهما ما علمتمُ .....فأدوهما إن شئتمُ أن نسالما
وإن شئتما ألقحتما ونتجتما ......وإن شئتما مثل بمثل كما هما
وإن كان عقل فاعقلا لأخيكما ......بنات المخاض والفصال المقاحما
فالألف في ( كما هما ) ألف تأسيس، لأنه بارزها ألف تأسيس في المقاحما " إنتهى النقل
وفيما يلي إعادة لصياغة ما فهمته مبني على جعل قوله :" ليست الألف في ( ألقهما) ألف تأسيس في هذاالسياق ولو أنها من كلمة غير كلمة القافية " ومعنى هذا أنها في غير هذاالسياق يمكن أن تكون ألف تأسيس.
تعريف المبارزة في القافية كما فهمته.
في حال وجود " شبهة رخصة ما " لمعاملة ثابت من ثوابت القافية على أحد وجهين، فإنه يتبع أحد الوجهين حسب ما يؤازره من القرائن في سائر الأبيات، ومالم يكن مصطلح المبارزة معروفا متفقا عليه في القافية فإني أقترح مصطلح المؤازرة لأنه أقرب لتمثيل المضمون بما يجعله أقرب للذهن.
شبهة الرخصة في ( ألقهما دمي ) هي وجود الألف في كلمة غير كلمة الروي، وبذا يمكن أن ترد على أحد الوجهين حسب ما يؤازرها منهما. يؤازرها في أبيات عنترة سياق عدم التأسيس فلا نعتبرها ألف تأسيس، ويؤازرها سياق التأسيس في الأبيات التالية، والبيتان الأول والثالث للمتنبي :
أنا لائمي إنْ كنتُ وقتَ اللّوائِمِ...........عَلِمتُ بما بي بَينَ تلكَ المَعالِمِ
وقد أهدرت فاعلم سنانٌ حديدةٌ ...........لعينين عن بعد ، لم ألقهما دمي
وقفنا كأنّا كلّ وجْدِ قلوبِنا ...........تمكّن من أذوادنا في القوائم
فنعتبرها تأسيسا
أورد المؤلف مصطلح ( المبارزة ) ، ولا أدري إن كان هذا المصطلح متعارفا عليه أم هو من اقتراحه، فإن كان من اقتراحه فإني أقترح مصطلح (المؤازرة ) كما أراه أكثر تمثيلا للمضمون وبالتالي أكثر
وعلى عكس كثير من المصطلحات أراه إيجابيا لجهة تلخيصه لملابسات كثيرة تعتري القافية. ومن ذلك قول المتنبي :
كدعواك كلّ يدّعي صحة العقل.....ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهْل
تُمِرُّ الأنابيب الخواطر بيننا.......وتذكر إقدامَ الأمير فتحلوْلي
ولو كنت أدري أنها سببٌ له ........لزاد سروري بالزيادة في القتْلِ
نبدأ بالشبهة وهي الواو الساكنة قبل الروي، فإن كلمتي الجهْل والقتْل وبقية كلمات أواخر الأبيات تنتهي بحرف ساكن وهذه مؤازرة لمعاملة الواو الساكنة كمعاملة الحرف الصحيح وليس باعتبارها ردفا.
