إنها مدرسة الصّفة,لا تستغرب التّسمية.فالصّفة موضع شريف له قدره في المسجد النّبوي ,بل هي جامعة خرّجت العشرات من علماء الصحابة وفي مقدّمتهم أبو هريرة رضي الله عنه.أكثر الصحابة حفظاً ورواية للحديث النبوي الشّريف.فقد بلغ قدر ما روي له في كتب الحديث النبوي المعتمدة (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً.إنّه رجل من عمالقة أهل الصّفة الّتي ضمّت جمعاً من المهاجرين والغرباء ممن لا مأوى لهم ولا مال , فقد فاض قلب النبي صلى الله عليه وسلّم بالرحمة بهؤلاء القوم,فجعلهم تحت رعايته . يتصدّق عليهم مما يأتيه من المال . لكن علينا أن نعلم جميعاً أنّ الصّفة لم تكن يوماً مكاناً لإيواء الكسالى والمتسكعين.بل كانت قلعة شامخة للعلم والعمل,يتلقى روّادها في الليل دروس القرآن من حفظ وتفسير وأحكام ومن ثم يتعلّمون التطبيق العملي الدقيق لآيات القرآن الكريم . وكذلك يتلقون دروس الحديث الشريف سماعاً وحفظاً ورواية.ناهيك عن دروس التربية الأخلاقية ,صدق ومروءة ووفاء وكرم وإخلاص وشجاعة. كل ذلك تحت إشراف النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة . ويخرجون للعمل في النهار يزاولون ما يتيسّر لهم من وسائل الكسب المباح , فقد كانوا يحملون الغرس ويكسرونه, ليصبح علفاً للحيوان,يجمعون الحطب ويبيعونه,ويحملون الماء إلى المنازل يبيعونه لقد كان أهل الصّفة من المجاهدين حيث كانوا يتسابقون إلى الخروج للجهاد مع السرايا الّتي تنطلق لنصرة الدّين والدفاع عن العقيدة. على أنهم كانوا إذا تحسّن حال أحدهم خرج مكتفياً بنفسه تاركاً مكانه لمن هو أحوج منه .ولمّا اغتنى المسلمون انتهى دور الصّفة التي كانت حالة عارضة في تاريخ الإسلام اقتضتها ظروف اجتماعية وموضوعية.