تأصيل الكلام
في
معاني التعريب والترجمة
صنّفها: فيصل الملّوحي
أولاً: تقديم:
أكرمتنا سفيرة الديوان الألفيّ السيّدة ريمة الخاني ببحثها القيّم ( الخلط بين التعريب والترجمة ) فقالت:
في أثناء وجودي في أحد المكاتب شدني كتاب كُتب على غلافه ( تعريب ) فلان الفلانيّ .!
وللأسف أن هذا الخطأ الشائع منتشر كثيراً في الإعلام الذي لا يعلم أن هناك فرقاً شاسعاً بين التعريب والترجمة.فالتعريب: نقل اللفظ ومعناه من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية مع إحداث بعض التغيرات بما يتوافق مع النظامين الصوتي والصرفي وهو مقتصر على مستوي واحد فقط . وهو مستوي نقل اللفظ فقط.
أما الترجمة فهي نقل النص بكلّ مافيه، بالإضافة إلي أن الترجمة هي عمل يكون فيها الجانب الإبداعي حاضراً خصوصاً في النصوص الأدبية بخاصّة .. مثل رباعيات الخيام التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم رحمها الله وهي قصيدة فارسية لـ للشاعر الفارسي المعروف باسم عمر الخيّام ترجمها على ما اعتقد الشاعر المصري العبقري أحمد رامي
ثانياً:
أنقل هنا– للفائدة - كلاماً عامّاً يفسّر معانيَ المصطلحين، التي ليست كلّها وثيقة الصلة بموضوع البحث.
من لسان العرب:
قال الأزهري : الإعراب والتعريب معناهما واحد ، وهو الإبانة ؛ يقال : أعرب عنه لسانه وعرب أي أبان وأفصح .
تعريب الاسم الأعجمي : أن تتفوه به العرب على منهاجها ( الصحاح في اللغة )
والتعريب المنع والإنكار ، في قوله ألا تعربوا أي لا تمنعوا .
وكذلك قوله عن صلاح تعرب أي تمنع .
وقيل : الفحش والتقبيح ، من عرب الجرح مصعب أبو عمار
والتَّرْجُمانُ والتُّرْجُمانُ: المفسِّر، وقدتَرْجَمَهُ وتَرْجَمَ عنه، وهو من المثل الذي لم يذكره سيبويه. قال ابن جني: أَما تَرْجُمانُ فقد حكيت فيه تُرْجُمان، بضم أَوله،
تَرْجَمَ كلامَه إِذا فسره بلسان آخر؛ ومنه التَّرْجَمانُ،
الترجمان، بالضم والفتح: هو الذي يُتَرْجِم الكلام أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى، والجمع التَّراجِم، والتاء والنون زائدتان،
ولك أن تضم التاء لضمَّة الجيم فتقول تُرْجُمانٌ
العُرْبُ، بالضم، وبالتحريكِ: خِلاف العَجَمِ، مُؤَنَّثٌ، وهُمْ سُكَّانُ الأمصار، أو عامٌّ.
والأَعْرابُ منهم: سُكَّانُ الباديةِ، لا واحدَ له، ويُجْمَعُ: أعاريبَ.
عَرَبٌ عارِبَةٌ وعَرْباءُ وعَرِبَةٌ: صُرَحاءُ،
ومُتَعَرِّبَةٌ ومُسْتَعْرِبَةٌ: دُخَلاءُ.
وعَرَبيُّ، بَيِّنُ العُروبَةِ والعُروبِيَّةِ.
والتَّعْريبُ: تَهْذيبُ المَنْطِقِ من اللَّحْنِ،
من الصّحّاح في اللغة:
العرب: جيل من الناس، والنسبة إليهم عَرَبيّ بيِّن العروبة، وهم أهل الأمصار.
والأعراب منهم سُكّانُ البادية خاصَّة.
تعرَّب، أي تشبَّه بالعرب.
وتعرَّبَ بعد هِجْرَتِهِ، أي صار أعرابيّاً
وعَرُبَ لسانه بالضم عُروبَة، أي صار عربياً.
العَروبُ من النساء: المتحبِّبة إلى زوجها، والجمع عُرُبٌ.
من الموسوعة الحرّة
:
الترجمة (وتسمى بالعربية النقل) عملية لتحويل نص أصلي مكتوب (ويسمى النص المصدر) من اللغة المصدر إلى نص مكتوب (النص الهدف) في اللغة الهدف. فتعد الترجمة نقلاً للحضارة الثقافة والفكر واللغة.[1]
نقل المعنى (وليس نقل الكلمات نقلاً حرفياً وإلا لن نستطيع نقل الشعر أو الأمثال أو التشبيهات المجازية والاستعارية.
نقل الغلاف اللغوي الذي يغلف المعنى (بمعنى نقل الزمن سواء ماضي أو مضارع(المضارع ليس زمنا وإنما هو صيغة.. أما الأزمنة فهي الماضي والحاضر والمستقبل) إلى آخره, ومدلولات الزمن والنحو تضيف للمعنى وتعززه وبالتالي كلما تعمق المترجم في فهم الجملة كلما وجد أدلة ومفاتيح تثبت وتؤكد صحة ترجمته أو تقوده للأصح.
