أدعوكم بين يدي مقالتنا هذه ، لملاحظة الآتـــي :مَنْ لا يوَنّي يغرق
تحفر ساقية صغيرة تحيط بالبيت ( خيمة البدوي) وخاصة من الشرق أو من الجهة الأعلى ، كي تبعد مياه الأمطار عن داخل الخيمة وتسمى ( الوني ) ، يقول الشاعر البدوي :
(( اللي ما يوني يغرق نسيت ماونيت.)) .
أي أنَّ من لا يُـنشئ هذا الخندق حول بيت الشعر (الخيمة/ الخباء) فعاقبته سيئة .
والعاقبـــــــة هنا هي غرق البيت نتيجة مداهمة سيول الأمطار الجارفة التي تتحدر فجــــأة ، إذا لم يحتط البدوي صاحب الخيمة لخيمته ، ويتوقّى عاديات البيئة .
هناك العديد من الأمثال الشعبية ، التي تنضح بمدلولات الحكمة العميقة، ومنها هذا المثل الذي نحن بصدده ، و يقول "الما// اللي ما يونِّي يْغَرَقْ".
المعنى الذي يتمحور حوله هذا المثل مفاده، أن الإنسان المستهتر والكسول، الذي لا يعدُّ العدة لتوخِّي النوازل المتوقعة، لا بدَّ أنه سيتعرض لها، وفي ذلك حضٌّ على الأخذ بالأسباب، وعدم ترك الأمور تسير دون تبصر في عواقبها.
وبتفصيل هذا المثل، والبحث في البعد الحكائي له، نستطيع تلخيصه بما يلي:
فقد كان البدو الرحَّل، في منطقتنا الشرقية، التي كانت تتميز بكثرة أمطارها، عندما يضعون رحالهم في منطقة ما، بحثاً عن الكلأ لمواشيهم، تعلموا ونتيجة تراكم الخبرات، أن يقوم كل بدوي بحفر خندقٍ حول خيمته، يقيه من السيول الجارفة في فصل الشتاء .
وكانوا يطلقون على هذا الخندق اسم "الوني"، وقد يحدث في كثير من الأحيان، أن يهمل أحدهم حفر هذا "الوني" في موسم الأمطار، وعادة ما يكون هذا الشخص متقاعساً، أو كسولاً، ويفتقر إلى الحكمة والفراسة التي يتحلى بها البدوي عادةً، وتكون النتيجة ، هي غرق بيت الشعر الذي يقطنه هذا الشخص وخراب ممتلكاته ، أو انجرافها مع السيل .
ومن هنا انطلق هذا المثل وانتشر، لتتناقله الألسن حتى هذا اليوم، وقد ضمَّنه بعض الشعراء الشعبيين في قصائدهم، حيث يقول أحدهم:
«الما( ال ما ) يونِّي يْغَرَقْ/*** ويا حيف ما ونّيت/
بسمار جوى الضلع/*** من كثر ما عنيِّتْ»،
ومعنى كلمة "يا حيف": واأسفاه، وكلمة "بسمار": تعني مسمار، أما كلمة "جوَّى": فتعني داخل، و"عنيت" فمعناها الأنين، فالبدو والحورانيون وبلاد الشام عامة يبدلون همزة الأنين عينا ، يقولون : عنين بدلاً من الأنين، وعنيت أي أنّيت. ويتشابه هذا المثل كثيراً، مع المثل الشعبي الذي يقول "الما يحسب ما يسلم"».
أي من لا يحسب لا يسلم .
والمثل الذي نحن بصدده فصيح مستمد من الجذور بشكل سليم تماماً .
فالذي لا يونّي يغرق .
و(يوني) ليس من الأناة والتمهل كما يُتَوهّم ، وإنما هي من جذر آخــــــــــــــــر :
جاء في مقاييس اللغة لابن فارس :
النون والهمزة والياء كلمتان (نأي// نؤي): النؤْي والنَّأي. فالنُّؤْي: حَفِيرةٌ حول الخباء، يدفَع ماءَ المطر عن الخباء. يقال أنأيتُ نُؤْياً. أي حفرت خندقا أو حفـرة .
والمنْتأَى موضعه.
وأنشد الخليل في هذا الموضع:
إذا ما التَقيْنا سالَ من عَبَراتنا *** شآبيبَ يُنأَى سَيْلُها بالأصابع
وأمّا النّأْي فالبُعْد، يقال نأَى ينأى نأْياً؛ وانتأى: افتعَلَ منه.
والمُنتأَى: الموضعُ البعيد. قال:
وإنْ خِلتُ أنَّ المنتأى عنكَ واسعُ
وربَّما أخّروا الهمزة فقالوا ناء، وإنَّما هو نأى. قال:
مَن إنْ رآك غنيَّاً لانَ جانِبُه *** وإن رآك فقيراً ناءَ واغتربا
وقال الجوهري في الصحاح :
والنُؤْيُ:حَفيرة حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر، والجمع نَئيٌّ على فُعولٍ، ونِئِيٌّ تتبع الكسرة، وأنآءٌ، ثم يقدّمون الهمزة فيقولون آناءٌ على القلب مثل أبآرٍ وآبارٍ. تقول منه: نَأيْتُنُؤْياً.
وأنشد الخليل:
إذا ما التقَينا سالَ من عَبَراتنا *** شآبيبُ يُنأى سيلُها بالأصابعِ وكذلك انْتَأيْتُنُؤْياً.
والمُنْتَأَى مثله.
والنُؤَى بفتح الهمزة : لغة فيالنُؤي .قال:
وأشذابُ الخيامِ وقد بَلينا *** ومُوقَدُ فِتيةٍ ونُؤَى رمادٍ
وكالة اخبار المراة