--------------------------------------------------------------------------------

النسب.. الالكتروني

موقع على الإنترنت يسمح لملايين البريطانيين بالتعرف على جذورهم من السجناء المرحلين إلى أستراليا قبل مائتي عام



لندن: مينا العريبي
بات في مقدور ملايين البريطانيين والاستراليين، معرفة جذورهم الممتدة الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من خلال الغوص في سجلات جديدة على أكبر موقع الكتروني يرصد معلومات عن نسب الشعبين، والروابط بين عائلاتهم، نشرت الأسبوع الماضي.
وأفادت المعلومات بأنه من بين كل 30 بريطانياً، هناك واحد يمت بقرابة مع أحفاد سجناء مدانين بريطانيين سابقين رحلوا الى استراليا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ليشكلوا نواة الشعب الاسترالي اليوم. ووضعت معلومات عن هويات السجناء، بأسمائهم وتواريخ ولادتهم وادانتهم وانتقالهم الى استراليا، على موقع الكتروني مما يتيح للبريطانيين والاستراليين دراسة السجلات ومعرفة الروابط بينهم. ورغم أن المعلومات عن حوالي 160 ألفا من البريطانيين الذين نقلوا الى استراليا غير جديدة، الا انها للمرة الاولى التي تجمع في مكان واحد توضع على موقع الكتروني يسمح بمعرفة هوياتهم والمدن التي اقاموا بها في استراليا، بالإضافة الى وضع تحليل للمعلومات بما فيها الجرائم التي ارتكبها السجناء في بريطانيا والاحكام التي صدرت بحقهم. وبالاضافة الى التقدير بأن مليوني بريطاني لهم صلة قرابة بالسجناء الذين بدأوا رحلتهم الى استراليا في اول دفعة عام 1788، يعد ربع سكان استراليا اجدادهم من السجناء السابقين، مما يعني ان هذه الوثائق لها تأثير مباشر على تصور الملايين من البريطانيين والاستراليين عن ماضيهم وجذورهم. وأشرف موقع «انسيستري» الالكتروني على وضع المعلومات التي كانت في سجلات متفرقة بين بريطانيا واستراليا في ارشيف واحد على الانترنت، وسمحت لبريطانيين واستراليين بالتفتيش في هذه السجلات عن اسلافهم. وتعتبر هذه السجلات من بين اهم المعلومات التي كشفت عنها «انستستري»، والتي يعني اسمها «سلسلة النسب» بالانجليزية منذ ان بدأت عملها في بريطانية قبل 6 سنوات وفي الولايات المتحدة قبل 10 اعوام. وهذا الموقع هو أحد سبعة مواقع بالاسم ذاته والتابعة لشركة «شبكة الأجيال» التي اسست في الولايات المتحدة، بهدف توثيق الروابط العائلية من خلال اشجار عائلية تناسب القرن الحادي والعشرين ـ أي من خلال شبكة الانترنت، وتسمح لأقارب حول العالم من الاتصال ببعضهما بالبعض، ووضع وثائقهم في ارشيف الكتروني يحفظ للأجيال المقبلة. وقد أدت هذه المواقع الى مشاركة الملايين من البريطانيين والأميركيين والاستراليين والكنديين والألمان والايطاليين والفرنسيين في ظاهرة تزداد رواجاً، وهي ربط العائلات ذات الأصول الأوروبية من خلال شبكة الانترنت ودعوة أقاربهم بالانضمام الى هذه الروابط.

