-
محاضر جامعي في عمان
التغريدة
اليوم (الأربعاء 28/11/1449= 31/7/2019)، حاولت أن أنشر هذه القصيدة على فضاء الكتابة الذي يتيحه برنامج التواصل الاجتماعي المعروف "تويتر":
سَمِعَتْ بِمَكْرِ خَوَاطِرِي خَطَرَاتِي فَدَعَتْ كَوَاذِبَهَا إِلَى عَثَرَاتِي
مَا أَضْيَقَ الرُّؤْيَا الْفَسِيحَةَ وَالْقُوَى الْغَضْبَى الصَّرِيحَةَ وَالْجَوَى الْمُتَعَاتِي
جَرَّتْ عَلَيَّ مَدَاخِلًا بِمَآزِقٍ وَمَخَارِجًا بِمَزَالِقٍ فَلَتَاتِي
وَإِذَا الشُّمُوسُ تَرَحَّلَتْ ظَهَرَتْ عَلَى أُفُقِ الْمُنَى الظُّلُمَاتُ بِالظُّلُمَاتِ
شَمْسُ الْهَوَى وَلَهَا أَجِيجٌ بَاهِرٌ غَرَبَتْ بِأَصْلِ تَوَقُّدِ النَّزَعَاتِ
شَمْسُ الْعُلَا وَلَهَا دَلَالٌ قَاهِرٌ غَرَبَتْ بِأَصْلِ تَسَلُّطِ النَّجَدَاتِ
شَمْسُ النُّهَى وَلَهَا نُفُوذٌ ظَاهِرٌ غَرَبَتْ بِأَصْلِ تَطَلُّعِ الْبَدَوَاتِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ غَضَبٌ عَلَيَّ فَحَامِدٌ أَوْ لَا فَيَا خُسْرِي وَيَا حَسَرَاتِي
فأبى عليّ إلا أن أكتفي منها بهذا المقدار:
سَمِعَتْ بِمَكْرِ خَوَاطِرِي خَطَرَاتِي فَدَعَتْ كَوَاذِبَهَا إِلَى عَثَرَاتِي
مَا أَضْيَقَ الرُّؤْيَا الْفَسِيحَةَ وَالْقُوَى الْغَضْبَى الصَّرِيحَةَ وَالْجَوَى الْمُتَعَاتِي
جَرَّتْ عَلَيَّ مَدَاخِلًا بِمَآزِقٍ وَمَخَارِجًا بِمَزَالِقٍ فَلَتَاتِي
وَإِذَا الشُّمُوسُ تَرَحَّلَتْ
وإلا لم ينشرها! ولو كنت حاولت ذلك منذ ثلاثة أعوام لأبى عليّ إلا أن أكتفي بهذا المقدار:
سَمِعَتْ بِمَكْرِ خَوَاطِرِي خَطَرَاتِي فَدَعَتْ كَوَاذِبَهَا إِلَى عَثَرَاتِي
مَا أَضْيَقَ الرُّؤْيَا الْفَسِيحَةَ وَالْقُوَى الْغَضْبَى ال
لقد نشأ هذا البرنامج عام 2006 الميلادي، ليستوعب الخواطر الطارئة، ولم يقبل أن تزيد الخاطرة الواحدة على 140 حرف، والفصلة الترقيمية عنده بمنزلة الحرف، وكذلك الشكلة على الحرف، ومسافة الفراغ بين الكلمتين؛ فإذا شُكلت حروف الخاطرة العربية كلها كما سبق وجب الاستغناء عن نصف المقدار المتاح!
ثم عام 2016 خاف القائمون على البرنامج عزوف الناس عنه؛ فأغروهم بتحديثات كثيرة تزيد من نشاطهم التواصلي، كانت منها مضاعفة المساحة المتاحة لتصير 280 حرف، على نظام الزيادات الرقمية عموما، المبني على التشقيق والمضاعفة، ولم يكن أَثَرُ ما تعوّده الناس في عشرة أعوام ليزول بأَثَر ما جرّبوه في ثلاثة؛ فظلَّ بعضهم يكتفي بحروف أقرب إلى 140 منها إلى 280!
