مسيرة كفاح السوري" موفق القداح"
--------------------------------------------------------------------------------
مضيفي هذه المرة من أبناء الجالية السورية ،مغترب عن بلاده 29عاما ، كان يقطع في طفولته 8 كيلومترات صيفا شتاء مشيا على قدميه، من قرية "كحيل" بمحافظة درعا، مسقط رأسه، جنوبي البلاد، إلى قرية "صيدا" المجاورة حيث تقع المدرسة الإعدادية، معلنا نهاية مشواره التعليمي، دون الثانوية العامة، فكان أن قرر حزم حقائبه ومرافقة والده إلى الكويت، وهو في السادسة عشرة من عمره.
في الأرض الجديدة أدرك موفق أحمد القداح أن السروة والسنديانة لا تنمو إحداهما في ظل الأخرى، فقرر الابن الوحيد للعائلة الابتعاد عن قنوات عمل الأب، فعمل بائعا للملابس متجولا شوارع الكويت تحت أشعة الشمس الحارقة، وسرعان ما شق بما جنته كفاه الصغيرتان من دنانير، طريقه نحو الإمارات، وهناك افتتح متجرا صغيرا لقطع وزينة السيارات، أصبح فيما بعد السلة التي تضم 31 شركة أخرى، أسسسها موفق القداح في أقل من 20 عاما، حجم محفظتها الاستثمارية اليوم مئات الملايين من الدولارات وربما المليارات.
"الفصيح من البيضة بيصيح"
مثل قاله القداح حين استدعى ذاكرته التي تختزن الطفولة، فقرأها وكأنه أمام كتاب مفتوح، رجل قوي الذاكرة يقول عن موفق الطفل "كان يتسبب في مشكلات لأقرانه من التلاميذ بسبب فكره الاقتصادي، فعادة كانت العائلات القروية تمنح يوميا 50 قرشا أي (نصف ليرة سورية) لأبنائها التلاميذ".
كان هو وحده يقوم بتوفير ذلك المبلغ فيما كان الأطفال ينفقونه على ركوب الباص وشراء السكاكر والسندويشات، وكانت والدته تتحدث لجاراتها عما يفعله طفلها، فتثور ثائرة الأمهات على أبنائهن غضبا لعدم اقتدائهم بموفق.
طفل الأمس ورجل اليوم
"إنه الطفل القروي الذي يرغب أن يتميز منذ الصغر، بفضل المقومات التي تمنحها القرية من صفاء وتواضع فيقول موفق "كنت أقطع المسافة سيرا على الأقدام لأوفر ذلك المبلغ".
إنه نفسه موفق القداح الذي يمتلك اليوم 20 يختا تجوب بحار ومحيطات العالم وأسطولا من السيارات الحديثة تتوزع عليه وأقربائه وموظفيه، وربما لا يحتاج اليوم السير لأكثر من المسافة التي تصل موقف سياراته بمكتبه أو منزليه.
عمل الجد فلاحا في أرضه، أما الأب فسافر الكويت،حيث أمتلك هناك بقالية متوسطة الحجم، عام 1957، وأسس شركة لنقل الرمل والحجارة الصغيرة.
مغادرة سوريا
وعندما ترك موفق دراسته ، التحق بوالده عام 1977، وكان أمام خيارات العمل المتوفرة، إلا أن شهيته ظلت مغلقة على مهن والده، فقرر أن يعمل بائعا جوالا يحمل قطع الملابس والأحذية بعد أن يشتريها بالجملة من مناطق التجار الكبار ويروجها في مواقع عرف كيف يتعامل مع المارة منها مستغلا صغر سنه لاستدرار انتباه المشترين، وكان يستفيد من قوافل الحجاج العراقيين العابرين للكويت إلى مكة المكرمة والمدينة، وحققت هذه المهنة الجديدة التي عمل بها سنة واحدة نتيجيتين في غاية الأهمية، الأولى: أنه لم يعمل موظفا، والثانية أنه جمع 5000 دينار كويتي، أثارت دهشة الوالد وفضول المقربين، لكون المبلغ يمثل أعجوبة مقارنة بسنه ومهنته، فهو مبلغ أكبر مما يجنيه مهندس أو مدرس أو حتى من أرباح شركة والده.