ورد في (31- ص ص 106-114) شرح عن التأسيس وجاء في ( ص- 113) بيتا امرئ القيس:
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ....... وقرت به العينان بدّلت آخرا
كذلك حظي لا أصاحب واحدا .........من الناس إلا خانني وتغيرا
فالشبهة في ( ءا خرا ) ، أن حركة الخاء الفتح، حيث يقول :" إن التأسيس أكثر ما ما يكون بكسر الدخيل [ الحرف الذي بين الألف والروي] فلما كانت الخاء مفتوحة كانت خالية من التأسيس"
وذكر في الهامش أن :" الخليل كان يجيزه وغيره من العلماء يكره ذلك. "
وإن جاز هذا على سبيل المؤازرة فإن هذا لا يمنع ورود كلمة آخرا باعتبار الألف تأسيسا في قصيدة يؤازرها فيها السياق. وتأمل كيف يحل هذا المفهوم ما في الفقرة التالية من تعدد اعتبارات:
ترد الياء الأصلية رويا كما في أبيات عمر بن أبي ربيعة :
قَد صَبا القَلبُ صِباً غَيرَ دَني .....وَقَضى الأَوطارَ مِن أُمِّ عَلي
وَقَضى الأَوطارَ مِنها بَعدَما .....كادَتِ الأَوطارُ أَن لا تَنقَضي
وَدَعاهُ الحَينُ مِنهُ لِلَّتي..... تَقطَعُ الغُلّاتِ بِالدَلِّ البَهي
فَاِرعَوى عَنها بِصَبرٍ بَعدَما..... كانَ عَنها زَمَناً لا يَرعَوي
وقد ذكر د. محمد الطويل ( 15-175) :" ...هذه هي الحروف التي لا تصلح أن تكون رويا وإذا جاءت في شعر، واعتبرها الشاعر رويا فهو قليل لا يصح أن يقاس عليه، من ذلك مثلا قول صلتان العبدي:
نروح ونغدو لحاجاتنا..... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته..... وتبقى له حاجة ما بقي"
وقال الدكتور فاضل الجنابي (40-ص450): " الياء التي تكون من أصل بنية الكلمة لا تصلح أن تكون رويا ، ومثال ذلك قول بهاء الدين زهير :
إلى كم حياتي بالفراق مريرة ..... وحتّام طرفي ليس يلتذ بالغمْضِ
وكم قد رأتت عيني بلادأ كثيرةً..... فلم أر فيها ما يُسِرّ وما يُرضي
إذا لم يكم في الدار لي من أحبةٍ..... فلا فرق بين الدار أو سائر الأرض"
والصواب أن يرد أمر الياء الأصلية إلى مؤازرة السياق في ورودها رويا أو أصلا.
وكذلك الحال في الألف الاصلية، ففي الأبيات التالية هي روي:
سأحمل روحي على راحتي.....وألقي بها في مهاوي الردى
ونفسُ الشريف لها غايتان....ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن.....مخوف الجناب حرام الحمى
وفي الأبيات التالية هي وصل :
وقبِّـل شهيدًا على أرضها ..... دعا باسمها الله و استشهدا
فلسطينُ يفدي حِمـاكِ الشبابُ ..... وجلّ الفدائي و المُفتدى
فلسطين تحميكِ مناالصدورُ..... فإمّا الحياة و إما الرَّدى
وحسب المؤازرة تكون كاف الخطاب رويا أو وصلا:
فهي روي في أبيات رؤبة بن العجاج:
كَيْفَ إِذَا مَوْلَاكَ لَمْ يَصِلْكا
وَقَطَع الأَرْحامَ قَطْعاً بَتْكَا
يَبْرِي مَعَ البارِي وَلَمْ يَرِشْكا
وَالأَرْضُ لَوْ تَمْلِكُ لَمْ تَسَعْكا
وهي وصل في أبيات الراضي بالله والروي فيها النون:
مَنَحْتُكَ الْوُدَّ مِنِّي ..... فَجازِ بِالُودِّ مِنْكا
لَوْ كانَ قَلْبِي مُطِيعاً ..... طَمِعْتُ في الصَّبْرِ عَنْكا
لكِنَّهُ فِيكَ عاصٍ ..... يَكُفُّ إِنْ لَمْ يُعِنْكا
إِنْ خُنْتَ بِالْغَيْبِ عَهْدِي ..... فأَنَّنِي لَمْ أَخُنْكا
ومثل هذا في القافية كثير.
ليس فيما تقدم جديد سوى اختصار مصطلح المبارزة ( المؤازرة) لبعض الشرح، واحتمال حله لبعض إشكاليات الخلاف، ولعله يصلح في سوى العروض مما يقال فيه : ( يجوز الوجهان ) أو ( وفيه عدة أقوال ) من نحو وسواه.