وتعتبر مواقع «انسيستري» نموذجاً ممتازاً عن الثورة في عالم المعلومات منذ انتشار الانترنت وتوسيع استخدامها. اذ تحمل «انسيستري» بين مواقعها 5 مليارات اسم منذ تأسيسها قبل عقد، وفي الاسبوع الماضي فقد، اضيفت 82 الف صورة و12 الف قصة شخصية الى موقع «انسيستري» الاميركي. وبعد تأسيسها في الولايات المتحدة، انتقلت «انسيستري» الى 6 دول أخرى، ومن المتوقع ان تتوسع الى دول اخرى في الأشهر المقبلة. و«النسب الالكتروني»، يفتح مجالاً امام الملايين للتواصل ومعرفة أصولهم، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات عن طريقة رصد النسب والتأكد من صحة المعلومات التي قد تربط شخصيات تاريخية بالذين يريدون الاستفادة من الروابط العائلية معها. وفي الوقت نفسه، يثير وضع المعلومات على الشبكة الالكترونية تساؤلات حول احتمالات الرقابة على المشتركين في الخدمات الالكترونة، وخاصة من قبل الحكومات. وشرح سايمون زيفياني، وهو ناطق باسم «انسيستري» البريطانية، انه بإمكان أي بريطاني معرفة جذوره من خلال التسجيل مع الموقع الالكتروني، ووضع اسمه ومعلومات عن عائلته. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن بعد التسجيل مع الموقع، يمكن للمرء البحث في سجلات بريطانية مختلفة، منها السجلات العسكرية وسجلات التعداد السكاني للقرون الماضية، للتوثيق شجرة العائلة الخاصة به. يذكر أن استخدام خدمة «اسنيستري» لبناء شجرة عائلية على الموقع الالكتروني، ووضع الصور والمعلومات العائلية هي مجانية، ولكن البحث في سجلات الموقع ومعرفة تفاصيل عن أية أشخاص ممكن ان يكن المرء لديه صلة قرابة معه، تأتي بتكلفة مادية قيمتها 80 جنيها استرلينيا (160 دولارا) لسنة كاملة في السجلات المتعلقة في المملكة المتحدة. أما الاشتراك الدولي، الذي يشمل سجلات في 7 دول، تأتي بتكلفة 200 جنيه استرليني (400 دولار). وقال زيفياني: «موقعنا يجعل المرء يغير نظرته عن الماضي وعن حياته الحالية، من خلال ما يعرفه عن ماضيه»، وأضاف: «نقوم بحملات توعية ونشر اهم ما نعثر عليه في السجلات السابقة، من اجل جذب المزيد من المستخدمين لموقعنا الاكتروني والمشاركة في رصد التاريخ والنسب»، وأضاف: «على الشخص ان يبدأ بنفسه وان يسجل اسمه على الموقع ويضع جميع المعلومات المتحاحة له، ومن ثم يسأل اقاربه ان ينضموا الى الموقع لتوسيع الشجرة». وبالطبع، ذلك يعني المزيد من المستخدمين للموقع الذي يعتبر أكبر شبكة لرصد النسب في العالم. واعتبر الدكتور روبن بوست، نائب مدير متحف «الآثار وعلم الانسان» التابع لجامعة «كامبريدج» البريطانية، ان ظاهرة «انسيستري» ووضع النسب على المواقع الالكتورنية، ظاهرة مهمة من حيث «رصد المعلومات، ومن جانب تاريخي والاحتفاظ بالمعلومات على المدى البعيد»، وأضاف: «لا توجد آلية لرصد صورة كاملة عن التاريخ، ولكن هذه الآلية ستكون مفيدة جداً في حال حافظنا عليها»، وتابع ان التاريخ في القرن العشرين يعاني من «الحفرة السوداء» من الوثائق لأن الكثير من الاحداث والقرارات جرت عن طريق الهاتف ولا توجد طريقة لتسجيلها. وأوضح: «عودة الاعتماد على الكتابة، حتى وأن كانت عبر الانترنت، مفيداً للمؤرخين، ولكن هناك معلومات مفيدة تضيع بسبب محو الرسائل الالكترونية أو اخطاء تقنية» من جهة أخرى، لفت بوست الى أن «هذه الظاهرة تقتصر على طريقة غربية في التفكير بطريقة رصد الصلات العائلية، ولا يمكن مدها الى الكثير من المجتمعات الأخرى التي تتبع طرق مختلفة في متابعة النسب»، وأضاف في حديث مع «الشرق الأوسط» ان هذه المواقع مبنية على فرضية انتشار استخدام الانترنت ووجود