تطور لافت ومهم
في تطور مهم زار أحد أولاد عمومة موفق الكويت وكان يقطن الإمارات، وتعرف على الشاب الطموح عن قرب، فعرض عليه عملا مشتركا بين البلدين، فدخلا في شراكة، وموله موفق بما جناه من مال إلى أن فتحا محلا سمياه "محلات السوري" لقطع غيار وزينة السيارات، مقره أبوظبي وذلك عام 1978.
وبعد عام زار موفق الإمارات وبعد أن اطلع على العمل ورأى فيه بابا يدخله عالم الملايين حسم أمره وحزم حقائبه النهائية من الكويت صوب الإمارات، فعارضه الوالد لكونه الابن الوحيد للعائلة مع ثلاث بنات، لكن موفق غادر.
انفصال أبناء العمومة
استمرت شراكة أبناء العمومة 4 سنوات، بعدها أسس الشاب شركة "موفق القداح" لقطع غيار السيارات وزينتها، يشتري من دبي المستلزمات ويبعها في أبو ظبي ومدن شمالية أخرى بواسطة سيارات، كان موفق لا يتردد أن يعمل سائقا لإحداها، وبعد حين وصلت يداه إلى أسواق عالمية فقبض على منتجات من أسواق المنشأ، وبدأ رأس ماله يكبر ويتعاظم فباع لدبي بعد أن كان يستورد منها، ثم توسع إقليميا صوب قطر والبحرين والسعودية وإيران، وامتلك الملاءة المالية التي تؤهله لنقل المقر الرئيس إلى دبي التي يصفها بأنها كانت قلب تجارة قطع السيارات في ذلك الوقت، وبدأ بوضع وإنتاج أسماء خاصة على قطع ومستلزمات لها رواجها واسمها في السوق العالمية.
المال يحتاج قنوات أخرى
حققت هذه التجارة مكاسب كبيرة لموفق، وذلك بعد أن ساعدته المتغيرات الإقليمية تتصدرها "عاصفة الصحراء" بداية تسعينات القرن الماضي، حيث أُغلقت موانئ خليجية وباتت الإمارات بحكم الواقع الوجهة المفضلة لهذه التجارة فانتعشت أعمال التجار، فضلا عن انفتاح روسيا صوب سلع كانت محرمة في الحقبة السوفياتية مما سمح للتجار بتصدير كميات كبيرة من منتجاتهم إليها، كان لموفق نصيب الأسد.
وتحقق شركات موفق في قطاع السيارات -قطعها وزينتها- مبيعات سنوية تفوق 300 مليون دولار، واليوم يدير من دبي عمليات تشمل 44 دولة في القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا.
العقار .. حصان طروادة
عام 2000 اتسعت الأعمال بشكل كبير، وبدأ رأس المال يتضخم، باحثا عن قنوات استثمارية أخرى، رأى موفق أن الاستثمار الصناعي مجد للغاية فقام بشراء قطعة أرض مساحتها 5 مليون قدم مربع لبناء مدينة صناعية، لكنه فوجئ بعد شهرين أن قيمة الأرض ارتفعت، وفي حال بيعها سيحقق عوائد مجدية فباعها موفق، واشترى أرضا في صناعية الشارقة بـ 42 مليون درهم أعاد بيعها بفوائد كبيرة، وقتها انتبه لنظافة هذا الاستثمار وسهولة تحقيق الأرباح.
