دراسات في اقتصاديات البحر /
البحر مصدر للغذاء
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
بقلم البروفسور كوتثلف همبل : استاذ علم البحار والمحيطات ( بيولوجية الاسماك ) بجامعة كيل - انكلترا
تعدّ مشكلة الغذاء وتزايد السكان من المشكلات الرئيسة التي يواجهها عالمنا المعاصر خاصة إذا ماعلمنا ان معدلات النمو السكاني تفوق تماماً معدلات نمو المواد الغذائية لاسيما في اقاليم العالم الثالث مما يمكن القول بأن العديد من اوجه الصراع الحالي في العالم يعدّ صراعاً بين من يملك مواد للثروة ومن لايملكها. ولاغرابة إذاً ان تقوم كل الجهات العلمية المعنية في العالم بالتأكيد على ضرورة الاسهام في الدراسات السكانية وتقديم التوصيات التي يمكن ان تكون عوناً لتبديد ضباب المستقبل الذي بدأ يلوح في افق عالمنا الحاضر .
وفعلاً قدمت دراسات عالمية عددية في هذا المجال وقد انتهى بعض منها إلى ضرورة التفكير في ايجاد مصادر جديدة للمواد الغذائية عامة ومصادر البروتين الحيواني خاصة.
" تعدّ المحيطات مصدراً هاماً من موارد الثروة في العالم لما تقدمه من موارد مادية وغيرها ، فهي منطقة انتاج تعديني ونباتي وحيواني وهي وسيلة اتصال بين ارجاء اليابس وإذا كانت اهميتها كذلك فهل بأمكانها ان تغذّي الملايين من البشر في المستقبل ؟ يعتقد علماء الديموغرافيا والمعنيون بالدراسات السكانية : بأن عدم نضوب البحر كمصدر للغذاء يمكن ان يلعب دوراً رئيساً في الوقت الحاضر طالما ان مصادر موارده متجددة.
ولما كان الانتاج الحالي لمحيطات العالم بالنسبة لموارد الصيد آخذةً في التناقص بالمقارنة مع ماهو مؤمل منها لاسيما إذا ماعلمنا ان البحر يغطي ثلثي مساحة الكون وان مايقدمه من مواد غذائية لايتجاوز 3% فقط و 15 % من البروتين الحيواني أي انه بالتالي مصدر فقير للغذاء . فهل هذا يرجع إلى قلة خصوبة البحار أم الى سوء استغلالها ؟ ان سكان العالم في العقود القادمة سيتحتم عليها الاجابة عن هذه التساؤلات مالم تحقق الثورة الزراعية والتكنلوجيا تقدماً هائلاً في انتاج المواد الغذائية .
خصوبة البحر
تحتاج النباتات الارضية من اشعة الشمس في عملية التركيب الضوئي ما مقداره نحو 60 % في حين لاتحتاج النباتات المائية سوى 40 % ان هذه الارقام ليست دقيقة جداً لكنها تدل على ان المساحة الصغيرة من قارات العالم تغطي ثلاثة ارباع مساحة العالم ، على الرغم من ان فترة الانتاج تسبق دورة التركيب الضوئي على الارض مع العلم ان باقي الظروف عرضة للتغير .
