العصبية: أسبابها وعلاجها
الترجمة: محمود عباس مسعود المعلم برمهنسا يوغانندا
العصبية هي داء يمكن التغلب عليه بدواء محدد إسمه الهدوء. الخلل في التوازن
النفسي الذي ينتهي باضطرابات عصبية سببه حالات من الإثارة المتواصلة أو التنبيه
المفرط للحواس. الإنغماس في الهموم والخوف والغضب والمشاعر السوداوية والندم
والحسد والحزن والكراهية والسخط والقلق وعدم توفر ضرورات العيش الطبيعي
السعيد، آالغذاء الصحيح والتمرين الملائم والهواء النقي وأشعة الشمس والعمل
المناسب وغاية محددة للحياة.. آلها من مسببات الأمراض العصبية.
إن أية إثارة عقلية، عاطفية، أو جسدية عنيفة أو متواصلة تسبب الإزعاج لدرجة
آبيرة وتحدث خللاً في الإنسياب المتوازن لقوة الحياة عبر الحواس الخمس وأدواتها.
لو وصلنا مصباحاً طاقته خمسون واطاً بمصدر آهربائي طاقته ألفا فلطاً لاحترقت
اللمبة. وبالمثل فإن الجملة العصبية لم تُخلق لتحمُّل القوة المدمرة للعواطف العنيفة
أو الأفكار والمشاعر السلبية المتواصلة.
العصبية ليست مشكلة بسيطة. إنها عدوّ قتال، مضاعفاتها جسيمة ونتائجها بعيدة
المدى. من الناحية الجسدية، من الصعب شفاء أي مرض ما دام يتفاقم بالعصبية. أما
روحياً، فإن اختلال قوة الحياة في الجسد تجعل الترآيز أو التأمل العميق من أجل إحراز
السلام والحكمة صعباً للغاية.
لكن لحسن الحظ العصبية قابلة للشفاء. الشخص الذي يعاني من هذا المرض يجب أن
يكون مستعداً لتحليل حالته واستئصال العواطف المحطمة والأفكار السلبية التي تقضي
عليه تدريجياً. التحليل الذاتي لمشكلات الشخص والمحافظة على الهدوء تحت آل
الظروف من شأنهما شفاء أآثر الحالات العصبية.
عندما ندرك أن القدرات التي نحتاجها سواء للتفكير أو للكلام أو للشعور أو للفعل آلها
تأتي من الله وأنه معنا على الدوام، يلهمنا ويهدينا، نحصل على حرية فورية من
العصبية. ومع هذا الإدراك تأتي ومضات من الفرح المقدس، بل وأحياناً تغمر آيان
الشخص استنارة عميقة مبددة على الفور أفكار الخوف.
قوة الله هي آالمحيط، تموج وتندفع مجتاحة القلب في عملية تنظيف، مزيلة آل
العوائق الوهمية المتمثلة في الشكوك والعصبية والخوف.
الإنسان يظن أنه مجرد جسد مادي ليس أآثر، لكن هذا وهمٌ يمكن التغلب عليه بملامسة
الإنسان لكيانه الروحي عن طريق التأمل. عندها ستدرك أن الجسد ليس سوى فقاعة
من النشاط سابحة على صدر البحر الكوني.
يجب على ضحية العصبية أن يتفهم حالته وأن يحلل تلك الأخطاء الفكرية المتواصلة
المسؤولة عن عدم توافقه وتناغمه من الحياة من حوله. عندما يعترف الإنسان
العصبي ولو مرة واحدة لنفسه بأن مرضه ليس غامضاً بل هو نتيجة منطقية لعادات
شخصية، يكون قد أحرز نصف الشفاء فعلاً!
الإثارة تفسد التوازن العصبي بإرسالها آمية آبيرة من الطاقة إلى أحد أجزاء الجسم
وحرمانها باقي الأجزاء من نصيبها الإعتيادي.
هذا الخلل في توزيع الطاقة إلى الأعصاب هو سبب وعلة العصبية. الإنسان الهادئ
يتلافى الإثارة آونه على دراية بأن الله يدير ويدبّر الحياة وشؤونها، وإذ يعلم أن
(الخوف قطّاع العصب) يحاول أن يظل مرتاحاً نفسياً، وبذلك يقدر على مواجهة
ظروف ومواقف الحياة بهدوء لأن قواه العصبية متوازنة.
وإذ يحتفظ بقوة تمييزه يقِظة وغير مضطربة، يتحرر من أوهام الحياة ويترفع عن
الإثارة التي تجلبها التجارب الممتعة. أما الإختبارات غير السارة فيحاول أن لا يسمح
لها بتعكير خاطره وسلبه سلامه الباطني. وهذا هو الهدف الذي يجب أن نجدّ في سبيله
ونجتهد في بلوغه.
الجهاز العصبي يزوّد التيار الحيوي للدماغ والقلب وباقي أعضاء الجسم. آما يوزع
الطاقة إلى الحواس الخمس للبصر والسمع واللمس والذوق والشم. الأعصاب هي
الوسيط الذي من خلاله يمكننا التواصل مع العالم من حولنا وهي أيضاً مصدر آل ردود
أفعالنا الحسية. لذلك من المهم جداً الإحتفاظ بأعصابنا في حالة توازن تام، غير
صاعقين أحد أجزاء الجسم بفيض غزير من الطاقة، حارمين بذلك مناطق أخرى من
الجسم من الحصول على نصيبها الكافي من ذلك الزاد الحيوي. ليس بالقلق ولا
بالإنفعالات العاطفية يمكن تحقيق التوازن في الحياة وبلوغ الأهداف المشروعة، بل
بالهدوء والثقة العميقة بالله.
