باول وبيتر
بقلم: عمار الدقشة
قال الأديب الايرلندي برنارد شو: "إن الحكومة التي تنهب بيتر لتدفع لباول، يمكنها دائماً الاعتماد على دعم باول". عملياً هذه المقولة صحيحة، طالما استمرت حالة النهب والوهب من طرف لآخر.
نحن كجسد فلسطيني، وبعد أن مُسخنا توأمين غير سياميين، بتنا جميعا وبالممارسة، بيتر وباول.. كلنا مجرم تُمتص دماء شطره التوأمي وتُضخ في فمه! شاء أم أبى، هو موهوب ومنهوب.
بيتر في الضفة يأكل وينمو فسيولوجياً، ويتنفس من ثقب سري في رئة شطره باول غزة؛ وهذا الأخير يكدُّ ويبدع لإحداث ثقب مقابل في معدة بيتر، ليمتص من خلاله خلاصة ما ألتهم ذاك البيتر، طعاماً حلالاً لا ينقصه المَنُّ والسّلوى.
وبعد حركة الوهب والنهب الشبِقة، يضحك الجسد المشطور، كل نصف على الآخر.. يدفن رأسه في التراب؛ كي لا يرى ثقباً دامياً في جوف جسده، ينزف ما يمتصه ليلاً في ساعات الفجر.
يسخر بيتر من باول وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، جازماً أنه أوتي بسطةً في العلم والجسم، وذكاءً مفرطاً مكّنه من مد أنبوب غير مرئي، يمتص خلاله ما يُقيت الجسد الشاهق، ويبقيه على قيد الحياة دورةً شهريةً أخرى.
أما باول، فلديه قدرة عجيبة ليتناسى همه وحلمه وقلبه وثقبه، فينظر للأعلى ساخراً من سذاجة توأمه، ويشدُّ قبضته على طرف قناة مدّها خلسةً في جسد ذاك التوأم، ولازالت تُضخ إليه حياة.. ورتبة.. وراتب يُدسُّ في جيبه كلَّ دورة شهرية، إلا فيما ندر، عندها فقط يأتي الطَّمثُ متأخراً قليلاً، ولكن بالمحصلة يأتي.. فيُطعم من جوع ويسقي من عطش... ولله الحمد!
للتجرد الموضوعي، بيتر وباول كلٌ منهما برئ، لكنّ قميص ابن يعقوب يدينهما، كلاهما مخطئ بغير خطأ، ومجرم دون جريمة واضحة اقترفها! كل الملابسات والإحداثات والثقوب والفتحات قُبرت بليل، ورُدمت كي لا تظهر للعيان؛ علَّ بيتر وباول والأحباب والأصحاب ينسونها.. فنُسيت تماماً.. ولازال الوهب والنهب على أشدِّه حتى اللحظة!
Mohammed A. El-Madhoun
Gaza- Palestine
Jawwal: 00972-599-811679