لقد صار برنامج "تويتر"، أحد أكثر برامج التواصل الاجتماعي استعمالا في العالم، واحتشدت فيه خواطر الناس حتى صارت تُعدّ في الثانية الواحدة بعشرات الآلاف، واتسعت كلمة "تَغْرِيدة" المصطلح بها على الخاطرة التي يتيح البرنامجُ للناس "تَغْرِيدَها" (كتابتَها على فضائه)، لتشمل ما أشبهها -وإن لم يكتب على هذا الفضاء- فتميز بها نمط من النصوص القصيرة، استحق أن يسلِّط عليه الدكتور علي الفارسي تلميذنا الباحث العُماني النجيب الواعد، مبادئ تصنيف النصوص وَظيفيًّا وسِياقيًّا وإِجرائيًّا، التي تبناها "فولفجانج هاينه من" و"ديتر فيهفيجر"، في كتابهما المهم "مدخل إلى علم اللغة النصي"، الذي ترجمه الدكتور فالح العجمي أستاذه الجليل وصديقنا الجميل، ليصل في مقاله الطريف "أنماط النص: قراءة في إشكالية التصنيف (التغريدة نموذجا)"، إلى أنه "لا ينبغي أن نصنف التغريدة على أساس نمطي معين منفردًا، كذلك نلاحظ تداخل هذه الأنماط معًا بشكل يصعب فصل التغريدات بعضها عن بعض بوضوح، كذلك لا يكون التصنيف على أساس نظري، بل لا بد من التجريب على كم من التغريدات، والفيصل في ذلك عنصر "التغليب"، ولعل حدود حجم النص وانعدام الاشتراك في سياق المحيط المكاني والزمني، هما المدخل إلى تصنيف التغريدة".
لم يتح البرنامجُ "التَّغْرِيد" بالعربية إلا في مارس من عام 2012، وهو العام الذي شاركتُ به فيه من أواخره، ولكن بعد أن سبقني إليه من أوائله "مُغَرِّدُون" كثيرون ولاسيما في الخليج العربي -فقد كنا في مصر وما زلنا أَمْيَلَ في تواصلنا الاجتماعي إلى برنامج "فيسبوك"، منا إلى برنامج "تويتر"- حتى نَجَمَتْ نُجومُ كتاب لولا برنامج "تويتر" ما نَجَمَتْ، فدُعي بذلك إلى جامعة السلطان قابوس أوائل هذا العام (24/2/2019)، علي عكور (@alakOOrali)، الشاب السعودي ذو الأربعمئة والاثني عشر ألف (12400) تغريدة والثمانمئة والأربعة والعشرين ألف متابع (24800)، الذي وجدت الشباب يتناقلون تغريداته معلقين عليها أو مكتفين بالإعجاب بها، فرأيت أن أنظر فيها.
-
محاضر جامعي في عمان
إذا اشتغلنا بتغريدات علي عكور (@alakOOrali)، في شهر يوليو من هذا العام الميلادي ظ¢ظ*ظ،ظ©، دون غيرها، فتجاوزنا ما أعاده أو لم يبُح فيه بخواطر نفسه- اجتمعت لنا سبع وخمسون تغريدة بسبع وثلاثين وثمانمئة كلمة، ليكون متوسط ما في التغريدة الواحدة خمس عشرة كلمة بأربعة وثمانين حرفا، ويصدُق ما قدّرناه من أن ما تعوَّده كُتّاب تويتر في أحد عشر عاما (ظ¢ظ*ظ*ظ¦-ظ¢ظ*ظ،ظ§)، من الإيجاز، لا يتحوّلون عنه في عامين (ظ¢ظ*ظ،ظ¨-ظ¢ظ*ظ،ظ©)!
فمن أمثلة ما كان منها دون المتوسط:
1) الليل دائما، في صفّك!
2) أعرفُ يدًا
بالمصافحة فقط
تدسُّ الحنين
في جيبي
3) الباب
للدخول
في فكرة البيت
النافذة
للاطمئنان
أن الخارج
على بعد نظرة
ومن أمثلة ما كان منها في المتوسط:
4) أعرف أن واحدا يشبهني، يسير معي ويعبث بخطاي، لكن ليس بالصفاقة التي تعكسها الممرات الزجاجية.
5) إنه لجهدٌ عظيم، لرجلٍ بلا مواهب أن يمضي باليومِ إلى آخره، دونَ أخطاء في الأداء.
