إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية
في الوقت الذي لم يغفل فيه اليهود لحظة عن فلسطين، والقدس، و... غفل عنهما علمانيي وطني الذين تصدروا للتأريخ للحركة الصهيونية والكتابة عنها كلٌ حسب الفكر العلماني الذي يحمله، وهم يؤصلون لنا لأبعاد الصراع ويترجمون لنا أقوالهم ومؤلفاتهم وخططهم، ويحللون لنا سياساتهم وأفعالهم! لم يدركوا أن محور الدين اليهودي كله يتمركز ويتمحور حول فلسطين كـ(أرض قومية لديانة قومية)، وحول القدس والمسجد الأقصى رمزاً ومقراً لمسيحهم الدجال آخر الزمان وإعلاناً لـ(لسيادة اليهودية العالمية)، وأن كل الجهود السابقة على الحركة الصهيونية الحديثة طوال القرون الماضية كانت تركز على استمرار العلاقة بين اليهودي و(الشعب اليهودي) بفلسطين وحلم العودة لها، وإنهاء حالة الشتات المزعوم التي يعيشها اليهود، وفي الوقت نفسه يعملون هدمهم واختراقهم لمجتمعات (الجوييم) ليهيئوا اللحظة التي يسخرونهم فيها عبيداً لمشروعهم اليهودي، ولا يعني ذلك أن الغرب ليس له مشروعه أيضاً ضد أمتنا ووظننا! ولم يدرك علمانيي وطني أن الديانة اليهودية ديانة وثنية وأحد الأديان البشرية الوضعية، وأنها تعطي مساحات واسعة ليعتنق اليهودي أي أيديولوجيا فكرية ويسخرها لخدمة غايات (الشعب اليهودي) التوراتية. ولم يدركوا أن العلاقة في الديانة اليهودية الوضعية ليست بين الله واليهودي كفرد، أي علاقة فردية كما في الديانات الأخرى، ولكنها علاقة بين الله و(شعبه المختار) الشعب اليهودي! لذلك لم جهلوا كيف يمكن أين يكون الدين اليهودي جنسية لأي يهودي في العالم وليس مجرد دين مثل بقية الأديان لأتباعها! وللآن لم يستوعبوا ويفهموا أن الدين اليهودي ليس مجرد عقيدة دينية فقط، وأن اليهودي في أي بلد مواطن مثله مثل بقية المواطنين فيه، يحمل جنسيته العرقية وولائه له! ولكنه اليهودية لليهودي جنسية، وأن اليهودي في أي مكان في العالم ليس يهودي ديناً وابن البلد الذي يعيش فيه عرقاً ودماً وجنسية، ولكنه يهودي ديناً وعرقاً ودماً وجنسية أولاً وآخراً! ذلك الخلل بدأ منذ حوالي قرنين من الزمن منذ انبهار أولئك الطلبة الذين أُرسلوا للدراسة في الغرب بمظاهر الحضارة الغربية وتقدمه الصناعي وهزموا نفسياً، ووقعوا في الخلط الخاطئ بين تجربة الغرب مع الكنيسة وبين الإسلام دون أن يلاحظوا الاختلاف بينهما، وأن لكل دين خصوصيته ولكل مجتمع تاريخه، وأن الإسلام لم يُقِم دولة دينية بالمفهوم الغربي، وأنه من الخطأ اسقاط تجربة العلماء في الغرب وأزمتهم مع ما يسمونه (الكتاب المقدس) ومع الحكم الديني (الكنيسة) على ديننا وتاريخنا وواقعنا الاجتماعي! وقد عمق ذلك الخلل الأنظمة العلمانية التي حكمت وطننا منذ محمد عليّ إلى اليوم، بما سببته من تخلف ونكبات للأمة بسبب محاولاتهم المستميتة نقل وتطبيق التجربة الغربية وإسقاط كل أزماتها الدينية والفكرية علينا؛ ومازالوا! لذلك فإن أزمة الثقافة وغياب الحريات العامة والخاصة لدينا راجعة إلى المنهج الجبري الديكتاتوري المستبد الذي