"لِنُعد تشكيل الكائن البشري: مستقبلنا الوراثى الحتمي"
هو عنوان لكتاب صدر فى صائفة 2002 بالولايات المتحدة الأمريكية بقلم
Gregory Stock وقد حظى بدعاية إعلامية غير مسبوقة
الكاتب وعمره 52 سنة يرأس برنامج "الطب والتكنولوجيا والمجتمع"
فى جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس وهو يتفق مع استنتاجات Jeremy Rifkin
التى عبّر عنها فى كتابه "قرن البيوتاك" وصاحب المقولة الشهيرة
"من يهيمن على الجينات يهيمن على العالم"
ومع نظرية فوكوياما حول "نهاية التاريخ":36_1_28[1]:
الكاتب لا يكتفى بالوعود بل هو يبرز الأساليب العملية التى ستمكننا من هذه الغاية.
هو يقدّر أننا سنتمكن بعد عشرين سنة من صناعة إنسان حسب الطلب à la carte وحسب الرغبة sur mesure وذلك بفضل تقنيات التلقيح الاصطناعى وفرز البويضات وصولا إلى ما يطلق عليه بـ "التحوير الجينى الإيجابي" لخلق جنين يمتاز بهذه أو تلك من الخاصيات المطلوبة. فى الحقيقة مشروع "الإنسان حسب الطلب" ليس بالجديد ولكن الجديد هو التعبير عن الاستعداد لإنجازه.
فقبل ذلك عبّر العالم François Jacob الحاصل على جائزة نوبل عن آراء مشابهة. فهو يرى أنّ الإنسان سيصبح قادرا على السيطرة على تطوّره ذاته وسيتوصّل إلى التدخل فى تنفيذ البرنامج الوراثى من أجل تصحيح عيوبه وإدخال بعض الملحقات عليه وقد يتوصّل أيضا إلى إنتاج ما يرغب فيه من نماذج ونسخ طبق الأصل عن فرد من الأفراد: رجل سياسي، فنان، ملكة جمال أو مصارع. فلا شيء يمنع أن نبدأ فى استعمال طرق الاصطفاء المستخدمة فى المختبرات على الفئران. كان François Jacob قد دعا قبل ذلك إلى استعمال خلطات كيميائية للتحكم فى الجهاز العصبى للإنسان وبالتالى سلوكه. المهم أن نتفق على المقاييس.
كلّ شيء جائز Any thing goes .
وهذا Gregory Stock يعتقد أنه سيصبح بإمكاننا خلق أشخاص مُحَوَّرين جينيّا بحيث يتحملون حرارة وبرودة الكواكب الأخرى ويتأقلمون مع النقص فى مادة الأوكسجين. يتساءل عالمنا الفذ عن أسباب معارضة بعض المتزمتين لهذا المشروع الثوري: "لماذا ترفضون حقّنا فى اختيار وليدنا مادمنا نختار شريك حياتنا؟" فهناك من يفضّل جنسا دون آخر وهناك من يردى طفلا منبسطا extraverti أو مزدوج الخاصيات الجنسية.
ممّا لا شك فيه أن التحوير الجينى سيخلق فروقا بين الأشخاص لكن أليست هذه سنّة الحياة؟ عالمنا الألمعيّ يعتقد أنّ أول من سيقوم بالتحوير الجينى للإنسان هم الآسيويون لأنهم يعتقدون أن امتلاكهم لناصية البيوتكنولوجيا هى الوسيلة الوحيدة للحاق بالغرب يليهم الأمريكيون ثم الأوروبيون. فى رأيى لا يمكن لنا أن نتعرض لهذا المشروع الجنونى دون الرجوع إلى تاريخ اليوجنية وتأثيرها على المجتمع والسياسة والتاريخ بصفة عامة. ما هى اليوجنية ؟
Eugénisme كلمة يونانية مشتقة من كلمتين Eu وتعنى الحسن و gennaân وتعنى النشئ ونجد كلمة تعادلها فى العربية: جنين. المعنى إذن هو تحسين النشئ أو النسل. ويعود تاريخ اليوجنية إلى François Galton وهو ابن خال شارل داروين وذلك فى أوساط سنوات 1860.
