إلى رجل ٍ يتقن الغياب
لبنى ياسين
1-
دعتني النارُ إلى المبيتِ في حضنِ سعيرِها
عندما أيقظتْ شهوةَ العصيانِ في دمي
وكان قبولي سارياً
حتى ايعازٍ آخرَ بموعدٍ لم أحدده بعد
فلم أنتبه إلى الشركِ المجدولِ في ضفيرةِ الوقت
وها هو اللهيبُ قد التهمَ ثوبَ أحلامي
2-
في غاباتِ الغيابِ المنسية
على مدى آخر آهةٍ حرَّى
ينعقُ غرابُ البين
يمسكني الشركُ ثانية
فلا أصغي إلى صوتِ المطر
وهو يغسلُ آثارَ مرورهم
عن انحناءات أوردة الانتظار
3-
ينشطرُ غيابكَ على حدِّ وجعي
أنحتُ من ملامحِ شطره الأول
تراتيل الناي والشغف
ومن الشطرِ الآخرِ أيقونةَ لونٍ
لا يمكنُ تشكيله مرتين
أعلقها في حلقِ العصيان
تعويذةَ شتاءاتٍ مطرزةٍ بالصقيع
باردٌ حضورُ غيابكَ حدَّ الصراخ
لكن الصدى يعاندُ صوتَ ألمي
فأقابلُ غيابك بعتابِ صامتٍ
لا صوتَ له ولا ظل
4-
بكماء مرآتي
تقابلُ شحوبَ صوتي
بذهولِ بلورها المصقول
تمسحُ حمى أرقي
بنسيجِ الوقتِ الضائع
ما بينَ الصمتِ..والسكون
5-
أشرِّع حيرةَ صوتي
لأسئلةٍ لا إجابة لها
أحيلـُهَا إلى صمتِ المرايا
وأسكبُ خوفي في شغافِ الليل
كيفَ لكَ أن تسمعَ ما يكابدُه أرقي
ووجهكَ حائرٌ بين طيفٍ لم تره
ولونٍ لم يتشكلْ بعد؟
6-
مرافئي مطفأة يا صديقي
وقلبي شظايا بلورٍ مبعثر
على شطآنِ غربةٍ
لا حدودَ لتضاريسِ حزنها
وملامحكَ في آخرِ الكون
تشيحُ عني دونَ أن تلوِّحَ
بما يشبهُ وداعاً أخرسَ
7-
هذا مداي
عاريةٌ أوجَاعِي في مهبِّ صَـقيعِك
يُحرقُـنـِي صَـهيلُ البردِ في رئتي
أنا التي ارْتجيتكَ دفءَ ربيعٍ منتظر
فوهبتني كل رياحِ كوانينك
مجدولةً بثلجِ مسافاتِ الضنى
حتى انطفأ ضوءُ قيثارتي
بينما كنت أتشققُ صمتاً
فيتخضبُ ظمئي بطوفانِ جفائك
قطافَ ذبولِ خريفٍ قادم
على شفاهِ غيمٍ لا يسكبُ دموعه
في حضرةِ شحوبِ غيابك
8-
ما بين حضورٍ فاحش الغياب
وغيابٍ باذخ الحضور
يحنُّ إلى ظلكَ
صوتُ المرايا المعلقة
على لهاةِ الوقتِ
لا طيفَ للمدى وأنت ضائعٌ
بين غيابين لا شمس لهما
بينما يفتشُ قوسُ قزح
عن حكاياتِ ألوانه التي سرقتــَها
مغافلاً رائحةَ الياسمينِ
التي تحرسُ أغنياتِ الأرق
لئلا يباغتَ النعاسُ
عيوناً لم ترتدِ عباءةَ الفرحِ بعد
ولم تخلعْ عنها
ثوبَ الانتظارِ الفاحش
9-
وحده غيابكَ
يعصمُ قلقَ أوردتي مرتين
عن اقترافِ الفرح
بين وهمٍ تآكلتْ حوافه
وغيظٍ يملؤه الدخان عبثاً
أعجزُ عن ارتكابِ ابتسامة الصباح
خطيئة مقدسة
لشفاهٍ ترتجفُ لوعةً