بدأ بمشروع محمد علي لإقامة الدولة القومية الحديثة برعاية غربية وانتهي بهيمنة الإرهاب الفكري وغياب المثقف الحر، ومصادرة الحريات وحق التعبير عن الرأي أو القبول بالرأي الآخر! نعم لقد كان محمد علي يحمل عقلية دموية قبلية غاية في الرجعية والتخلف، ومشروعاً تآمرياً انفصالياً لا مشروعاً تجديديأً تحديثياً وحدوياً كما يزعمون، لقد كان مشروعاً ديكتاتورياً استبدادياً فردياً لإقامة دولة أو مملكة له ولأبنائه من بعده، بل إنه طمع في كرسي الخلافة لنفسه ومزق الأمة في حرب لنحو عقدين من الزمن فتحت باب التدخل الغربي في وطننا وسرّعت احتلاله لكثير من أجزائه! ونحن منذ عهد محمد علي باشا الذي يعتبره أنصار العلمانية والحداثة رائد النهضة والدولة العربية الحديثة في وطننا الذي يحكمنا هم حملة الأفكار العلمانية ودعاة التبعية للغرب وليس الخلفاء ولا العلماء المسلمين! كما أن الدول القطرية التي أنشأها الغرب (أنظمة التجزئة، سايكس - بيكو) سارت على نفس نهج أستاذها ورائدها محمد علي في الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها. فلقد وصل محمد علي باشا إلى السلطة وكرسي الحكم على نهر من الدماء (مذبحة القلعة)! لقد استفرد محمد علي باشا في الحكم من خلال الغدر والخديعة والتخلص من كل حلفائه وأنصاره الذين أتوا به إلى كرسي الحكم وعلى رأسهم محمد كريم! لقد ثَبَّت محمد علي حكمه وحكم أحفاده من خلال تحويل مصر أرضاً وشعباً إلى عبيد لخدمته وخدمة حكمه! لقد استمر حكمه وحكم أبنائه وأحفاده لأنه أسس جيش عصري وحديث بعقلية غربية تمدناً ونفسية ذليلة ومستعبدة للحفاظ على حكمه وليس على أمن ومصلحة مصر! لأنه سخّر كل ثروات مصر الزراعية والصناعية واقتصادها لخدمة ذلك الجيش الذي يحميه ويحمي أسرته! أليست الأنظمة التي نعاني من استبدادها وظلمها تسير على نفس النهج؟! وأن محاولات توريث البعض الرئاسة لأحد أبنائه من بعده كانت إحدى أهم الأسباب التي أدت لما حدث؟! أولئك المفكرين والمثقفين المزعومين، العبيد للحاكم المستبد، ولثقافتهم وعقليتهم الغربية، نقلوا لنا الرؤية اليهودية الغربية التي أرادوا توصيلها لنا عن أبعاد الصراع معهما، وعلى الرغم من فشلها السافر وما جلبته لنا من تخلف وهزائم ونكبات وأزمات في كل المجالات وأعادت المحتل الغربي لوطننا، وهيأت أنظمة سايكس – بيكو لمزيد من التشطير والتمزيق، التغريب وإقامة كيانات فسيسفائية ديكتاتورية عنصرية على نهج محمد علي تابعة للغرب، مازال تلامذتهم يحاولون تثبيت نفس المنهجية بإعادة إنتاج واجترار نفس الكتابات عن الصراع،لنسخ لصق، وإعادة إنتاج ما سبق كتابته. إنهم مازالوا يأبوا إدراك معنى تحذير الله تعالى لآدم من الشيطان وعداوته له ولذريته وأمره له ولذريته أن يتخذوه عدواً، قال تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه:117). وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} (فاطر:6). وبتحذير الله تعالى للمؤمنين من الشيطان وعداوته لهم وربطه بتحذيرهم من عداوة اليهود