فقد أوّل Galton نظريات داروين حول الانتقاء الطبيعى ليجعل من هذه الأخيرة شاملة لكل المجالات البسيكولوجية والاجتماعية وغيرها. ويرى François Galton أن الحضارة المعاصرة قد عرقلت السير الطبيعى لعملية الانتقاء بحمايتها للكائنات البشرية "المريضة" و"التافهة" و"الحقيرة" و"المتخلفة" والسماح بإعادة إنتاجها، وهو يرى أنّ ذلك يسبب عائقا أمام تقدّم البشرية. إذن لابدّ من القيام بعمليّة فرز وانتقاء اصطناعى وهذا يستدعى إيجاد قوانين ومؤسسات وتشريعات بهدف تخفيف العبء الذى قد يمثّله المتخلفون.
إذن تدعو اليوجنية إلى انتقاء اجتماعى عرقى يكون تطبيقا لقانون الانتقاء الطبيعى على المجتمع ولهذا يستعمل البعض السوسيولوجيا لكى يعبّروا بها عن اليوجنية. وعرفت اليوجنية ازدهارا شمل كل البلدان الغربية دون استثناء وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر. ففى السنوات 1920-1940 شاعت هذه النظرية وشكلت موضة العصر. ففى سنة 1904 أنشئ كرسى تحسين النسل فى جامعة لندن، وهكذا انتشرت هذه النظرية لتعمّ ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان الغربية.
كانت Margaret Sanger المعروفة بتحمسها الشديد لهذه النظرية تقول: "هؤلاء الذين يعيشون فى الأكواخ يتوالدون كالأرانب وينشرون عدواهم إلى ألمع وأذكى عناصر المجتمع من خلال جيناتهم الضعيفة والمريضة ... إن أكبر فضل يمكن أن تقوم به عائلة متعددة الأفراد هو التخلص من صغارها بالقتل.." "1920". كتبت أيضا فى مجلة خاصة بمراقبة النسل: "الهدف الرئيسى من مراقبة الولادات هو إلغاء أو تحديد الولادات فى أوساط العائلات المتخلفة وغير القادرة وراثيا وتشجيع الولادات لدى العائلات المعروفة بقدراتها الذهنية الفائقة .... إن الهدف من مراقبة الولادات هو خلق جنس صافى une race pure sang "0291". وكتب بعد سنين الدكتور Stoddard الحاصل على دبلوم من جامعة هارفارد ومدير جمعية مراقبة النسل يقول سنة 1940: "إن قانون التعقيم الذى وضعه النازيون يمكّن من التخلّص من الخاصيات الجينية السيّئة للجنس الجرمانى بطرق علمية وإنسانية"! دعا هذا العالم إلى تهيئة أماكن مخصصة وأراضى فلاحية ومساكن لأصحاب الجينات الضعيفة لعزلهم وإجبارهم على العمل وتسخيرهم لصالح باقى المجتمع.
لقد اقتفت بلدان أخرى الولايات المتحدة الأمريكية فى عملية تعقيم "المتخلفين".
فقد عقّمت السويد 60 ألفا من السكان المحسوبين على التخلّف الذهنى ووضعت بلدان أخرى قوانين التعقيم الإجبارى ونفّذتها مثل الكندا والنرويج وفنلندا واسبانيا وإيزلندا. أمّا ألمانيا التى سنتعرّض لها لاحقا وهى الأسوأ سمعة فقد عقمت فى البداية 400 ألف من "المتخلفين" ثم قتلت الكثير منهم. فخلال 18 شهرا فقط من الحرب العالمية الثانية أُعدم بالغاز 70 ألف فردا من المرضى النفسانيين من الألمان الذين وقع تعقيمهم من قبل وذلك بتعلّة إخلاء أسرّة المستشفيات للجنود المصابين الجرحى. زيادة البطالة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والكساد الذى أصاب المجتمعات الغربية فى أوائل الثلاثينات من القرن العشرين مثّلا ظرفا سانحا لإحياء نزعة تحسين النسل. فقد بلغت أرقام عضوية جمعيات تحسين النسل فى بريطانيا مستويات قياسية إذ أخذ الناس يلقون فى سخافة وعن جهل مسؤولية تزايد البطالة والفقر على الانحطاط العرقى نفسه الذى تنبّأ به أنصار تحسين النسل. فى فرنسا ارتبطت اليوجنية باسم Francis Carrel هذا العالم الذى قال عنه Jean Rostand المحسوب على التيار الإنسانى بأنه "من أعظم العلماء الذين أنجبتهم فرنسا" والذى قال عنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران أنّه "كان من بين أكثر العقول نفاذا ووضوح رؤية"
