لا نريد أن نقابلك !!!!!
بقلم : ريما الحكيم
غريبٌ أمر مجتمعاتنا.. غريبة الأمور التي باتت تشدها وتستهويها وتلفت نظرها وتستقطب اهتماماتها.. غريبةٌ الأحداث التي بات يُعلن عنها في لافتاتنا الطرقية.. والأغرب من ذلك: أن نرى الشبان والشابات يلهثون خلف تلك الإعلانات ويحققون ما تطلبه منهم كالمنومين مغناطيسياً..
منذ فترة ليست بالطويلة دخلت إلى حياتنا العربية والإسلامية موجة من المسلسلات التركية أخذت من اهتمام الشعوب الحيز الأكبر، وصار كل بطل من أبطالها مثلاً لشبابنا وبناتنا، أما البطل من الجنس المغاير للشاب فقد أصبح معشوقاً.. ومن منا لم يسمع بشاب أحب "لميس" وفتاة أحبت "مهند" لمجرد أنهما بطلا مسلسلات تركية دخيلة على مجتمعاتنا وبيئتنا لكنها استطاعت بجهودٍ سورية أن تتحول إلى هواء لا تستطيع العائلة الاستغناء عنه أو عن مشاهدته.. وبأذني سمعت مرة أحد الأشخاص يُرغب آخر بشراء نوع معين من أجهزة الاستقبال الفضائي الذي يفك التشفير عن إحدى القنوات العربية التي خصصت جزءاً كبيراً من وقتها لبث عددٍ من المسلسلات التركية، فقال له: (( ابنتي لا تغير المحطة لأنها تتابع مسلسلين عليها، إنه جهازٌ رائع ))..
ولأخذ العلم: ابنة ذلك الشخص عمرها 13 عاماً فقط!!!
عندما سمعت كلامه شعرت بالانزعاج الشديد إلى درجة الغثيان؛ لأنه:
1. يُرغب آخر بشراء هذا الجهاز ويُروِّج لمسلسلات الفاحشة والرذيلة.
2. يقبل أن تشاهد ابنته مسلسلات منحطة كهذه ويرى أنه بذلك يحقق رغبة لديها دون أي تفكير بما يحدث لهذه الفتاة من مضاعفات نفسية وانحرافات خلقية.
3. تفكيره الأعوج يجعله يحث الآخرين أيضاً على قبول هذا الأمر..
فما رأيكم دام فضلكم؟؟؟
هذه هي موجة المسلسلات التي تشجع على الرذيلة بكل بساطة، والتي تقبلناها في مجتمعاتنا، وجعلناها محوراً لحياتنا، كأنها أصيلة فينا.... أو كأن ملامحها شرقية من عندنا..
كيف حدث ذلك؟؟ ولماذا؟؟؟
* * * * * *
لكن هذا ليس كل شيء...
فمنذ أيام بتنا نرى صورة نجم أحد المسلسلات التركية على لافتاتنا الإعلانية الطرقية يعلن عن أحد منتجات تجميل الشعر الخاصة بالرجال... قلت لنفسي: نجم إعلاني، ويريدون ربح أكبر عدد من المستهلكين من ورائه... لا مشكلة..
لكن.. أن نرى إعلاناً لأحد الشركات تبشر من يشترون من عندها بأنهم إن اشتروا بقيمة 5000 ليرة سورية سيدخلون السحب مباشرة للاقتراع على أول 100 رابح سيذهب إلى حفل لمقابلة هذا النجم، ويضعون صورته وتحتها عبارة بالخط العريض:
(( من يريـــد أن يقابلني ؟؟!! )) ..
من يريد أن يقابلني؟؟ من يريد أن يقابلني؟؟
يا إلـــهي !!!!!!!!
من يريد أن يقابلك أيها النكرة؟؟ من يريد أن يقابلك أيها الغبي؟؟
من يريد أن يقابلك؟؟
عندما قرأت هذا الكلام شعرت بأنني دخلت دوامة غريبة من نوعها..
أول ما خطر في بالي لحظتها : (( بالطبع.. لست أنا.. ))
هل وصلنا إلى هذا الحال؟؟ هل صارت حياتنا بهذا الشكل؟؟
* * * * * *
شعور غريبٌ من نوعه لازمني منذ أن رأيت هذه اللافتة، أشعر بالخزي والعار، تخيلوا أن الرابحين سيكونون فتيات!! كيف يمكننا أن نرسل مائة فتاة سورية لتقابل هذا الإنسان؟؟
أين النخوة في رجالنا، وهل سيقبلون بهذا ويسكتون؟؟
تذكرت كلام ذلك الشخص والذي كان مسروراً لمشاهدة ابنته لهذا الشخص في التلفاز.. أعتقد أن أناساً مثله سيقبلون.. نعم سيقبلون..
لقد ذهبت النخوة من عقول الرجال.. وكي لا أعمم سأقول: من عقول أغلب الرجال..
السؤال الآن يا إخوتي..
كيف يمكننا التصدي لهذه الظاهرة.. الظاهرة تستفحل.. وسكوتنا عنها الآن سيودي بنا إلى ما لا يحمد عقباه.. وسنندم على صمتنا.. كيف يمكننا الوقوف في وجه هذه الموجة؟؟
بمنعنا لأولادنا من مشاهدة مسلسلات كهذه؟؟ لا.. بل بمنعنا أنفسنا من متابعتها، فكيف للأم التي تتابعها أن تمنع ابنتها من المتابعة؟؟
وكيف للأب الذي يبدي إعجابه بجمال "لميس" أن يعنف ولده الذي يعلق صورتها في غرفته؟؟
أعتقد أن الحل يبدأ من عندنا.. آباءً وأمهات..
يبدأ من خلل التربية الذي صار ملازماً لكل عائلة..
يبدأ من زرع مثال القدوة الصحيحة في عقول أولادنا..
الذين سيشعرون مع الوقت بغياب القدوة لديهم فيبحثون عن قدوة تملأ هذا الفراغ ويلتقون بأمثال "لميس ومهند" ليجعلوهما قدوة لهما، ومثالاً لفارس الأحلام..
ولكن في الوقت الراهن.. كيف يمكننا التصدي لهذه الظاهرة؟؟ ريثما نصلح خلل التربية؟؟
أخشى ما أخشاه.. أن يتحول هؤلاء في نظر المتلقي إلى مُخلِّصٍ وإلى فتى أحلام وإلى شاحن ومفرغ للتوترات النفسية والعاطفية..
عندها نصبح بحاجة إلى مصحات نفسية تعيد الناس إلى جادة الصواب بعيداً عن التوترات المرضية التي حُشروا بها.. والانحرافات الخلقية التي لازمت سلوكهم العام..
أليس كذلك؟؟
معذرة على قسوة كلامي..
لكنني متألمة من هذا الوضع.. فهلا شاركتموني آراءكم وأفكاركم ؟؟