نقل الأسلوب (نقل أسلوب الكاتب أو المتحدث وتشبيهاته والصور الجمالية المستخدمة ونقلها من خلال حضارة اللغة الهدف أن تصبح مستساغة مفهومة.
إن القيام بعمل الترجمة مع مراعاة النقاط السابقة بالترتيب المذكور يجعل الترجمة في أدق ما يمكن. ولكن هناك سؤال هام يفرض نفسه هل الترجمة علم أم فن؟
الترجمة علم وفن:
تُبنى على:
1 - تعلم معاني الكلمات والمصطلحات والعبارات.
2 - تعلم قواعد كلا اللغتان النحوية(كلا اللغتين) والاستفادة من مميزات كل لغة لتظهر ترجمة جيدة يظن قارئها أنّها الأصل وليست مترجمة.
3 - تعلم الصور والتشبيهات البلاغية ومعرفة مقابلها في اللغة الهدف.
4 - تعمّق حضارة كلا اللغتين وثقافيهما لأن هذا يعدّ النكهة التي تجعل للكلمات مذاقا أصيلا.
5 - التفنن في النقل وإظهار مواطن الجمال في كلا اللغتين.
6 - الإبداع في إيجاد الكلمات الملائمة التي تعبر عن قصد الكاتب أو المتحدث الحقيقي.
وبهذا تكون الترجمة علما، ومع الخبرة والممارسة تصبح فنا وإبداعا وعملا يجعل القائم عليه يستمتع به.
أنواع الترجمة:
ترجمة مكتوبة: ترجمة نص مكتوب إلى نص مكتوب بلغة أخرى.
ترجمة تتبعية: ترجمة لكلام متحدث تبدأ حين يصمت فيبدأ المترجم بإعادة ما قاله المتحدث باللغة المترجم لها، وعادة يستخدم هذا النوع من الترجمة في المقابلات بين رؤساء الدول وكبار المسؤولين.
ترجمة فورية: ترجمة ما يقول شخص أثناء حديثه ويضع المترجم سماعة يستمع من خلالها للمتحدث وفي الوقت نفسه يترجم إلى اللغة الأخرى، ويعد هذا النوع أصعب أنواع الترجمة على الإطلاق فلا لتصحيح الأخطاء أوالتفكير ولابد من أن يكون المترجم متقنا لكلتا اللغتين، ويستخدم هذا النوع من الترجمة في البرامج التلفزيونية المباشرة التي يستضاف فيها أجانب كما نشاهد عادة.
ترجمة الأفلام:هذا نوع مختلف من الترجمة يعتمدعلى ترجمة اللهجة العامية أو اللغة الدارجة للمتحدثين وهنا تكمن صعوبة إيجاد المقابل الثقافي لكل كلمة في اللغة المترجم إليها، فاختلاف الثقافات والحضارات هو الذي يحكم وجود كلمات بعينها في لغة محددة.. وقد يعتمد المترجم مهاراته السمعية في الترجمة أحياناً حين لا يتوفر النص المكتوب للفيلم أحياناً... وقد يتوفر النص ولكن عدم مشاهدة الأحداث تشكل صعوبة في الترجمة فلا يستطيع المترجم التمييز بين المذكر والمؤنث في الأفلام الناطقة باللغة الإنجليزية وذلك لطبيعة اللغة الحيادية... وفي أفضل الحالات يتوفر للمترجم النص المكتوب وشريط الفيلم وقد تكون هذه حالة مثالية نادراً ما تحدث.
معان أخرى للترجمة :
الترجمة ضمن اللغة الواحدة: وتعني هذه الترجمة أساسا إعادة صياغة مفردات رسالة ما في إطار اللغة نفسها. ووفقا لهذا العمل، يمكن ترجمة الإشارات اللفظية بوساطة إشارات أخرى في اللغة نفسها، وهو عمل يوجّه نحو وضع نظرية وافية للمعنى، مثل عمليات تفسير القرآن الكريم.
الترجمة من لغة إلى أخرى : وتعني هذه الترجمة ترجمة الإشارات اللفظية لإحدى اللغات عن طريق الإشارات اللفظية للغة أخرى. وما يهم في هذا النوع من الترجمة ليس مجرد موازنة الكلمات بعضها ببعض وحسب، بل تكافؤ رموزكلتا اللغتين وترتيبها. أي يجب معرفة معنى التعبير بأكمله.
الترجمة من علامة إلى أخرى : وتعني هذه الترجمة نقل رسالة من نوع معين من النظم الرمزية إلى نوع آخر دون أن تصاحبها إشارات لفظية، كي يفهمها الجميع. ففي البحرية الأمريكية على سبيل المثال، يمكن تحويل رسالة لفظية إلى رسالة تُبلّغ بالأعلام، عن طريق رفع الأعلام المناسبة.
