في زيارة لي لأبي البحر، وجدت إحدى الموجات تسير بسرعة شديدة وهي مغرقة في التفكير حتى الأعماق، ناديتها، التفتت إلي ثم تابعت سيرها، لحقت بها حتى أدركتها وقد تقطعت أنفاسي، أمسكت بزرقة ثوبها الفاتن، أفلتت منى بقوة ومضت، أسرعت خلفها فسبقتها بجهدٍ، التفت إليها حتى وقفنا وجها لوجه، رأيتها مازالت شاردة، أمسكت بكتفيها برفق وسألتها:
- مابك ياأختاه ماذا أصابك، أراك شاردة التفكير؟
هزت بظهرها يمنة ويسرة، فأخرجت مافي البحر من أسماك وحيتان وقروش، وأغرقت بتحركها سفينة كانت تمر مصادفة بالقرب منا، رأيت الحزن يملأ وجهها بما سببته للسفينة المسكينة وللركاب الذين اصطادتهم الأسماك المتوحشة بفكها المفترس. ضقت بها صبرًا فقلت لها غاضبة:
- مابك أيتها الموجة ماالذي يحزنك؟
لم تجبني لكنها انتفضت وارتفعت، وهاجت، وماجتْ، فشعرت بنفسي فوق صهوة جبل شاهق، ومن ثم انحدرت إلى وادٍ سحيق، ياإلهي لقد غضبت الموجة، حاولت التملص منها، فسبقتني دون اكتراث، وقذفت بنفسها فوق صخور الساحل منتحرة، فتناثرت أمواهها الفضية فوق رماله الذهبية دون أن تنبث ببنة شفة من السر الذي استأمنتها عليه إحداهنَّ. يااااه ما أعظمك ياموجة أنهيت نفسك وما خنت الأمانة!
بقلم