ان النباتات الارضية بأشجارها وحشائشها معروفة للجميع غير ان النباتات الارضية المغمورة الاشنات الوحيدة الخلية غير معروفة لدى الجميع فهي موزّعة فوق المسطحات المائية بكميات كبيرة وان حياتها قصيرة ولاتتجمع كما يحتوي البحر على كائنات حيوانية حية صغيرة الحجم كالبلانكتون الحيواني وعلى اسماك صغيرة الحجم ولافقريات حيوانية تقتات على الاعشاب في قيعان البحار والمحيطات التي تستغل من قبل الاسماك وإذا كانت الاسماك الكبيرة تقدم الغذاء للكائن البشري فإنها بالحقيقة تمثل تلك الكائنات الصغيرة التي سبق الحديث عنها. وعليه فإن البحر يقدم مجالاً كبيراً لإنتاج الغذاء إذ ان انتاج طن واحد من الاسماك الكبيرة يتطلب 500-1000 طن من النباتات المغمورة ولما كانت اغزر مناطق انتاج الاسماك في العالم تقع في بحر الشمال التي تمتد لمساحة 500,000 كم فإنها تقدم (3) ملايين طن من الاسماك أي ان انتاجية الهكتار الواحد تبلغ 60 كغم أو مراعي شلفربيك وهولشتاين فإنها تقدم 300 كغم من لحوم الماشية لكل هكتار . وفي مثالنا الاول ( بحر الشمال ) يستغل النهيرنج و السردين اولاً والنباتات التي تتغذى على الحشرات ثانياً . بينما في مثالنا الثاني تتغذى على الاعشاب التي هي غاية في الاهمية. وبالمقابل فإن 0,06 للأنتاج الدولي يستغل كلحوم في بحر الشمال في حين ان هذه النسبة لاتشكّل اكثر من 0,03 من محيطات العالم بينما نجد ان البلانكنتون الحيواني والنباتي في اقاليم واسعة للمحيطات المفتوحة قليل نسبياً بحيث لايكفي لبناء حقول منتجة للغذاء .اضف إلى ماتقدم ان للبلانكتون النباتي القدرة على انتاج المواد العضوية في مناطق البحار والمحيطات وتمتد إلى عمق يبلغ 150م. وبعبارة اخرى إلى ان يتلاشى الضياء أو حين تختفي عملية التركيب الضوئي ان نمو النبات محدود في السطح في المناطق المغمورة ولكن للنقص الموجود في الفوسفات والنترات ولعل من المفيد ان نوضح ان مهمة البحث عن المناطق المائية قد اصبحت يسيرة الآن نظراً لتطور علم الانواء الجوية والعلوم الاخرى ذات العلاقة .
ويمكننا ان نأمل من خلال هذه التطورات اتباع اسلوب انتاج الغذاء الكمي في البحر وبالمقارنة مع الاقسام الاخرى في البحر يجب ان نقدم الاساسيات للتقديرات فيما يخص محيطات العالم حيث يمكن زيادة استخدام محيطات العالم حالياً وفي المستقبل بأتباع اساليب ثلاثة بغض النظر عن نتائج هذا التقدير . وهذه الاساليب هي ايجاد مصادر جديدة وتحسين طرق استخدام المصادر المتاحة لدينا حالياً واخيراً تربية المائيات .
2 – المصادر الجديدة للغذاء في المحيطات في العالم
ان من الواضح جداً العمل بجدية من أجل توجيه استخدام الكائنات الحيوانية التي تعيش في البحار توجيهاً امثل لاسيما إذا ماذكرنا ان الغذاء البشري الحالي يعاني من نقص في بعض المواد العضوية. ان استغلال النباتات المغمورة عملية غير اقتصادية كما رأينا لإسباب تتعلق بالطاقات المطلوبة والاكثر من ذلك فإن حياة الكائنات المغمورة تحتوي على الجزء الاكبر من المخلوقات في حجم المليمترات الصغيرة منتشرة هنا وهناك في البحر بأستثناء بعض انواعها (الذي يشبه السرطان ) والذي يتراوح طوله بين 5 إلى 6 سم يعيش لفترة تمتد 4 سنوات وهو غذاء مهم لحيتان القارة الجنوبية. ان قطعاً من السرطان تعيش في المحيطات الشمالية ايضاً تمثل غذاء مهماً للأسماك وتمسك في مقادير كبيرة من قبل اليابانيين والنرويجيين كعلف للدواجن والاسماك. وتأخذ الحيتان البحرية سنوياً 50-75 مليون طن من السرطان الاّ ان هذا الرقم آخذ بالتناقص نتيجة للهبوط السريع في اعداد الحيتان .
