الشهيد نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي
السلطان العادل وسادس الخلفاء الراشدين 511 / 569 هجري
كتاب السير والتراجم هو قصة الأعمال العظيمة التي قام بها أصحابها، ومن السير التي ألهمت روحي الشعور بالسعادة، (نور الدين محمود زنكي).
ناداه النبي صلى الله عليه وسلم باسمه لينقذه فلبى النداء، وأوقف سرقة جثمانه الشريف.
فمن هو محمود نور الدين زنكي، المدفون في سوق الخياطين بدمشق القديمة؟
نور الدين محمود؛ أبرز شخصيات الدولة الزنكية، والذي تحفل سيرته بجهاده ضد الصليبيين.
نور الدين محمود، الذي تولَّى إمارة حلب بعد وفاة والده المجاهد (عماد الدين زنكي)؛ فوضع نصب عينيه السير على منهاج أبيه في جهاد الصليبيين، الذين كانوا قد بدأوا في احتلال إمارات الشام، وتمكَّن من التغلُّب عليهم، في بعض المناطق، وتمكن من فرض سيطرته على عددٍ من قلاع الشام، كما استطاع أن يضم إنطاكية لإمارته، ثم دمشق بعد ذلك، ومصر.
قال ابن عساكر وهو يصف نور الدين محمود : "كان حريصًا على تحصيل الكتب الصحاح والسنن، كثير المطالعة للفقه والحديث، اعتنى نور الدين بمصالح الرعية، فأسقط ما كان يؤخذ من المكوس، وأعطى عرب البادية إقطاعيات لئلا يتعرضوا للحجاج، وقام بتحصين بلاد الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها النورية ودار الحديث، ويعتبر نور الدين أول من بنى مدرسة للحديث الشريف في دمشق، وقام نور الدين ببناء الجامع النوري بالموصل، وبنى الخانات في الطرق، وكان متواضعًا مهيبًا وقورًا، يكرم العلماء، وكان فقيهًا على المذهب الحنفي، فكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام يحضر الفقهاء عنده، ويأمر بإزالة الحجاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عمّا يُشكل عليه، ووقف نور الدين كتبًا كثيرة ليقرأها الناس" .
ويصف ابن الأثير السلطان نور الدين قائلا:
"كان قائدًا ربانيًا عرف بتقواه وورعه، فقد كان حريصاً على أداء السنن، وقيام الليل بالأسحار، كما كان كثير الصيام، وتميز بفقهه وعلمه الواسع فلقد تشبه بالعلماء، واقتدى بسيرة السلف الصالح، وكان عالماً بالمذهب الحنفي وألف كتاباً عن الجهاد، ولم يُسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضى، صموتاً وقوراً، ومجلسه لا يذكر فيه إلا العلم والدين والمشورة في الجهاد، كان حريصاً على تطبيق أحكام الشرع، وقد ألغى جميع الضرائب التي تزيد عن الحد الشرعي بالرغم من الدخل الكبير التي تدره والحاجة الماسة إليه لأغراض الجهاد، وكان يقول: "نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع طريق، أفلا نحفظ الدين ونمنع ما يناقضه"!
"لحوحاً في الدعاء ولا يرجو النصر إلا من الله، فعندما رأى جموع الصليبيين الهائلة قبيل معركة حارم انفرد بنفسه تحت تل حارم وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع قائلاً:" يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً مَن هو محمود الكلب حتى تنصره؟! ".
ولم يكن اهتمامه: منصبًّا على علوم الدين فحسب، بل كان يقدر لعلوم الحياة قدرها؛ فقد كان شديد الاهتمام بالابتكار في سائر المجالات كالفلك وعلم النجوم، وكان يحثُّ العلماءَ على الابتكار؛ من ذلك ما فعله مع رضوان بن رستم الساعاتي، الذي صنع الساعاتِ التي عند باب الجامع الأموي بدمشق، حيث كان يخصُّه بالكثير من المال والعطايا، حتى يتقدم في صناعته ويتقنها.
كذلك اهتمَّ نور الدين محمود بإنشاء المستشفيات (البيمارستانات)، وجعلها تقدم الخدمة الطبية المجانية للشعب، وقد انتشرت في أغلب مدن الدولة الزنكية، وتُعتَبَر البيمارستانات من مفاخر الحضارة الإسلامية التي سبقت غيرها من الحضارات.
وكان الملك العادل نور الدين محمود وخلفاؤه من البيت الأيوبي هم أول من استكثر منها من الملوك والسلاطين، كما اهتموا بدراسة الطب وممارسته اهتمامًا بالغًا وقايةً لبلادهم من الأوبئة والأمراض.
وكان يخصص في بيته مكاناً للعبادة فقد روي أنه ألحق ببيته صُفّة يخلو فيها للعبادة، فلما ضربت الزلازل دمشق، بنى بإزاء تلك الصفة بيتاً من الأخشاب: "فهو يبيت فيه ويصبح ويخلو بعبادته ولا يبرح، ولما توفي دفن في البيت البسيط المقام من الأخشاب، قبل أن ينقله ولده إلى المدرسة النورية الكبرى بسوق الخياطين.
وعندما فتح صلاح الدين بيت المقدس، "أمر الوفاء بالنذر النوري ـ أي نذر نور الدين ـ فنقل المنبر الذي بناه نور الدين ليضعه في المسجد الأقصى، فعُرفت بذلك كرامات نور الدين التي أشرق نورها من بعده، وكان صلاح الدين كثير الترحم عليه ويذكره بالخير، حتى إنه قال إن كل عدل فيه أنما تعلمته من نور الدين.
ولماذا لقب بالشهيد؟!
كان نور الدين محمود في الحرب ثابتَ القدم، حَسَن الرمي، يتقدم أصحابَه، ويتعرض للشهادة، وكان يسأل الله تعالى، أن يحشره في بطون السِّباع وحواصل الطير، فأعطاه الله هذا اللقب وإن لم يمت في ميدان المعركة، فقد مات على فراشه ولازمه هذا اللقب في زمانه وإلى زمننا هذا يسجل في كتب التاريخ بنور الدين محمود الشهيد.
ألا رحم الله الإمام العادل نور الدين، وجعلنا خير خلف لخير سلف صالح. آمين.
كان مفعماً بمحبة الله ورضاه وبمحبة نبيه العدنان ورضاه.