فى الاتحاد السوفياتي، وإن لم تعرف اليوجنية نفس المصير الذى عرفته فى البلدان الغربية إلا أنها اتخذت أشكالا أخرى من خلال التمييز العرقى والقومى أو تحت غطاء مقاومة المعارضين للثورة. فمنذ الثلاثينات دعا الكاتب والروائى Maxime Gorki إلى القيام بتجارب يوجنية على "الأعداء الطبقيين" للنظام البلشفى وهو يعتبرهم "أفرادا منحطين ومتخلفين أخلاقيا وجسميا"
ويرى Bougdanov أنه لابد من حقن السكان بدم شبابى "متأتّى من الجيل الشاب" وذلك للحفاظ على حيوية المجتمع وتهيئة أحسن الظروف لمزاحمة المجتمعات الرأسمالية وضمان حياة أطول للشعب السوفياتي. كان لديه ولدى غالبية القادة السوفيات هوس الحفاظ على الجيل الأوّل من القادة البلاشفة ومن هنا جاءت فكرة Bougdanov حول تحنيط جثّة لينين فى انتظار ثورة علمية قد تُمكّنه من أن يُبعث من جديد وكذلك الحال بالنسبة لكبار القادة.
من اليوجنية الصريحةإلى اليوجنية المعاصرة
لاقت هذه النظريات العنصرية معارضة ومقاومة جعلتها تتراجع إثر الحرب العالمية الثانية. فقد ساهمت انتصارات الشعوب المحسوبة على التخلّف والضعف الجينى فى هذا التراجع. تخلّت معظم البلدان الغربية عن القوانين التى تدعو إلى التمييز العرقى وفقد العديد من العلماء والباحثين المحسوبين على اليوجنية مكانتهم واعتبارهم "وقع تغيير كل أسماء الأنهج التى تحمل اسم Francis Carrel بفرنسا". البحوث الأنتربولوجية بدأت هى الأخرى تتخلّى عن الشوائب السوسيوبيولوجية التى كانت تحفّ بها. لكن هذا لا يعنى البتة أنّ دعاة اليوجنية قد ألقوا السلاح أو أنّهم قد تخلّوا عن أوهامهم. فلقد عرفت البيولوجيا الحيوية وعلم الوراثة تحوّلات كبيرة تميّزت بتراكم القدرات التقنية الخاصّة بالتحوّل الجينى للكائنات الحيّة من نبات وحيوان وصولا إلى الإنسان إلى درجة أنّ القرن أصبح يوصف بأنّه قرن البيولوجيا "أوّل من أعلن أننا دخلنا عصر البيولوجيا هم السوفيات وبالذات Frolov ".
تعميم التحوير الجينى على الكائنات الحية وظهور الكائنات المحوّرة جينيا أعاد للأذهان مخاطر اليوجنية. والجديد فى اليوجنية المعاصرة أنها تعتمد خطابا "عقلانيا" يستند إلى القدرات التكنولوجية الجديدة. لقد تحوّل العلم أو التكنو-علوم إلى شبه كنيسة كهنتها علماء البيولوجيا وخبراء البيوتكنولوجيا. لم يعد يتجرّأ غالبية هؤلاء على إبراز نواياهم ومخططاتهم فأصبحوا يحتمون بضروريات التقدّم العلمى لتشريع ممارساتهم.
فتحسين النسل أصبح يستند إلى ضرورات علميّة خالصة بما أنّ العلم محايد ولا يعترف بالمعتقدات والإيديولوجيات وهذا حسب رأيهم. والتكلّس الفكرى وتخلّف المواطن عن ساحة الفعل واستفراد المؤسسات العالمية الاحتكارية بقضايا تخصّ الشأن العام وغياب أفق جديدة فذّة تقطع مع التحنّط الإيديولوجى ترك المجال شاغرا لهؤلاء الكهنة الجدد الذين تقدّموا أشواطا فى تحقيق مشاريعهم الجنونية.