ان سعر هذا الكائن الحيواني ( Kirll ) واطيء جداً في السوق العالمية في الوقت الحاضر فهو لا يؤكل مباشرة وعليه لايمكن ان ينافس الاسماك في وجبات الطعام لاسيما الصغيرة منها التي تحتوي على عظام كثيرة مثل السردين. ان مصادر اخرى للتجهيز بالاسماك كوجبات للطعام ستبصر النور في العقود القادمة في الوقت الذي يمكن الحصول على نوعية السردين وبجهد وتكاليف اقل . وعموماً فاننا نقتصر إلى تقدير كمية الغذاء التي يمكن الحصول عليها من البحر نظراً لصعوبة الوصول إلى مثل هذه التقديرات .
3-تحسين طرق استخدام مصادر الغذاء المتوفرة حالياً
هناك مصادر للأسماك يتم استخدامها على الوجه الافضل لأسباب تتعلق بوسائل الصيد المستخدمة وكنتيجة لشيوع الطريقة الاسكندنافية والالمانية والتي تتلخص بأستعمال شبكات الصيد العائمة غدت عملية الصيد اسهل من ذي قبل. وستزيد تطورات التكنلوجيا من كفاءة اساطيل الصيد وامكانية الانتفاع من الاسماك ذاتها. الا ان التغييرات الاقليمية لصناعة السفن التي تستعمل لهذا الغرض قد شجعت هجرة الاسماك وانتقالها إلى مناطق اخرى والتي سرعان ما تقع تحت وطأة الظروف نفسها ولكن السيطرة العالمية الواسعة بأستطاعتها ان تسهّل الامور فإن المختصين بهذا الحقل أي حقل بايولوجية البحار هم الناس الوحيدون الذين لاحول لهم ولاقوة هنا لأعتبارات سياسية واقتصادية لأنهم لايستطيعون ان يقرروا استعمال اساطيل الصيد. هنالك بعض التكهنات التي يمكن الاعتماد عليها اذ تنص على ايجاد سبل مثالية للصيد فالتعاون على الصعيد العالمي للبحث عن الاسماك الذي يسير قدماً نحو الامام يوفر لنا ظروفاً مناسبة جداً لما ذكر . ولكن الذي يقف خلف ذلك الهياكل السياسية فإذا كان هناك امكانية استخدام انتاج الاسماك سيزداد من 60 مليون طن إلى 100-120 مليون طن .
وهناك عاملان يثيران الشك إذا كان بالامكان انجاز هذا الهدف فإن 90% من هذه الشبكات يمكن الحصول عليها من سواحل البحار ويتواجد احتياطي كبير في اقاليم الدول النامية فإذا كان الاتجاه نحو الحقوق العلمية لأصطياد الاسماك تستثمر هذه الاقطار التي هي بأمس الحاجة إلى اسس علمية واقتصادية للأستخدام الامثل فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى وجود احتياطي كبير يكون بعيداً عن الاستخدام المتّبع في الوقت الذي يوجد في قابلية للصيد في الاقاليم المجاورة لوجود الحاجة إلى الانظمة العالمية فقد حدد البحث ايضاً القرار الذي يهدد مناطق كثيرة .
ان صناعة الاسماك ليست الخطوة الاولى الوحيدة للأنسان التي تسبب خطراً على القدرة الانتاجية فيما يخص احتياطي الغذاء في البحر كما ان الهندسة الساحلية وتلويث البحر يلعبان دوراً بارزاً ولدينا الآن مثالان :
تعتبر الخطط في الاراضي المنخفضة ( هولندا موجهة لمشاريع متكاملة في قطاعات فريزيان الغربية بواسطة السدود وكما ان خططاً مشابهة قد نوقشت في الدنيمارك والمانيا الاتحادية حول المشاريع الكبرى من هذا النوع . ودلت البحوث الالمانية في سنوات ماقبل الحرب إلى ان الاراضي المنخفضة صالحة لأنواع مفيدة من الاسماك خاصة ( Plaice ) والفد والهيرنج ، حيث انها تنمو بسرعة في هذه الاقاليم لاسيما في البحار الواسعة الغنية بغذائها. وليس بالامكان معرفة ماتشكّله الاسماك الموجودة هنا من نسب بالنسبة للرقم الكلي في بحر الشمال لقد بدأت المعاهد الالمانية والهولندية تدوين متواصل لتنظيم صيد الاسماك واعادة تغذيتها في الاراضي المنخفضة .