مشكلات الترجمة:
يجمع دارسو الترجمة وممارسوها على أن من أعظم مشكلات الترجمة عجز المترجم - أياً كان - في توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي يريد نقله إلى لغة أخرى، وترجع هذه المشكلة إلى عدة عوامل، أبرزها:
أن كل لغة تحمل في طياتها عدداً من المرادفات التي تختلف بعض معانيها عنبعض اختلافاً طفيفاً، ويقول كثيرون: لو لم يختلف المرادف (أ) عن المرادف (ب) لما وجد الاختلاف في شكل الكلمة ولا هيئتها.
أن كل لغة تنتمي حتماً إلى ثقافة معينة، أي أن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى ولكنه لا يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة نقلاً فعالا، بل ينقل تصور صاحب الكلمة الأصل إلى اللغة المستهدفة في الترجمة.وقد تؤدي تلك الاختلافات اللغوية (أو حتي اللهجية) على مستوى المفرد إلى مشكلات كبيرة، كما حدث للمترجم في يوم ذي قار حين ترجم كلمة (مها) العربية إلى "كوان" (بقر) الفارسية.
أن كل لغة ذات طابع خاص في تركيب الجملة وترتيب مفرداتها (أي، القواعد) فمثلاً، اللغة العربية تحمل في طياتها الجملتين الاسمية والفعلية ( مع إيثار الفعلية إلا في مواضع يقتضي فيها المعنى فعلاً ثابتاً فتستعمل الاسميّة )، أمّا في اللغة الإنجليزية على سبيل المثال فليس فيها إلا الجملة الاسمية في ، فكل الجمل الإنجليزية هي جمل فعلية، وبالتالي فإن اختلاف تراكيب القواعد للغات يجعل من مشكلات الترجمة عدم وجود مقاييس واضحة لنقل التراكيب، هذا بعد النقل الناجح للكلمة واختيار المرادف الملائم ذي المعنى القريب للكلمة، التي يجب أيضاً أن تتحلى بثقافة اللغة الهدف ليصل المعنى صحيحاً دقيقاً سليماً من الثقافة المصدر لعملية الترجمة.
ملحوظة:
من معلوماتي عن الفرنسيّة أن فيها استعمالاً نادراً للجمل الاسميّة، رغم أن هذين الاسمين – فعلية أو اسمية – مصطلحات، وقد يستغرب العربيّ - طبعاً لا يستغربه الغربيّ- تسمية جمل فعلية باسمية، فهي تبدأ بالأسماء، وقد يمكن أن نقول هو مصطلح لغويّ لا أكثر.
ثالثاً:
الكلام في صلب الموضوع:
إذا أردنا تحديد معاني لفظي ( الترجمة والتعريب ) الخاصّة ببحثنا – دون أن نقحم فيه معانيَ أخرى لاصلة لها به - مستعينين بما تقدّم نجد أنّ:
1 – الترجمة:
كما جاء في لسان العرب: ترجم كلامَه إِذا فسره بلسان آخر،
و الترجمان، بالضم والفتح: هو الذي يُتَرْجِم الكلام أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى
وما جاء في الموسوعة الحرّة: الترجمة (وتسمى بالعربية النقل) تحويل نص مكتوب (ويسمى النص المصدر) من اللغة المصدر إلى نص مكتوب (النص الهدف) في اللغة الهدف. فتعدّ الترجمة نقلاً للحضارة والثقافة والفكر واللغة.
من هنا نعلم أن معنى الترجمة نقل مضمون ( المضمون عناصر كثيرة منها المعاني ) كلام ورد في لغة إلى لغة أخرى بالأسلوب الموافق لها (للغة الأخرى ).
أي أنّها عامّة لاتخصّ لغة دون أخرى.
2 - التعريب:
كما جاء في لسان العرب: قال الأزهري : الإعراب والتعريب معناهما واحد ، وهو الإبانة ؛ يقال : أعرب عنه لسانه وعرب أي أبان وأفصح.
والتَّعْريبُ: تَهْذيبُ المَنْطِقِ من اللَّحْنِ،
وما جاء في الصّحّاح في اللغة:
تعرَّب، أي تشبَّه بالعرب.
تعريب الاسم الأعجمي: أن تتفوه به العرب على منهاجها . ( وهذا خاصّ بالأعلام الأعجميّة كما نرى في إبراهيم وجُرجُس Georges... وهوأحد معاني التعريب، وليس المعنى الوحيد كما ورد في – ثانيا- و ليس هو موضوع بحثنا بالضبط ).
من هنا نعلم أنّنا إذا أردنا التخصيص وترجمة الكلام إلى العربيّة الفصيحة سمينا هذا العمل ( التعريب ).
الخلاصة:
الترجمة بعامّة: النقل من لغة - أيّة لغة – إلى أيّة لغة أخرى.
والتعريب بخاصّة: النقل من لغة أعجميّة – المقصود غير عربيّة – وصياغة ماننقله صياغة عربية سليمة إبداعيّة.
ملحوظة: أستخدم هنا المصدر ( صياغة ) ولا أستخدم المصدر ( صوغ) لأنّ الأوّل يدلّ وزنه على الحرفة، ولا تكون الترجمة إلى العربيّة جديرة بصفة التعريب إلا إذا قام بها محترف مبدع مؤهّل حقّاً لهذا العمل..
وفوق كلّ ذي علم عليم.