لهم، واعتبارهم الأشد عداوة في قوله تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ} (المائدة:82)، لو أدركوا ذلك وفهموه لأدركوا أن اليهود هم أعوان الشيطان في عداوته لبني آدم وخاصة من يمثلون قيم الخير منهم وهم المسلمون. ولو أنهم وعووا معنى قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة:64)، لَمَا قالوا أن الصهيونية نشأت في الفكر النصراني الغربي، أو أنها عميلة أو أداة أو صنيعة في يد الغرب وما إلى ذلك، ولأدركوا أن اليهود هم الذين يشعلون الحروب في كل مكان، وهم الذين يحركون الغرب - وليس هو الذي يحركهم - ويستغلون جهله وتخلفه وإيمانه الغبي بحرفية نصوص ما يسمونه العهد القديم (التوراة)، في الوقت الذي فيه إله التوراة (يهوه) ليس إله النصارى ولا إله أي شعب من شعوب العالم غير اليهود، ويعتبر الشعوب كلها من غير اليهود ليسوا بشراً ولا من بني الإنسان، وأن أرواحهم شيطانية شريرة وحيوانية، ويسمونهم (الجوييم) أي قردة وسعدين خلقوا على شكل الإنسان ليليقوا بخدمة سيد الكون اليهودي حتى لا تنزع نفسه من أِشكالهم لو بقوا على هيئتهم الحيوانية! أَضف إلى ذلك أنهم لو كلفوا خاطرهم وبذلوا جهداً بحثياً مستقلاً وعميق لتقديم الأدلة التاريخية والدينية والفكرية بمنهجية قرآنية لأدركوا أن القراءة بمنهجية علمانية غربية هي قراءة انتقائية وأنها نصف الحقيقة، فهم يذكرون المعلومة أو الحدث الخاص بالغرب الصليبي الذي ظاهره استغلاله لليهود من أجل تحقيق أهدافه ويخفون المعلومة التي تكمل حقيقية المشهد، وتكشف زيف قراءاتهم، وتثبت أن اليهود هم الذين بادروا سراً أو علناً إلى دفع الغرب لتبني هذا الموقف أو ذاك تجاههم أو تجاه غيرهم. لو وعوا رؤية القرآن للصراع لفهموا أن الحركة الصهيونية هي حركة دينية يهودية بغض النظر عن ظاهرها العلماني وتحالفها مع الغرب. ولو فهموا اليهودية المحرفة وعقائدها لما فرقوا بين يهودي علماني ومتدين وأدركوا أن اليهودية بعد تحريفها تحولت الى دين علماني بشري وثني من أحط الوثنيات البشرية. والأمر نفسه ينطبق على النصارى الذين أخبرنا الله أنهم هم واليهود لم يتوقفوا عن قتالنا كمسلمين حتى يردونا عن ديننا. كما أنهم لو فهموا اليهودية المحرفة لأدركوا أنها ليست دين بالمعنى الحقيقي لكلمة دين. وأنهم لو أفرغوها من مضامينها وعقائدها الرئيسية التي تقوم عليها وهي عقيدة الاله الخاص لهم من دون البشر واختياره لهم شعبه المختار واختيار فلسطين أرضاً موعودة لهم لإقامة دولتهم آخر الزمان فيها وإعادة بناء الهيكل ووضع العرش كرمز لسيادتهم العالمية على كل البشر وغيرها من عقائد الصهيونية الفاسدة فانه لم يعد هناك شيء اسمه ديانة يهودية. ولو لم يكن هناك يهود يؤمنون بتلك العقائد والعودة بالقوة وعدم انتظار مبعث مسيحهم ليعيدهم الى فلسطين سلمياً لما نجحت الحركة الصهيونية في اقامة كيانها في فلسطيننا. "إن الذي جعل اليهود يهوداً هي ثقافة عقائدية معينة، وتجربة تاريخية صاغت قيمهم وأثرت بقوة في طريقة نظرهم للعالم".مصطفى إنشاصي