مشروع تحسين النسل فى شكله المعاصر يرتكز على وَهْم مفاده أنه يمكن مقاربة "الجين" بالمفاهيم التى نقارب بها العالم الماكروسكوبى والمشاهد بالعين المجرّدة، فنستعمل تعابير مثل "الشفرات الجينية" و"البرنامج الوراثي" "والذى ليس فى الحقيقة سوى البرنامج المصاغ فى أذهاننا فنسقطه على المكوّنات الوراثيّة" و"الجين الأناني" والجين الميّت" و"الجين غير الصالح"،. .. بل إنّ بعض الصور مشتقّة من علم الألسنية واللغة "الدال هو الجين والمدلول هى الظواهر" وحتى وإن صدقت هذه الاستعارة فلا يمكن حصر اللغات فى معاجمها.
تتحوّل البيولوجيا إلى "شرطة ثقافية" على حسب تعبير Pierre Thuiller . خطورة مشروع التحويل الجينى تكمن فى التفاعل الإيجابى لأعداد متعاظمة من الناس معه. أصبح من العادى والطبيعى أن تمتلك شركات وأفراد جينات بما فى ذلك جينات البشر وتسجّلها براءات "Brevets". علم الوراثة وتقنيات الحمل الاصطناعى الموجّه Procréation assisté قفزت بسرعة مذهلة. فالآباء والأمّهات يريدون اختيار مولودهم ويبتغون أحسن الخاصيات والقدرات. العديد من الأزواج أصابتهم حمّى "الطفل الكامل" ذى الخاصيات العالية والمميّزة. التلقيح الاصطناعى Fiv وأطفال الأنبوب كلّها تقنيات "تسمح" بذلك رغم أنّ نسبة "النجاح" لا تزال ضئيلة جدّا. فبالإمكان تثليج البويضات لزرعها فى وقت لاحق فى أرحام متى أرادت "الأمهات" ذلك. Francis Collins مسؤول فى برنامج الجينوم البشرى يعترف أن الحصول على المُبْتَغى أمر عسير وشبه مستحيل ويعترف بأنّ الخاصيات الذهنية والفكرية والمشاعر والأحاسيس تخضع لسلسلة تفاعلات معقدة جدا وللمحيط الاجتماعى والعائلى ولعديد العوامل الأخرى وهو بذلك يقرّ بأنّ الجينات لا تحدد الخاصيات.
علم الوراثة الحديث يمكننا من الفرز بين الذكور والإناث ويسمح باختيار جنس المولود ما دمنا نسمح بذلك فما المانع من قبوله بالنسبة للخاصيات الأخرى "الطول - البنية - لون العينين ...". فى بعض البلدان الصناعية وبلدان العالم الثالث لا تخضع مراكز التلقيح الاصطناعى للتشريعات وتفلت من كل مراقبة. فى هذه المراكز تتراكم البويضات الملقحة وتخزن ويسمح ببيعها وكل بويضة ملقّحة تحمل هويّة أصحابها وخصائصهم ومعلومات عنهم دقيقة جدّا. علم الوراثة تقدّم أشواطا فى هذا الاتجاه من خلال ما يسمّى بالجراحة الوراثية أو الجينية لخلايا الجنين.
لقد قامت الباحثة الأمريكيّة Louis Harris باستطلاع للرأى أثبت أن 40 % من الأزواج مستعدون للاستعانة بهندسة الجينات لـ"تحسين" الخصائص الجسمية والذهنية لذريتهم. لكن هذه العمليات نتائجها مخيّبة للآمال. الحلّ يكمن إذن فى استنساخ البويضات لتكوين مخزون منها للاستجابة للمطالب المتزايدة من أعضاء الجسم "اليد - الساق - القلب -الكلية - الكبد ...". يرى العديد من الباحثين والعلماء أنّه بالإمكان خلق نسخ لأجنّة دون رأس وهو ما وقع فعلا حيث وقع خلق فأر دون رأس. من المعلوم أن مخّ الإنسان يحتوى على مليارات من الخلايا العصبية وأن إحداث تغييرات على مكوّناته الوراثيّة مسألة تحفّ بها مخاطر جمّة. لكن Leroy Hood المسؤول عن برنامج الجينوم البشرى لا يوافق هذا الرأى ويرى أنه بعد قرن على أكثر تقدير سنتمكّن من فهم كنه وخاصيات عديد الجينات المتعلقة بالجهاز العصبى وسنتمكن بعدها من خلق "أطفال نوابغ" و Leroy Hood متحصّل على "كرسيّ" أَسَّسه له خصّيصا Bill Gates صاحب مؤسسة ميكروسوفت Microsoft.