وبعد توفيق من الله أعلن عن شركة للتطوير العقاري عام 2002 يديرها المهندس السابق في شركة "نخيل" العقارية الإماراتية محمد نمر، وكانت من أولى خطواتها شراء 5 قطع أراض من شركة نخيل أعاد موفق 4 قطع منها للمالك، وطور على الخامسة باكورة مشاريعه العقارية، ألا وهو برج "ماغ 214"، الذي يرمز الرقم (2) فيه إلى زوجتيه، والرقم 14 إلى أبنائه (خمس ذكور و9 بنات)، فيما تدل أحرف M.a.g على الأحرف الأولى من اسمه موفق (m)، واسم الوالد أحمد (a)، والعائلة قداح (g)، واليوم تمتلك الشركة ما يقرب من 14 مشروعا، بالإضافة إلى الشراكة الاستراتيجية مع "إعمار العقارية" في مشروع البوابة الثامنة في دمشق، ويصل حجم المحفظة العقارية المستقبلية إلى 5 مليارات درهم (الدولار=3.67 درهما).
مجالات العمل الأخرى
إلى جانب العمل في تجارة قطع الغيار ومستلزمات السيارات، والاستثمار في السوق العقارية، تقبض المجموعة على مشروع للشقق الفندقية، وشركة للشحن البحري، وشركة لليخوت والنزهة، بالإضافة إلى شركات لمواد البناء والكمبيوترات والأدوات الكهربائية والمنزلية، بالإضافة إلى تجارة الهواتف المتحركة ومستلزماتها، وتصل في مجموعها إلى نحو 32 شركة، معظمها شركات لها أعمال ذات طابع عالمي.
العائلة.. توازن وعدل
يمسك موفق في يديه ميزانا تشكل كفتاه منزلين في كل منزل زوجة وأبناء ويوازن موفق بدقة بين المنزلين، ويعطي لكل منهما نصيبهما من الرعاية والحنان، ولا يمانع أن يخوض في تفاصيل أسرية؛ لأنه يفضل نقل تجربته للقراء بغرض الاستفادة منها.
وبخصوص أولاده الذكور يقول "البعض منهم التحق بالعمل بسرعة على غرار والدهم ، أما البنات أغلبهن يدرسن في الجامعة الأمريكية في أقسام الهندسة الداخلية وطب الأسنان وإدارة الأعمال.
وحين سألت "موفق" هل شعر بالتعويض حين التحقت بناته بالجامعات؟ قال "لو تعلمت في ظروفي وأكملت الدراسات العليا لما حققت ما أنا عليه اليوم، وهذه حال نسبية". مبديا كل احترامه للمتعلمين والحاصلين على الشهادات العليا.
وكان ضروريا أن أساله نسبة اعتماده على سلة من المستشارين يحيطون به فأجاب "أتركهم يعملون 9 ساعات، وأجلس معهم ساعة واحدة، لأتخذ القرار، ولولا
أهميتهم لما اعتمدت توظيفهم".
ختامها.. عمل خيري وطموح
موفق القداح الذي يدين بالفضل في نجاحه لله، ثم لوالده لا يطمح لأي منصب وزاري في سوريا رغم أهليته، ومازال يعشق الطبيعة، فيفضل مزرعته الشامية على باريس، ويفضل هدوء القرية على صخب المدينة، كما أنه يفضل التكتم على أعماله الخيرية بدل الإعلان عنها، وقد عرفنا من موظفيه ومتابعتنا لسيرته خلال أربع سنوات أنه كريم بقدر ما تستوعب أمواله التي يرفض تقدير حجمها، وأنه يخرج زكاته سنويا، ويرد على الطلبات التي تصله من الفقراء والمحتاجين وفقا للاستطاعة والتقييم، ويقدم المعونة داخل مغتربه أو خارجه.
لكن الحاج موفق القداح لا يتكتم عن كونه قدم هدية للحكومة السورية بناء مقر للسوق المالية على نفقته، وأنه يقوم بمنح أبناء قريته منحا جامعية مجانية، ويقوم ببناء منازل لمن يعرفهم من المحتاجين، وهو صاحب فكرة "العمل الجماعي" في إطلاق مصانع ومنشآت صغيرة تهدف تشغيل اليد العاملة العاطلة عن العمل في مدن وبلدات تحتاج هذه النوعية من المشاريع، انطلاقا من تبنيه فكرة "لن أعطيك السمكة بل أعلمك كيف تصطاد".
_________________
الماء الهادىء يجري عميقاً