القرّاء ومتاعب النشر

[عدنان كنفاني]

أن يُرفض نشر كتاب على نفقة وبرعاية وزارة الثقافة أمر عادي ومبرر إذا كان المخطوط لا يخضع لشروط تلك المؤسسة، وبخاصة المستوى الفني،ولكن كيف يمكن أن تتحقق المصداقية الدالّة على ذلك.؟

يتقدم الكاتب بالمخطوط بطلب رسمي لنشره،ولا بد أن يخضع لرأي القرّاء المختارين من قبل وزارة الثقافة، تمضي شهور قبل أن تظهر النتيجة، وغالباً ما تأتي النتيجة بالاعتذار عن النشر، دون إبداء الأسباب.!
هل يعقل أن يتقزّم دور تلك المؤسسة على الاعتذار فقط دون تقديم أسباب الاعتذار!! وفي بيان أسباب الاعتذار مشروحةً ما أعتبره ركناً أساسياً للدور الأساسي لقيام وزارة الثقافة بعبء المسؤولية الثقافية أصلاً.
أمّا أن يصبح التعامل على هذا المستوى «السرّي» العجيب من طرف واحد، وهذه الاستهانة بجهود المبدعين، فهو سبب أيضاً في عزوف المبدعين عن الثقة بالمستوى الأدبي لدور وزارة الثقافة.
وكيف نفهم صدور بعض الكتب الهابطة عن تلك المؤسسة «ممهورة» بموافقة السادة القراء الكرام.؟!
ألا يشير ذلك إلى السبب الرئيس في تدني وهبوط المستوى العام للمشهد الثقافي، والأدبي الإبداعي بشكل خاص عندما تتسلل أسماء ومخطوطات ما أنزل الله بها من سلطان وتغرق السوق.؟
وهذا يقودنا إلى سؤال أكثر أهمية يتعلّق تحديداً بتلك الأسماء الكبيرة الطافية على سطح المشهد الثقافي، والتي نجدها في كل مكان «في الصحف والنشرات ووسائل الإعلام والمنابر والمهرجانات ووووو..» وهم في الأغلب من «القرّاء» أيضاً، أسماء لا تتبدّل ولا تتغيّر، ولو أقمنا فيصل المفاضلة لوجدنا أن بعض «ولا أقول الكلّ» من تلك الأسماء في الحقيقة ليست كبيرة، لكنها أصبحت كبيرة لأنها حُملت على روافع متعددة المشارب، وأعتقد أن كلنا يدرك بأن هناك في الظلّ شعراء وأدباء كباراً حقيقة «مغيّبون»، سواء عن قصد أو عن غير قصد، ولكن من سوء حظهم لم ترفعهم روافع، أو لا يعرفون كيف تؤكل الأكتاف، أو لم يصلوا إلى معرفة المفاتيح الخفيّة التي بقدرة قادر تستطيع فتح كل الأبواب المغلقة.
وكيف لهؤلاء القرّاء أن يصبحوا قدر تقويم إبداع المبدعين.؟ وما هي قدراتهم ومستوياتهم الأدبية والإبداعية.؟وهل يصح بالأصل أن يقوّم شاعر نتاج شاعر آخر.!! وأن يقوّم قاص وروائي أعمال قاصين وروائيين.!؟
وكيف نفهم الاعتذار عن نشر مخطوط ما،في الوقت الذي تتلقّف دور نشر محلية وعربية مهمة المخطوط ذاته وتنشره ويحقق نجاحات لافتة.؟
وكيف تتفّق الأمزجة.؟ مزاج القارئ فيما يتماشى مع ذائقته وتوجهه، وذائقة الكاتب فيما يكتب.؟ وقد قيل بالأمثال: «لولا تعدد الأذواق ما نفقت البضائع».!
أعرف شاعراً قارئاً «ينسف» أيّ ديوان شعر كلاسيكي «لأنه شاعر حداثي» يقع بين يديه ولو تقدّم به المتنبّي رحمه الله.!
وأعرف أكثر من قارئ للقصّة والرواية على الخلفية ذاتها، لا يقرأ أكثر من صفحات معدودة أول ووسط وآخر المخطوط، وعليه يبني رأيه، فكيف تستقيم الأمور والحال هذا الحال.؟
نتساءل أين النقّاد المحايدون المتخصّصون وسط كل هذا،وهم الأقدر على التقويم لأنهم يملكون الأدوات المعرفية، وما دورهم في عمليّة التقويم..؟
يفرض علينا الحال أن نسعى لسلوك آليّة جديدة عادلة تقيم ميزان الشفافية والمصداقية، وتعطي لكل ذي حق حقّه.. أدرك مدى صعوبة إيجاد مثل تلك الآلية، لكنني أثق أيضاً أن البحث الجادص، والحوار لا بد يصل بنا إلى إيجاد آلية عادلة وحيادية وواضحة وبنّاءة.
هي رسالة أتمنى أن يلتفت إليها المسؤولون عن قدر الثقافة، وقد نستطيع عندها أن نزيل الغبار عن سطح المشهد الثقافي.

[رهام فتوش]

شكراً لك , إنه عصر المحسوبيات , وعصر الوظائف والمعارف , لك التحية