كتب مصطفى بونيـــــف
معاكسات زمان!!
افتقدت في شوراعنا هذه الأيام إلى منظر الجزار ( أبو كرش) ..وهو يحك بطنه التي تبدو وكأنه بلع بطيخة كاملة بمعرفته ...عندما تمر أمامه ، فتاة جميلة..فيصرخ ويصل صوته إلى الميدان .." وين كنتو يا خرفان لما كنا جزارين ؟! " ...
كانت الفتاة أيامها تشعر بأنها في أمان ..طالما أن هذا الصنف من الرجال موجود في الحارة ..
تمر الفتاة أمام المقهى ..فيهمس شاب ثانوي .." يا أرض احفظي ما عليك !"
ترفع الفتاة عينيها ..لاستراق النظر إلى الشاب القادم نحوها ...المهندس عبد القادر ..ابن الجيران ..يبتسم في وجهها " صباح الورد يا أحلى وردة !"..
كانت الفتاة إلى وقت قريب ..لا تستمع إلى مجرد معاكسات ..بل كانت تستمع إلى قصائد غـــزل !..
حتى أغاني الغزل القديمة ، كانت تشعرنا بنوع من الذوق والدفء ، فلا أروع من المطرب الشعبي سيد متقال ...وهو يقول بكل بساطة " وأنا أعمل إيه..البنت بيضا بيضا بيضا !!؟" ...، ولا أجد لهذه العبارة نظيرا سوى ما جاء في الشعر العباسي :
وجه مثل الصبح مبيض ** والشعر مثل الليل مسود
ولا شيئ يعجبني أكثر من معاكسة شاهدتها في أحد الأفلام المصرية القديمة ، عندما مرت سامية جمال وهي تتلوى في مشيتها أمام ..اسماعيل ياسين ..فقال لها ...في وسط الحارة الشعبية " يا صفايح الزبدة السايحة ، يابراميل القشطة النايحة !"...
في أيامنا هذه لا أثر للمعاكسات الطيبة...بل إننا نرى تحرشا جنسيا ..في كل مكان ..في الشارع ، في الجامعة ، في الفضائيات ، في السوق ...ووصل الأمر إلى درجة التحرش الجنسي الجماعي ..
كنت في أحد الأسواق الشعبية ، وسمعت شابا يعاكس فتاة ..." يا ترى مقاس جزمتك كم ؟" ..فقال له صديقه " أعتقد أنها تلبس 45 !" ، فرد عليه صديقه .." أعتقد أنها 44 فقط "
قلعت الفتاة جزمتها ...وعلى دماغهما بالكعب ، وهي تلعن سنسفيل آبائهما !
أعتقد بأن "أدب المعاكسات " ..هو لون أدبي متفرد ، كأدب الرسالة ، وأدب القصة ، و شعر الغزل ، وأدب قلة الأدب ...وفي هذا المجال لكل فولة كيال ...
عندما تعاكس طالبة في كلية الطب ، لا يجب أن تخرج التعابير عن مجال الطب ... " شرحت قلبي ، عيناك جابولي القرحة ...آه يا نبضات قلبي "
وعندما تعاكس طالبة كلية حقوق ..أفضل ما يقال لها " خطواتك دستور ، أدخلني حبك السجن ، أنت جناية عمري ، وجنحة حياتي ..."
أما طالبة كلية الجيولوجيا .." أنت زلزال هز كياني ، بركان في قلبي ، مشيتك إعصار اقتلعني .."
عاكس شاب أستاذة اللغة العربية في الثانوية ، وقال لها " أعرب ما تحته خط ، تمشي الأستاذة مشية الغزال .." ، توقفت الأستاذة وقالت له : " أين الخط ؟" فقال لها الشاب .."المرسوم في جاكتتك"...وبالمسطرة على دماغه ، جعلته يفقد ذاكرته !
وآخر ..كان يبتع فتاة طول الشارع ..
- أنا غني ابن غني ، نظارتي راي بان أصلية ، وساعتي سايكو سويسرية ..عندي ثلاث سيارات ...آخرهم طوارق اشتريتها بخمسين ألف دولار ، عندي ثلاث فيلات أمام البحر ، وشقة في باريس وأخرى في مدريد ، أبي لديه مزرعة بن في البرازيل ، وفندق سبع نجوم في هونغ كونغ ، ومصنع حلويات في إيطاليا ...
لم تلتفت إليه الفتاة ..ركبت الأتوبيس ...ركب ورائها وواصل حديثه :
- هذا الأتوبيس من ضمن أسطول أتوبيسات ، فوالدي صاحب شركة نقل كبيرة جدا ، هذا فضلا عن شركة السياحة ..زلا تورس ...
الفتت الفتاة إلى الشاب ...وابتسمت ، العينان الاثنتان .يمين ...أنف كأنه كوز ذرة ...وشفتان كأنها سرقتهما لناقة ...
وقالت له في بلاهة وهي تضحك ضحكة كرتونية ...سمعت ثريط تامل حسني ..أكمل حاكة بحبها فيك هي ده ..
اشمئز الشاب وصرخ مذعورا : بعنا كل شيئ ، بعنا كل شيئ ! ، ورمى نفسه من شباك الأتوبيس !!.
مصطفى بونيف