الساعة الواحدة، ظهر يوم السبت 8 تمّوز 1972 خبر مقتضب بثّته إذاعة لندن:
[انفجار سيارة يودي بحياة الأديب غسان كنفاني وسط ظروف غامضة..]
بعد دقائق كنت في سيارة أجرة، منطلقة، تطوي تحت عجلاتها الطريق إلى بيروت.
أتوسل لأول مرة في حياتي أن تقابلني هناك كذبة.! أجمل كذبة يمكن أن يستقبلها إنسان، تقول: إن الخبر برمته ليس له أساس من الصحة.
ولأول مرة في حياتي أيضاً أجتاز حدوداً بين دولتين، بلا جواز سفر، ولا تأشيرة، ولا تصريح..
تتوقف السيارة..
يمسك السائق يدي، يفرد أمام خطواتي المضطربة حزنه المسفوح على حصيرة من شفقة، يقودني عبر الحطام والدمار.
يصل بي إلى حافّة واد عميق الغور. فيه رجال يلتقطون عن الأغصان قطع لحم صغيرة، يجمعونها في كيس أبيض، في الزاوية الأخرى رأيت وجه غسّان ونصف صدره.
ورأيت شيئاً متفحّماً يشبه الصّبية الجميلة "لميس"..
كان يبتسم، صافحني وهو يبتسم، وكأنه تحسّس بأصابعه النحيلة أثر الجرح الطافي على صفحة خدي الأيمن..
رأيته يبتسم.. فبكيت.