أيها الآباء مستقبل أبنائكم وكرامتهم في استعادة الوطن من سارقيه، وليس في استجداء ذلك من سارقيه..
إذا سالت الأب لمن تدَّخر؟!
سيقول لك لأجل أبنائي..
وإن سألته لمن تعمل وتشقى وتتعب؟َ
سيقول لك لأجل مستقبل أبنائي..
وإن سألته ما أكثر ما يقلقك في حياتك كلها؟َ
سيقول لك إنه مصير وتعليم وصحة أبنائي..
وإن سألته لماذا تنفق على تعليمهم وصحتهم دون تردد أو بخل؟!
سيقول لك لأجل سلامتهم وأمنهم ورفاهيتهم وكرامة مستقبلهم..
وكلما سألته سؤالا عن شيء، ستجد في إجابته شيئا ما له علاقة بمستقبل أبنائه، وبمصير أبنائه، وبسلامة أبنائه، وبكرامة أبنائه..
ترى، ألا يحق لنا أن نتساءل..
هل هناك شيء أكثر قدرة على تأمين كل ذلك لأبنائنا، من "الوطن" الحر المستقل السليم الأبي؟!
وإذن فلماذا يقدم كلُّ أبٍ الغالي والنفيس، ويشقى ويتعب، ويحرم نفسه ويدخر، من أجل مستقبل وكرامة أبنائه؟!
لكنه لا يفعل ذلك من أجل ضمان "وطنٍ" لأبنائه، فيقف سلبيا تجاه ضياعه وتدميره، وهو يعلم أن هذا الضياع وذاك التدمير هو ما سيفقدَ كلَّ تعبِه لأجل أبنائه قيمَتَه؟!
أيها الأب الناكر لذاته لأجل مستقبل أبنائه..
خفف عن نفسك الجهد والتعب بأن تسهم في إنجاز وطن لأبنائك يقيهم شر ما تخاف عليهم منه في ظل بقائه مرهونا لطغمة من اللصوص ولعصابة من النهابين الفاسدين..
مستقبل أبنائك في "وطن آمن" هو لهم، وليس في استجداء الأمن في "وطن مسروق" لم يعد لهم..
لذلك فكل أبٍ هو مقصرٌ تجاه أبنائه، إذا لم يعمل على تحرير "الوطن" من العصابة التي تحكمه، مهما فعل لهم في ظل هذه العصابة..
الأمر فعلا مُحَيِّر..
يقدم الأب كلَّ شيء لأبنائه في غياب "الوطن" عن مستقبلهم وعن مصيرهم وعن كرامتهم، ولا يفعل أيَّ شيء لهم لأجل استعادة هذا "الوطن" لهم ليكون حاضنة لمصيرهم ولمستقبلهم ولكرامتهم..
مع أن الجهد والتعب والتضحية المطلوبة لاستعادة "الوطن" وضمان مستقبل حقيقي لهم، أقل بكلِّ المعايير مما هو مطلوب منه لضمان مستقبلهم ومصيرهم بلا "وطن"..
لو جمعنا كلَّ الجهود والتضحيات التي يقدمها الآباء لضمان مستقبل أبنائهم في "وطن مسروق ومرهون"، واستخدمناها لاستعادة ذلك "الوطن"، لكانت كفيلة باستعادة عشرين وطنا وليس وطنا واحدا فقط..