هنالك شبح خطر اخر هو كارثة الناقلة في القنال الانكليزي وقد صرح بأن النفط المتسرّب سيزول خطره بواسطة المنظفات ، وبينت التحقيقات البيولوجية بأنه يجب ان لايكون النفط على مرأى الناس كما وان الخطر سيزداد خاصة بالنسبة للأحياء البحرية. فمن ناحية تعدّ وسائل السيطرة سامة ومن ناحية اخرى تعمل الوسائل ذاتها على زيادة الطبيعة السامة للنفط. ان وجود النفط على سطح الماء له تأثير مميت على بيوض الاسماك وان بعض المواد تبقى عالقة في الماء بعد ازاحة النفط الذي يطفو على السطح وان حادثة احد الاقطار التي فيها نوع من السمك الذي يعرف ( Plaice ) فإن طناً واحداً من النفط بأستطاعته تدمير جيل سنة كاملة ولايستطيع أي متخصص في شؤون البحار بغض النظر عن اهمية النفط ونقله بواسطة البحر ومن مهامه الاساسية معرفة المخاطر الناجمة عن ذلك حتى يمكن تحديد وسائل فعالة وغير مؤذية للسيطرة .
ان تأثيرات السموم المختلفة على المناطق البحرية لم يعرف عنها الا النزر اليسير فإن مقادير ضئيلة من مادة د. ت . ت. تدمر عملية التركيب الضوئي للبلانكتون النباتي كما ان مواد اخرى لها القابلية على تغيير سلوكية البلانكتون الحيواني لذلك فإن هنالك تغييرات مهمة في الانتاج البحري ونقل المواد العضوية وان قياس هذه أمر في غاية الصعوبة .
وقد كتب شيء كثير حول مخاطر التجمعات الكبيرة للحشرات والجراثيم والمواد الزئبقية والرصاصية في الغذاء والى حد الان فإن عملاً كمياً وخطيراً قد انجز في هذا الحقل فماهي فائدة هذا الانتاج الغزير للأسماك في اقاليم عديدة للبحار إذا لم يعد هناك مكان لحياة الاسماك أو توقف الناس عن استهلاك الاسماك خشية ان لايصابوا بالتسمم ؟
4 – تربية المائيات
ان تربية المائيات لها اهميتها بالرغم مما ذكر لها من مساوي فهناك نصف مليون طن للعضويات البحرية والاشنات ، والسرطان والاسماك والقواقع توجد في اليابان . ان الحقول المستقبلية هي في الجداول المائية والاجهزة المتطورة التي تشكل جزء من التطور الصناعي والذي يعتبر فيه ماء البحر مصدراً لمياه الشرب والاملاح والطاقة وعموماً فإن تربية انواع خاصة من الحيوانات البحرية سيزداد الطلب عليها .
- معين لاينضب للغذاء ؟
مما تقدم عرضه يتضح انه ليس بأستطاعة البحر ان يحرز الاهمية النسبية التي حظيت بها الارض كمصدر للغذاء البشري . ان الاستخدام الامثل لوسائل الصيد التقليدية ، وايجاد مخازن احتياطية وتعميم تربية المائيات يمكن ان يكون بمثابة المؤشر الرئيس للتقدم المنشود وهنا فإن بحوث علم البحار والمحيطات يمكن ان تلعب دوراً هاماً في هذا المجال لاسيما تقديرات القدرة الانتاجية للبحر التي قام بها احد العلماء الدنيماركيين للفترة 50-1952 ولعل السؤال الاخير الذي يمكن ان نطرحه هو: إلى أي مدى يستطيع الانسان ان يستغل البحر كمستودع للفضلات ام كمصدر للغذاء ؟
وأخيراً احرزت البحوث الخاصة بالشؤون البحرية تقدماً ملحوظاً في العقدين الماضيين بالمقارنة النسبية مع الفترة التي سبقتها في هذا القرن ، كما اننا الآن على مشارف الاكتشافات العظيمة والاستخدام الامثل للمناطق الواسعة في الارض .