هل سيصبح الإنسان محوّرا جينيّا؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ العملية قد بدأت منذ سنين. فنحن نتغذّى بنسب متفاوتة من نبات ولحوم محوّرة جينيّا ولا يقدر أيّ كان أن ينفى إمكانيات اندماج قطع من جينات هذه المواد المستهلكة فى رصيدنا الوراثي. لكن إذا نظرنا للمسألة من زاوية أخرى أى إخضاع الإنسان لتجارب التحوير الجينى أسوة بالنبات والحيوان، هل ستقبل البشرية بأن تعرّض رصيدها الجينى للتلاعب من طرف "خبراء" لا يعرفون عن الوراثة سوى القليل؟ هل سيقبل الإنسان أن يتحوّل إلى فأر مختبر؟ علماء البيولوجيا لا يرون مانعا فى ذلك ما دمنا نشترك مع الفئران والكلاب والحمير فى نسب متفاوتة من الجينات. فنحن قُدِدْنا من نفس القليب وقد آن الأوان للإنسان أن يتخلّى عن ترفّعه ويعترف بالحقيقة. نحن أبناء عمومة الكلاب والفئران والقردة ولا مانع أن نحمل جيناتهم المفيدة التى تنقصنا فلعلّنا نقفز أو نطير أو لعلّنا نكتسب الحواس التى تمتاز بها هذه الحيوانات. ممّا لا شكّ فيه أنّ تطبيق مثل هذه المشاريع الجنونية يستوجب وجود سلطة مستبدة على النطاق العالمى تحكم باسم العلم وتفرض سلطانها على كل البشرية وتشرّع لقوانين تبيح المحظور وتتجاوز خطوطا لطالما اعتبرناها حمراء. إنها العولمة فى صميمها. لكننى أستبعد أن يقع تطويع البشرية لمثل هذه التجارب بالرغم من حالة الركود التى عرفناها طيلة العقود الثلاثة الماضية.
لماذا التحوير الجيني؟ وما هى الخلفيات التى تقف وراء هذا المشروع المهول: مشروع تحوير الإنسان؟ كلّ ذلك يتعلّق بمخاييل أنشأها الإنسان وجعلها متعالية ودعا أنها قوانين التاريخ وقدّسها. إنسان مجتمع الاستهلاك يرفض حقيقة الموت. وهو يحلم بالقدرات اللامتناهية وبالهيمنة على الكون والطبيعة وإخضاعها بما فيها طبيعته. هناك أسلوبان لمواجهة حقيقة الموت والفناء: - إمّا نفى هذه الحقيقة والتنكّر لها بشتّى الأساليب والحيل ومنها شغف الإنسان المعاصر بالقوّة وبالبحث عبثا عن الإنسان الكامل المعقّم من الأمراض والخالى من العيوب والقادر على إخضاع الكون وذوى القدرات اللاّمتناهية.
اليوجنية هى محاولة يائسة لنفى مثل هذه الحقيقة. هى نفى الإنسان لذاته
هى نقيض الحرية. فهى تخلق أناسا متطابقين ونسخا لبعضهم البعض وتريد إخضاعهم لنمطية واحدة. هى نفى الخيال الخلاّق الذى بفضله نتجاوز عقدة الموت ونؤسس للحاضر والمستقبل. هى تسعى كغيرها من أنواع الإيديولوجيا
المحنطة وأصناف الفكر الموروث إلى الثبات والتثبيت والوحدة والتوحيد
والدمج والإدماج. إذن هى مشروع شمولى كليانى وإن تُلحّف بلحاف العلم
هى إلغاء للعلم الحقيقى لصالح عالم وهمى تعدنا به البيوتكنولوجيا
عالم يكون فيه الإنسان إله الكون. "خلف هذا الوهم، وهم القوّة المطلقة
يختفى الهروب من الموت ورفضها. فقد أكون إنسانا ضعيفا، محدودا
ومعرّضا للفناء لكنّ القوّة موجودة. هناك موقع محدّد للقوّة، إمّا فى
المستشفيات أو فى المفاعلات النووية أو فى مخابر البيوتكنولوجيا".
فهذا الاستنساخ يعدنا بالحياة الدائمة والمستمرّة ولقد داعبت
هذه الفكرة العديد من الجبابرة والمستبدّين الذين يخافون الموت
وهم الذين زرعوه ونشروه حولهم.
منقول للاستيضاح