جوته والإسلام آخر تحديث:الاثنين ,04/01/2010
صالح الخريبي
قبل مدة، نشرت في هذه الزاوية مقالا عن موقف الشاعر الألماني جوته من الإسلام، وقد لفت المقال نظر السيد عبدالله علي عقبه حول فأرسل لي كتابا حول الموضوع من تأليف الدكتور محمد علي البار يتساءل المؤلف فيه: هل كان شاعر الألمان جوته مسلما؟ وجعل التساؤل عنوانا لكتابه.
والتساؤل له ما يبرره، فقد شغف جوته بالقرآن الكريم والإسلام والعرب، وشغفه هذا دفعه إلى الإيمان بأن مهمته على الأرض تشبه إلى حد كبير مهمة الأولياء الصالحين فيما يختص بتهذيب النفس والعمل الصالح، ولكنه تراجع فيما بعد عندما لمس الفارق الكبير بينه وبين هؤلاء من الناحية التطبيقية، فقد لاحظ انه مهما أكثر من عمل الخير فإنه لن يصل إلى مستواهم.
وجوته تعرف إلى العرب والإسلام عن طريق صديقه الأديب الاسكتلندي ثوماس كارلايل الذي يعتبر من ألمع المفكرين في الغرب، وفي دائرة “وقف إخلاص” في اسطنبول وثيقة تتحدث عن جانب من حياة كارلايل أغفله المؤرخون تماما هو اهتمامه الشديد بالفكر الإسلامي، وتنسب الوثيقة إلى كارلايل قوله: “في ألمانيا تحدثت إلى صديقي جوته عن الحقائق التي جمعتها عن الإسلام وانطباعاتي الشخصية حوله، وبعدما استمع إلي باهتمام قال: إذا كان هذا هو الإسلام فأنا مسلم، وكل الأحرار في ألمانيا مسلمون”. وكم يبدو جوته رائعا عندما يصف القرآن بأنه الطمأنينة الخالصة، وإنه ينبع من الحقيقة الكبرى المحيطة بكل الحقائق.
ويكشف الدكتور محمد علي البار أن كل مفاهيم جوته عن الحياة والدنيا والأخلاق والدين تنسجم تماما مع المفاهيم الإسلامية، وعندما يصف الجنة ونعيمها والحور العين في مسرحيته المشهورة “فاوست” يبدو وكأنه مفكر إسلامي، وقد كتب إلى أحد أصدقائه قائلا إنه يحترم الدين المسيحي ولكنه لا يستطيع أن يهضم طقوس الكنيسة ونظامها المعقد، وجعل الواحد ثلاثة والثلاثة واحدا، وفي قصيدته عن عيسى عليه السلام يردد ما يقوله المسلمون، ويقول: “يسوع كان طاهر الشعور “لم يفكر إلا في الله الواحد الأحد” ومن جعل منه إلها فقد أساء إليه وخالف إرادته المقدسة” ويقول: “إذا كان الإسلام معناه التسليم لله فعلى الإسلام نحيا ونموت”.
وعندما يتحدث جوته عن العرب لا يرى فيهم إلا كل ما هو جميل، ولا يترك كلمة من كلمات الثناء إلا ويسبغها عليهم، فعمائمهم تيجان على رؤوسهم، وخيامهم قصور، وسيوفهم حصونهم وحماتهم، وهم شعراء بالفطرة، ولغتهم وعاداتهم تكونت بتأثير الشعر وغدت هي نفسها شعرا، وهم يتنفسون الحرية والإباء، وتملأ صدورهم روح المغامرة وشرف الطموح والفروسية والشجاعة، والأمة العربية “أمة تقيم أمجادها على تقاليد وموروثات جعلتها تتمتع بوعي قوي بالتاريخ دفعها للتفاخر بأجدادها، وهي تعيش الصفاء الإنساني الحقيقي”. والعالم الغربي كرّم جوته افضل تكريم ولكنه تغاضى عن تأثره بالإسلام والحضارة العربية، وإذ نجد أنفسنا الآن في مواجهة هجمة عنصرية شرسة على الدين الإسلامي، فإنني أضم صوتي إلى صوت المؤلف بمطالبة فضائياتنا ووسائل الإعلام عندنا لنشر اسهامات بعض علماء الغرب وأشهر كتّابه الذين انصفوا الإسلام كما فعل جوته.
أبو خلدون