ثمة تغييرات حدثت على دلالات بعض التعابير والألفاظ، منها:
"رفع عقيرته"- أصبح معناها= رفع صوته.
وأصل ذلك ان رجلاً عُقرت رجله في سوق عكاظ، فرفعها ووضعها على الأخرى، وجعل يصيح باكيًا بأعلى صوته، فلما تزامن قطع رجله العقيرة (أي المعقورة) مع صياحه شاع استعمال الجملة لكل من رفع صوته أنه- رفع عقيرته.
وقد ورد التعبير في حديث شريف:
في صحيح البخاري- باب مناقب الأنصار:
3926 – [......]أبو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ....»
نلاحظ هنا أن بلالاً رفع عقيرته بالغناء، فالدلالة لم تقتصر على البكاء، فمن رفع عقيرته= يعني رفع صوته، صياحًا أو غناء، أو بكاء.
أما كلمة (مسافة) فأصلها من السَّوف وهو الشم، وكان الدليل بالفلاة ربما أخذ التراب فشمّه، ليعلم أعلى قصد هو أم لا، ثم كثر ذلك حتى سمّوا البعد مسافة.
قال العجّاج في أرجوزة له:
إذ الدليل استاف أخلاق الطرُقْ- أي شمها.
كلمة (الوغى) تعني اختلاط الأصوات في الحرب، ثم كثر ذلك فصارت الحرب.
يقول عنترة:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم
ثم إن العرب تسمي باسم الشيء إذا كان مجاورًا له أو كان منه بسبب، فمثلاً:
(التيمم) صار له معنى مسح الوجه من الصعيد- أي التراب فتيمموا صعيدًا طيّبًا- النساء، 43، وكان أصل التيمّم الطلب والقصد، فتأممتك = قصدتك.
من ذلك (الغائط)- أو جاء أحد منكم من الغائط - النساء، 43- وأصل معناها الأرض المنخفضة الواسعة، فإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته أتى إلى غائط من الأرض، وأصبحت دلالة الكلمة اليوم تعني ما يفرزه الإنسان.
كلمة (إملاك) فصيحة، والعقبى للشباب الموعودين، مأخوذة من (المُلك) أي أملكناه المرأة، أو أملكناها الزوج، فمبارك!
(برمّته) تعني بكامله، ولكن أصل معنى (رُمّة) الحبل البالي، فانتقل المعنى من الجزء إلى الشيء بجملته.
عدا فلان طوره، أي جاوز حده، وأصل المعنى من (طَوار الدار) أي ما كان ممتدًّا منها إلى الفِناء.
وكلمة (داعر) أخذت من العود الداعر أي الكثير الدخان.
يضاف إلى ذلك الألفاظ الإسلامية، كالصلاة والصوم والحج، والشريعة، الحديث والنافلة والإيمان والعقيدة والدعوة والصدقة والسنة والفرض والجهاد والإسلام والحج والكافر والمنافق والفاسق والسجود...إلخ، وسأتناول بعضها:
عرف العرب قبل الإسلام معنى (المؤمن) من الأمان والإيمان، وهو التصديق، ثم
زادت الشريعة شرائط وأوصافاً بها سمّي المؤمن بالاطلاق مؤمنًا، وكذلك) الإسلام)
و(المسلم)، فجاء الدين الجديد ليصفه بمعنى جديد.
كانت العرب لا تعرف من (الكفر) إلا معنى الغطاء والستر. وكانت كلمة (المنافق) تعني ما يبطن خلاف ما يظهر، وأصل الكلمة من (نافقاء) اليربوع- نوع من القواضم كالفأر يكتم جحرًا ويظهر آخر.
أما الفعل (فسق) فكان يعني أخرج الحبة من قشرتها، فإذا بها تعني أفحش في الخروج عن طاعة الله.
أما (الصلاة) فكانت تعني الدعاء، وكان (الصيام) يعني الإمساك، و(الحج) كان يعني القصد، و(الزكاة) كانت بمعنى النماء، وقس على ذلك الكثير!
أما كلمة (الوُضُوء) التي نعرفها اليوم قبل صلاة المسلم فأصلها من كلمة (الوضاءة) بمعنى الحسن والنظافة، فكأن الغاسل وجهه ويديه وضّأها.
لو تفحصنا لغتنا المعاصرة لرأينا مئات الألفاظ بدلالات جديدة، فهذا الأمر طبيعي ما دامت اللغة كائنًا حيًا ومتواصلاً.
من المراجع:
ابن فارس: الصاحبي، باب "القول في أصول أسماء قيس عليها وألحق بها غيرها"، ص 95-96. وفي أدب الكاتب- ابن قتيبة، باب "تأويل كلام من كلام الناس مستعمل"، ص 50 وما بعدها.
ابن السِّكِّيت- (إصلاح المنطق)، باب "ما يضعه الناس غير موضعه"، ص 316 وما بعدها.
ابن جِنّي: الخصائص- ج1، ص 66.
عن ديوان العرب