اسكندر حريق : أول مدرس مسيحي في ثانوية النجف !!
قبل سبعة عقود وأكثر كانت ثانوية النجف وثانوية الموصل مثار دهشة رجال العلم والمعرفة لما كان يبدو على هاتين المؤسستين من جد ونشاط، ومنافسة في التقدم العلمي إستدعى وزارة المعارف حينها أن تخصهما بشيء من الرعاية التي كانت تخص الثانوية المركزية ببغداد، وأن تختار للمدرستين أساتذة أكفياء ممن كانوا يعملون عندها من أبناء مصر ولبنان وسوريا.
وكانت وزارة المعارف في حيرة ووجل من أمر النجف، لأن خيرة أساتذة المعارف لم يكونوا من المسلمين، وهي تخشى أن يكون رد فعل هذه المدينة المقدسة عنيفاً إذا أرسلت اليها مدرسين مسيحيين وغير مسلمين، وعلى رغم ان الواقفين على حقيقة النجف من أبنائها قد نفوا وجود ما يستدعي الحذر من إيفاد أي مدرس من أية طائفة فقد تأنت وزارة المعارف في ذلك، ثم بالغت في حذرها بحيث راحت تستعرض جملة من اللبنانيين لتختار ألينهم عريكة، وأبعدهم عن التعصب الديني والطائفي، وأكثرهم إنغماساً في التربية والتعليم، وكان اسكندر حريق في صدر القائمة.
ولو كان رجل غير اسكندر حريق قد ولد مثله في ضهور الشوير عروسة مصايف لبنان، ودرس في الجامعة الأميركية ببيروت وتخرج من جامعة كولومبيا بأميركا، وطاف في غالبية أقطار أميركا الشمالية والجنوبية دارساً، لامتنع من المجيء إلى بلد صغير كالنجف، عدمت فيه الوسائل الصحية الكافية من المياه الجارية في الأنابيب، والنور الكهربائي في البيوت، والكثير من الحاجات الضرورية التي تقتضيها المدينة الحديثة.
وجاء اسكندر إلى النجف، وقد وضع هذه الأمور كلها نصب عينه، وكان يقول إنه لم يكن يفكر في أي من هذه الأشياء بقدر ما كان يفكر في كيفية إندماجه في المجتمع النجفي ويكسب رضاه، فإذا بكل شيء يتلاشى في ذهنه، وإذا بأسكندر يتبوأ في أيام قليلة محلاً من القلوب قلما ظفر به أحد من أبناء المسلمين فكيف بمسيحي ينتقل رأساً من بيروت العاصمة إلى عاصمة المسلمين التي تفتقر إلى أدنى الخدمات ليتولى تعليمهم وليقوم بتدريس علوم الاجتماع!