السجلات والوثائق القديمة وسلامتها من التزوير أو التآكل عبر التاريخ. وتابع ان «المسلمين لهم طريقة مماثلة للمسيحيين في معرفة النسب، وهي عن طريق الأب مما يجعله ممكناً معرفة الأجداد ووضعها في شجرة عائلية من الشكل التقليدي، ولكن هناك مجتمعات تختلف في رصدها للنسب، اذ تعتمد على الأم أو الخال»، واعتبر ان هذه الفوارق تحد من امكانية رسم التاريخ البشري عن طريق الشجرة العائلية المتعارف عليها في الدول الغربية أو الاسلامية، ولكنه قال ان ذلك لا يقلل من اهمية المواقع الالكترونية الجديدة التي تساعدة الكثيرين على رسم شجرة تظهر نسبهم. ورأى بوست أن «العالم يمر في لحظة تغير حقيقية، اذ ان علم النسب اصبح اقل أهمية في الكثير من المجتمعات، لتصبح العلاقات الاكثر تعقيداً وتأثيراً على كل مرء هي الاهم»، واوضح ان هذه العلاقات اخذت تتوسع في العالم اليوم من خلال طرق اتصال واسعة وتطور في التكنولوجية، قائلاً: «هناك سؤال حقيقي اليوم عن النسب نفسه، وما يهم الانسان معرفته»، وبينما تركز «انسيستري» على المعلومات من السجلات الرسمية لرصد النسب، وتقارنها بمعلومات مستخدميها، قال بوست ان «بعض المواقع الأخرى تطلب من المستخدم ادخال معلوماته هو، فتصب السجلات الرسمية اقل اهمية، ويمكن استخدام لغات اخرى وطرق مبتكرة في رصد التاريخ البشري». وقال زيفياني ان هناك «مجموعات اثنية هاجرت الى بريطانيا لا توجد لدينا سجلات لتاريخها أو اسلافها في الوقت الراهن، مما يعني اننا بحاجة الى بذل المزيد من الجهود لجمع المعلومات عنهم وتوسيع سجلاتنا»، وأضاف ان تركيز الشركة حالياً يدور حول السجلات العسكرية بالإضافة الى السجلات التابعة للأقليات في بريطانيا، بما فيها الجاليات الآتية من دول الامبراطيورية البريطانية السابقة وخاصة الهند. وقد يكون ضرورياً استحداث مواقع لـ«انسيستري» في دول اخرى لربط سجلاتها مع السجلات البريطانية «لتعكس بصورة افضل التنوع الاثني لبريطانيا المعاصرة»، وأشار زيفياني الى المصاعب التي تواجه شركته اذ «يمكننا العمل فقط على السجلات المتاحة للاستخدام العام، فلا نكشف عن وثائق سرية أو لم تكشف عنها الحكومة بعد»، واعتبر زيفياني ان من ميزات الموقع انه يجهز معلومات قديمة في سجلات حكومية وفي مكتبات صعب على البعض الوصول اليها تقليدياً، ويضعها على موقع الكتروني يمكن البحث فيه بطريقة سريعة من خلال كلمات بحث محددة. ولفت بوست، وهو خبير في التاريخ ودراسة الهوية لمجتمعات مختلفة، ان الكثير من المجتمعات لم تعد تنظر الى النسب بأنه ابرز هوية لها. واضاف ان النسب الذكوري ليس الوحيد الذي قد يؤثر على هوية المرء. وأوضح ان هناك مواقع الكترونية عدة جديدة ستظهر مستقبلاً، وبدأ العمل عليها حالياً، تسمح للمرء ان «يشكل هويته الخاصة والاكثر تعقيداً» على الانترنت. واضاف ان هذه المواقع تسعى الى «جعل المرء يربط بآخرين لهم هوية اجتماعية أو اثنية مماثلة، بدلاً من الاعتماد فقط على النسب». وعلى كل حال، اصبحت «انسيستري» اشهر موقع لسرد التاريخ الخاص والعائلي في الدول التي تعمل فيها. وبتحميل سجلات التعداد السكاني والولادات والوفيات والزيجات، بالاضافة الى ارقام الهواتف والسجلات العسكرية، اصبح مواطنو الدول الغربية، قادرين على رصد المعلومات التي تخص عائلاتهم المقيمة منذ عقود او قرون في هذا الجزء من العالم. الا ان يتبقى على ابناء المهاجرين الجدد، وخاصة من العالم الثالث، العمل على بناء تاريخهم الخاص في أوطانهم الجديدة، بالاضافة الى العمل على دفع حكوماتهم لفتح السجلات للتناول العام.



عن/ جريدة الشرق الأوسط .


،،، وتحياتي ،،،