كان رجل يقال له كلاب بن أمية بن الأسكر له أبوان شيخان كبيران وكان يأتيهما بصبوحهما وغبوقهما (الصبوح شرب اللبن في الصباح، والغبوق في المساء).



فجاءه رجلان فلم يزالا به يرغبانه في الغزو حتى اشترى غلاماً فأقامه مقامه وخرج للجهاد فجاء الغلام ذات ليلة بغبوق الأبوين وهما نائمان فقام ساعة فلم ينبههما فذهب وتركهما فانتبها في بعض الليل وهما جائعان فقال الشيخ:



لمن شيخان قد نشدا كلابا *** كتاب الله قد خطئا وخابا

تركت أباك مرعشة يداه *** وأمك ما تسيغ لها شرابا

إذا نعب الحمام ببطن وج *** على بيضاته ذكرا كلابـا

أتاه مهاجران فربخــاه *** عباد الله قد عقا وخابــا

أناديه فيعرض في إبــاء *** فلا وأبي كلاب ما أصابا

وإنك والتماس الأجر بعدي *** كباغي الماء يتبع السرابا

أبراً بعد ضيعة والديــه *** فلا وأبي كلاب ما أصابا

وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إذا قدم عليه قادم سأله عن الناس وعن أخبارهم وعن حالهم فقدم عليه قادم فقال: من أين؟ قال: من الطائف قال: كيف تركتهم؟، قال: رأيت بها شيخاً يقول وذكر الأبيات فبكى عمر وقال: أجل وأبي كلاب ما أصابا.



ثم إن أمية بن الأسكر أخذ بيد قائده ودخل على عمر وهو في المسجد فأنشده:



أعاذل قد عذلت بغير قدري *** ولا تدرين عاذل ما ألاقي

فإما كنت عاذلتي فردي *** كلابا إذا توجــــه للعراق

فتى الفتيان في عسر ويسر *** شديد الركن في يـوم التلاقي

فلا وأبيك ما باليت وجدي *** ولا شغفي عليك ولا اشتياقي

وإيقادي عليك إذا شتونا *** وضمك تحت نحـري واعتناقي

فلو فلق الفؤاد شديد وجد *** لهم ســـواد قلبي بانفلاق

سأستعدي على الفاروق ربا *** له عمد الحجيج إلى بساق

وأدعو الله محتسباً عليه *** ببطن الأخشبين إلى دفـاق

إن الفاروق لم يردد كلابا *** على شيخين هامهما زواق



فبكى عمر وكتب إلى أبي موسى الأشعري في رد كلاب إلى المدينة فدعاه فقال الحق بعمر بن الخطاب فقال: لم ما أحدثت حدثا ولا آويت محدثا قال انطلق فجاء إلى عمر بن الخطاب فلما قدم دخل عليه فقال له عمر: ما بلغ من برك بأبيك فقال: كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبناً إلى أغزر ناقة في إبله فأسمنها وأريحها وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له فأسقيه فبعث عمر إلى أبيه فجاءه فدخل عليه وهو يتهادى وقد انحنى فقال: له كيف أنت يا أبا كلاب فقال: كما ترى يا أمير المؤمنين فقال: هل لك من حاجة قال: نعم كنت أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت، فبكى عمر وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله - تعالى -.



ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه ففعل وناوله عمر الإناء وقال: اشرب هذا يا أبا كلاب فأخذه فلما أدناه من فمه قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب فبكى عمر وقال: هذا كلاب عندك حاضر وقد جئناك به فوثب إلى ابنه وضمه إليه وقبله وبكى بكاء شديداً فجعل عمر والحاضرون يبكون وقالوا: لكلاب الزم أبويك فلم يزل مقيماً عندهما إلى أن مات.



وهذه القصة منثورة في المراجع التالية:

1- ج3 ص205 أخبار مكة للفاكهي. 2- ج2 ص186، 187 تاريخ واسط ل(أسلم بن سهل الواسطي) 3- الإصابة لابن حجر(ج1 ص114- 117) و(ج5 ص615) 5- ج1 ص413 معجم البلدان لياقوت الحموي.



قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفد من الأشعريين فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمنكم كانت وحرة قالوا نعم يا رسول الله قال فإن الله - عز وجل - أدخلها الجنة ببرها لوالدتها ووالدتها مشركة أغير على حيها وتركوها وأمها فحملتها تشتد بها في الرمضاء فإذا احترقت قدماها أجلستها في حجرها وبسطت رجليها وجعلت رجلي أمها على رجليها ثم حنت عليها تظلها من الشمس فإذا راحت حملتها فلم تزل كذلك حتى نجتها فأدخلها الله- تبارك وتعالى - بذلك الجنة قال: ابن جابر ولقد أدركت وإنه ليقال لو كنت أبر من وحرة قال أبو مسهر وقال رجل من الأشعريين في الجاهلية

ألا أبلغن أيها المغتدي *** بنى جميعا وبلغ بناتي

بأن وصاتي بتقوى الإله *** فاحفظوا ما بقيتم وصاتي

وكونوا كوحرة في برها *** تنالوا الكرامة بعد الممات

وقت أمها بشواها الرميض *** وقد ألهب القيظ نار الفلاة

فظلت مطيتها في الرمال *** حافية من حذار العداة

لترضي ربا شديد القوى *** وتظفر من ناره بالنجاة

فهذي وصاتي فكونوا لها *** طوال الحياة رعاة الرعاة



كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا



منقوووووووووووووله