إرْتِوَاءٌ
... فإن راقتك واستحسنتها، فذاك بعض الذي أرجوه وأقصد إليه، وإن لم تجد لها في جنَانِكَ ولبِّكَ أثراً جميلاً، فلك أن تلتمس مَن تعثر عنده على ضالتك المنشودة، ولتعلم أن هذا الأمر غير يسير، وأن الذي ينتظرك شاق وعسير، فالظمأ وسط صحراء رحلتك شديدٌ، وغور الماء العذب الزلال بعيدٌ، وحتماً ستحملك رحلتك على المزيد من الصبر وغير قليل من العناء ...
ظلَّ بشوق منقطع النظير يتطلع إلى اللقاء بها، وبهمة معهودة فيه، وبمثل ما عرف عنه من حزم وإقدام، أقبل على الأرض يطويها سيراً على الأقدام، فطرق جميع الأسباب التي توخى منها أن تنتهي به إلى التي يجد في طلبها، وقبل أن يشرع في رحلته بحثاً عنها، كان قد عاهد نفسه على أن لا يعود إلى بلدته إلاَّ بعد ملاقاتها، وعلى أن لاَ يسمح لعائق أن يحول بينه وبينها، وأن يواصل البحث دون كلل أو ملل، وإن تطلب منه بلوغ هذه الغاية إنفاق جميع الذي بقي له من أيام في هذه الدنيا ...
عبثاً بحث عنها هنالك، وسدى نقب عنها هنا وهناك، ثم دون جدوى أبى أن يقيم في مكان لا أثر لها فيه، فلقي في سبيل اقتفاء أثرها نصباً شديداً ورهقاً، ونال القلق منه مثل الذي نالته الحيرة، لكنه كره أن يستسلم، وشقَّ عليه أن يقرَّ بالفشل والهزيمة ...
فجأة، لاحتْ له من أغرته بالبحث عنها، وأجبرته على ملازمتها في يقظته ومنامه، فبدت له شادية محلقة في سمَاء أعماقه المضطربة، فأخذهُ منها العجبُ، ولم يصدق ما أفضتْ به إليه رحلته الطويلة المضنية، ثمَّ إن سكوناً فريداً لا عهد له به من قبل قدْ أظله بجناحيه، وهمس لهُ بما لم يخطر له يوماً على بالٍ ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com