أشكر جميع الأخوة الكرام على تصويبهم، إلا أن مراجعتي للموضوع أشارت إلى أن الحديث ضعيف وإن كان بعض المصححين قد وضعه. وكون تصحيح أو تضعيف الحديث موضع خلاف في رأي أهل لاختصاص يبقي الأمر في موضع الجدل .. إلا أن معناه - كما أشار الأخوة الكرام- يرتقي إلى مستوى معقـول اسـتنادا إلى الأحاديث الأخرى التي تحـوم حول معناه إلى حد كبير.
ورغــم أنــه لايحـق لأحـد إقرار حديث اتفق أهل الاختصاص على تضعيفه أو وضعه، إلا أنني أستطيع القول بأن آيـات القرآن الكريـم وماحدثتنــا عنه الأحـاديث الأخـرى لرسول الله عليه الصلاة والسلام تقترب بوضوح من هذا المعنى.
فالمتتبع للحديث يرى أن "الخيــر" كمصطلح يحمـل معاني لاحصـر لهـا، ولاشك بأن أولى أولويـات الخيـر مايتعلـق منه بجـانب التوحيـد. وأن من يقــر بأن لاإلـه إلا اللـه هـم أول من يحمـل راية الخيـر على كثـرة ماينـدرج تحتهـا من معـان. وليس أدل على ذلك من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي اشار فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أمر الرحمن تبارك وتعالى بإخراج من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .. من النار. وهذا هو شأن أمة محمـد عليه الصلاة والسلام .. مع التنويـه إلى أن المنافقيـن الذين يحملـون اسـم الاسـلام هم بالفعل ليسوا من أمـة محمـد، وبالتالي لاتنطبـق عليهـم مسألة المثقـال المذكـورة.
إن إشارتي السابقة هي اجتهاد مبتعـد كل البعـد عن جانب التحقيق في صحة الحديث ومايتعلــق بهذا العلم الدقيق والغزيـر. إلا أنه لابد لنا أن نتذكر بأن المسلم هو موحـد وأن في ذلك الخيـر الكثيـر له. أما مسألة عتقه أو عدم عتقه من النار فهي أمور تتعلق بعلم عـلام الغيوب دون أن يدفعنــا ذلك إلى أن لفظ الشـهادتين هو أمـر كاف لدخـول الجنـة.
إن لفظ الشـهادتين ليس هو المطلـوب فقط من لـدن من يعلم خائنـة الأعيـن وماتخفي الصـدور على وجوب حصوله للدخول في الدين، إلا أن الله يريـد اللفظ مقرونـا باليقيـن. ولاشـك بأن يقيـن الإنسـان بوجود الإلـه أولا، والإيمـــان بأنـه واحـد (جل شأنه) هو أول القواعـد التي تستقيم على أساسها حياة الإنسان. فلو لم يعرف الإنسان بقرارة نفسـه أن هنالك خـالق قادر مطلـع عليم بصيـر قـوي له الأمـر كله في الأولى والآخـرة لانفلتت نفسـه من ضوابطهـا ولطغت وبغت في الأرض بغيـر الحق. وبنفس الوقت .. فإن الاعتراف بالإلـه دون الاعتراف بوحدانيتـه يوقع الإنسـان في إشـكالات أكبـر وأعمـق لأن مسألة الولاء للإلـه لاتحتمـل التعـدد .. ولو احتملت التعـدد لكان هنـالك تباينـا وفروقـا في أولويـة الولاء لإلـه دون آخـر.
فسبحان من جعل كل ماأتى من لدنـه لصالح الإنسان هو الخيـر ... ابتـداء من الشهادتين ومـرورا بأدق أركان الإسـلام أو الإيمـان أو صنوف الإحسـان وانتهـاء بكل ماصـح من قول المصطفى عليه الصلاة والسلام. وليثق كل منـا بأن لفظنـا وتيقننــا من كلمـة التوحيـد هو لصالحنـا بالكـامل، وأن شــهادة الخلـق جميعـا بوجـود اللـه ووحدانيتـه أو عدم شـهادتهم لايغيـران من الحقيقـة الكبـرى شـيئا .. وهي أن اللــه موجـود واحـد صمـد، وأن مصلحة الناس ... كل الناس .. (في الدنيــا والآخـرة) تكمـن في تيقنهـم من وجـود ووحدانيــة الخـالق.
تحياتي لكـــم
هشـأم الخــاني