نظرات نقدية بين كاتبين:
محمود الريماوي[1]
يوسف أحمد المحمود[2]
قلما يفكر أحدنا بمقارنة كاتبين معا، لكنها تحصل عندما تكون كاتبا نهما تقرأ عدة كتب بآن، كتاب في الطريق، كتاب الشهر، كتاب أوقات الانتظار...
ولأن حركة الاعارة غير نشطة في عالم لا يقدر قيمة الكاتب، بات لزاما للعرفان بالجميل واعتماد مدة زمنية للقراءة قصيرة ، لإعادة ما استعرناه لأصحابه، وهنا تحفز نفسك بالالتزام وقت معين تنهي فيه ما قرأت:
مجموعتين قصصيتين لافتتين: حارة نسوان: يوسف أحمد المحمود وعم تبحث في مراكش لمحمود الريماوي, وغلافان موحيان بصرف النظر عن التقنية التقليدية فيهما وغير الحداثية، المجموعة الاولى يشي عنوانها بها، وهي تحكي عن حقبة زمنية ولت وانقضت زمن الطرابيش، والمجتمع الذي يلوك تفاصيل الحياة بطريقة شعبية جدا، استطاع الكاتب ترويض اللفظ الشعبي ليصبح نصف فصيح، وبهذا يقدم البيئة بصدق ودقة، ورغم ان فكرة ومحور القصة يكون بسيطا جدا، إلا ان صور الذكريات تلوح في أفق القص وتسبب له تمددا كثيرا، إن لم نقل أكثر من اللازم، إلا أنه نفس طويل قل حضوره في السرد كقصة قصيرة، ربما كان رائدها حديثا وعلى سبيل المثال لا الحصر:
الأديب عدنان كنفاني وأحمد جميل حسن...
إلا ان هذا يحتاج أن يمسك الكاتب بالخيط الدرامي لا يفلته فيفلت القارئ منه، لكنه كان بارعا بقدر ما كان يجمع فيها مواقف كثيرة في بعض القصص من خلال حوارات يمكن اختزالها.
في قصته الاولى:
رصاصة الراحة، بيئة فقيرة جدا، والبطل الذي يعطي أذنه لأمه بكل مفاهيمها القديمة، لكنه بحد ذاته يشعر بالإهمال امام طلباتها التي لا تتناسب مع إهمالها له، ليقع أخيرا في حمى ويكتب أخيرا رصاصة الرحمة، فهل مات؟.
تستغرق القصة من ص 5 وحتى 40 صفحة من السرد الوصفي، ولعل النمط السائد الآن بات أكثر اختزالا، لكنه ينجح في تصوير البيئة والمكان الفقيرين:
-كانت السماء تنزف ضريبا فوقي من قلبها.
-دعوت الله والقفل يوسوس في الغال.
-كما ترى عيناك ، سابقة كباقية!
الجمل موحية جدا، والخط الدرامي تعشش فيه البيئة بقوة، والبداية موفقة لم تبدأ بفعل بل بتشبيه:
-كحمار يعبر جسرا خشبيا، لأول مرة دخلت ،ابنها يدفعني من ظهري وهي من الداخل تدعوني.
في القصة التالية :حديث الدرب، حديث حول الحرب بلا تفاصيل ، لكن الام تلح على طلب شهادة ابنها، وتعيده للجبهة كي تفخر بشهادته، ويظهر هنا الحس الوطني القوي في منحى السرد على تواضع ثقافة الام والمجتمع.
*********
لو انتقلنا للتحريك الذائقة المقارنة بين السردين نجد في قصة :عم تبحث في مراكش والتي تصدرت عنوان المجموعة، التي لم تتجاوز ال 11 صفحة كنص، بداية مماثلة ولكن حوارية لا تبدأ بفعل:
-عم تبحث في ديارنا؟
عن طالب مدرسة يحلم برؤية الملك الحسن ملك المغرب، لكن عوائق الحرس والظروف حالت دون ذلك وأدت لإبعاده، وهو هنا يقدم التناقض بين البيئتين بين شيحتين من نفس الوطن وكأنهما لا يمتان للوطن بصلة، ولعل فكرة التناقضات الاجتماعية تشكل عنصر جذب ناجح في السرد لتظهر عورات المجتمع وعيوبه التي نعيشها كل يوم، وقد قدم الكاتب القصة بعشر صفحات كانت كافية لتأدية الرسالة والهدف منها، أين الوطنية يا مواطن؟ ومن هو الوطني الحقيقي؟، وهو التساؤل ذاته في المجموعتين ولكن بعرض مختلف يعبر عن رؤية خاصة للكاتبين.. ولعل السؤال هو طرح عام لمجتمع بات ضائعا في مناحي التذبذبات الوطنية والجهل السلوكي الإيجابي.. الفعال...في عصر باتت سياسة البدائل أهم ما يمكن ان يفكر به المواطن عندما يكون الدرب محدودا وضيقا...
2-2-2015
يتبع
[1] كاتب أردني
[2] كاتب سوري