لليوغيين أساليب خاصة يستطيعون بواسطتها إنعاش الأنسجة المحترقة عن طريق
إرسال طاقة حيوية إلى الأعصاب التالفة جزئياً. إن آل خلية ونسيج في الجهاز العصبي
هو ترآيبٌ حي وموهوب بالذآاء. ولقوة أو طاقة الحياة القدرة على تجديد ذلك الترآيب
على الدوام، تماماً آشحن أو إعادة شحن البطارية الفارغة بالطاقة.
العصبية نوعان: سيكولوجية وآلية، أو سطحية وعضوية.
العصبية السيكولوجية هي الصنف الأآثر شيوعاً، سببها الإثارة أو الهيجان العقلي.
الإنغماس المستدام في هذه الحالة، بما في ذلك مصاحبة الأشخاص غير المنضبطين
الذين لا يستفيدون من أصدقائهم ولا يفيدون بشيء، والعادات غير السليمة من حيث
التغذية الصحيحة والعيش الصحي، آلها تمثل حالات مستعصية لمرض العصبية.
الغذاء يجب أن يكون بسيطاً، متوازناً، وألا يتم الإفراط في تناوله. التمارين الرياضية
يجب أن تكون منتظمة. آثرة النوم تخدّر الأعصاب، وقلة النوم تضر بها. لكن الإعتبار
الأهم هو انتقاء الصحبة بعناية وحكمة. أخبرني عن أصدقاء الشخص وسأخبرك عن
نوعية ذلك الشخص. المدّاحون المتملقون لا يساعدوننا. يجب أن نلتمس مجتمع
المتطورين من الناس الذين يقولون لنا الحقيقة ويساعدوننا على تحسين أنفسنا. خير
الأصحاب هو من يقترح علينا بتواضع الطرقَ التي يمكننا استخدامها والأمور التي
ينبغي القيام بها من أجل تغيير حياتنا نحو الأفضل.
الانتقاد الشديد اللهجة، الموجّه بلؤم ومشاعر متحجرة يشبه ضرب الشخص على
رأسه بالمطرقة، في حين المحبة هي أقوى تأثيراً وأعم فائدة. الإقتراحات اللطيفة
المقدَّمة بمحبة وفهم لها القدرة على خلق العجائب، بينما الانتقاد الجارح للآخرين لا
يحقق شيئاً ذا بال.
يصبح الشخص مؤهلاً للحكم على الآخرين فقط عندما يكون قد نقى طبيعته من
الشوائب وبدد ظلام جهله بنور المعرفة. وإلى أن يبلغ تلك المرحلة فمن الأفضل له
تحليل نفسه وتصحيح رؤيته الذاتية بدلاً من انتقاد الآخرين وتجريحهم.
إن مصاحبة الحكماء ذوي الطبائع الهادئة هي من أسرع وأنجع الطرق للتخلص من
العصبية والتعرف على هويتنا الروحية.
العصبيون يجب أن لا يختلطوا آثيراً بعصبيين مثلهم.
يجب تنمية الهدوء الداخلي للتخلص من العصبية. صاحبُ الهدوء الطبيعي يحتفظ
باتزانه ويبقى مرتاح البال تحت آل الظروف. آما أنه لا يسمح للعواطف بالسيطرة
عليه ودفعه لاتخاذ قرارات خاطئة. إنه لا ينخدع بالكلام المنمق المعسول الذي
يستعمله الوصوليون من أجل الحصول على مكاسب لا يستحقونها. ونظراً لهدوئه
الطبيعي فإنه نادراً ما يقع ضحية التضليل والتغرير. بل أن قلبه يُظهر له حقيقة الذين
يتعامل معهم ويكشف له نواياهم بدقة متناهية. هو لا يسمم أنسجة جسمه بالغضب
والخوف اللذين يؤثران تأثيراً عكسياً على دورته الدموية. هناك حقيقة مسلّم بها
وهي أن حليب الأم الغضبى يمكن أن يكون له تأثير ضار على طفلها. والبراهين آثيرة
على أن العواطف العنيفة لها القدرة على تهشيم وتحطيم الجسد.
الإتزان جميل ويجب أن يكون الأساس لمشاعرنا وأفكارنا وأفعالنا، والمرتكز الذي
يدور عليه محور حياتنا.
آبار النفوس يحافظون على هدوئهم وسلامهم مما يساعدهم على اجتياز محن
وامتحانات الحياة دون أن يفقدوا صوابهم أو توازنهم.
الله حاضر في آل مكان، يدير العوالم ويسيّر المجرات في الأفلاك اللامتناهية. والإنسان
المخلوق على صورته يمتلك أيضاً القدرة على تسيير حياته وتنسيق فعالياته دون قلق
أو اضطراب.
يجب أن نبعث دوماً للآخرين بأفكار المحبة ونوايا الخير والسلام.
في هيكل التأمل، حيث نور البصيرة دائم الإشعاع على مذبح الروح، لا يوجد قلق ولا
إجهاد ولا توتر ولا عصبية، بل هدوء وسكينة وثقة بالنفس وسعادة حقيقية.
والسلام عليكم.
http://www.swaidayoga.com/pdf/nervousness.pdf