6) لماذا
لا يدفنونك
من المرة الأولى؟
لماذا دائما
نحتاج إلى حبلٍ وكرسي
ومشهدٍ رديءٍ كهذا !
ومن أمثلة ما كان منها فوق المتوسط:
7) تسمو بمعنى الحبّ
حتى لا مدى
إلاّ تكشّفَ
عن ذهولِ الرائي
فيضٌ سماويٌّ
وسرٌّ صاعدٌ
بالظامئينِ لآخرِ الأنداءِ
8) بدأنا نزهتنا من عند الفم. حيث تأملنا النضجَ في خيرِ مواسمه. ثم صعدنا قليلا إلى أعلى، وبنصفِ دورة شهدنا كيف نُحِتَ الأنفُ بدقةٍ تجلّ عن الوصف. أكملنا الصعود بأنفاسٍ لاهثة. على ضفافِ إحدى العينين جلسنا، ويُقالُ أننا .. فُقِدنا هناك.
9) في البدء سملوا عينيّ المنطق، فصرت أمسك يده وأقوده، خشية أن يدهسه سائق طائش، أو أن يقع في حفرةٍ ما، لا سيّما وأن الجدل والمغالطات كثرت هذه الأيام. لاحقا، في منتصفِ جدلٍ بيزنطيّ بتروا ساقيه، فبتّ أحمله على ظهري، وصار منطقيا أن أحدودبَ أسرع من الآخرين.
لقد درَّجت الأمثلة السابقة، من أقصر التغريدات (ذات أربع الكلمات)، إلى أطولها (ذات الست والأربعين كلمة)، وحرصت على رسمها كما وجدتُّها (نَسْخِها) -مهما كان رأيي في رسائلها وأساليبها وهيئات إملائها وتشكيلها وترقيمها!- ولعل من قرائها من يظن بالموزَّعة الكلمات منها ما ليس بالمجمَّعتها –وهذه تسع وعشرون تغريدة، وتلك ثمان وعشرون؛ على سواء- حتى إذا فرغ من تأملها لم يجد إلا حرص الكاتب على توجيه القارئ وتنبيهه، خوفا من تجميع الكلمات التي لا تكفي في سياستها أحيانا علاماتُ الترقيم، ولم يَصرِفه عن هذا الذي وَجَدَهُ اتزانُ التغريدة السابعة وحدها، بيتين عموديَّين كامليَّي الوزن وافيين همزيَّي القافية المكسورة المردفة بالألف الموصولة بالياء!
تلك تسع تغريدات فنية أدبية، انفردت بأربع منها جملةٌ واحدة (اسمية: 1، 3، 5، أو فعلية: 2)، وباثنتين جملتان فعليتان (4، 6)، وبواحدة ثلاثُ جملٍ إحداها فعليةٌ (7)، وبواحدة أخرى أربعُ جملٍ فعلية (8)، وبواحدة أخيرة خمسُ جملٍ فعلية (9). واجتمعت فيها ضمائر التكلم المعروفة بالبوح الشعري (2، 4، 8، 9)، وضمائر الخطاب المعروفة بالنزاع المسرحي (1، 7)، وضمائر الغيبة المعروفة بالحنين القصصي (3، 5) -والأسماء الظاهرة في التحليل اللغوي بمنزلة ضمائر الغيبة- والتبست؛ فاقتحمت ضمائرُ التكلم على ضمائر الغيبة (8، 9)، وضمائرُ الخطاب على ضمائر التكلم (1، 7)، حتى أفضينا إلى نمط من الكتابة -يمكننا الآن أن نسميه "التَّغْرِيد"- تتضافر فيه طاقات المشاهدة اليومية والمكاشفة الذهنية والمباغتة الأسلوبية جميعا معا: تتوارد على حواسّ الكاتب كلِّها أحداثُ يومه المختلفةُ؛ فلا يأبه لها كثيرةً أو قليلةً حتى ينعكس بها على مرآة ذهنه وعيٌ خاص؛ فلا يأبه له حتى تستفزه عبارته الخاصة؛ فيثبتها من فوره، وربما أحاطها من أمامها أو من خلفها أو من حولها، بما يَجلوها ويَحفزها ويُنفِذها.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى