بعد الحادث ..
هرعت لإسعافها , و في الطريق إلى المشفى ..
لم يكن همها إلا أن تطمئن عليّ - و أخي - ويشهد لها قرآنها و صيامها و إصبعها الممدود و شهادتا ألا إله إلا الله و أن محمدَّا عبده ورسوله ..
كانت بدرًا يشع نورًا بابتسامتها الهادئة وكنتُ أحسبني المودع بعد إصابتي في كتفي و رقبتي ..
و كم خشيتُ عليها من بعد موتي ..
فأنا أعلم الناس بها , لأنني أنيس وحدتها لسنين خلت ..
إلا أنها هي من رحلت و تركتني بعدها لأنياب القهر ..
,,,,,
أُمَّاهُ فَقْدُكِ ..
,,,,,
إِيَّاكِ يَا عَيْنَيَّ أَنْ تَتَجَمَّلِي=وَ اهْمِي سَحابَ الدَّمْعِ لَا تَتَعَطَّلِي
أَبْكِي وَ مَا جَدْوَى البُكاءِ وَ قَدْ مَضَى=زَمَنُ الحَنانِ وَ جَفَّ مَاءُ المَنْهَلِ !
لَنْ يَنْفَعَ الدَّمعُ الرَّخيصُ بِفَقْدِهَا=فَانْزِفْ فُؤَاديَ مِنْ دِمَائِكَ وَ ابْذِلِ
لَا تَرْفقِيْ بِي يَا هُمُومُ فَقَدْ عَوَى=جُرحِي وَ عَضَّتْنِي النُّيُوبُ فَأَوْغِلِي
قَدْ كُنْتِ بَاسِمَةً فَأَغْرَيْتِ الفَتَى=وَ حَطَمْتِهِ , مِنْ بَعْدِ غَدْرِ تَبَدُّلِ
وَ الْأَرْضُ قَدْ خُسِفَتْ بِرِجْلِيَ غَفْلَةً=فَتَزَلْزَلِي غَضَبًا عَلَيَّ , وَ زَلْزِلِي
وَ البَيْنُ هَشَّمَنِي عَلَى سِنْدَانِهِ=فَلْتَطْرُقِيْنِي حَسْرَتِي , هَيَّا افْعَلِي
إِيْهٍ عَلَى الَأَيَّامِ خَائِنَةِ المُنَى=وَ مُنَايَ - يَا أُمَّاهُ - أَنتِ وَ مَوْئِلِي
مِرْسَاةَ رُوْحِيَ , أَيْنَ بَعْدَكِ مَرْفَئِي ؟=يَا كَفَّ أُمِّي , أَيْنَ بَعْدَكَ سَاحِلِي ؟
أُمَّاهُ يَخذُلُنِي الكَلَامُ وَ لَيْسَ لِي=مِنْ صَاحِبٍ إِلَّا نَحيبُ تَعَلُّلِي
قَدْ صِرْتُ وَ الهَذَيَانِ صِنْوَيْ مَأْتَمٍ=بِالْغَمِّ وَ القَهْرِ المُقِيْمِ مُسَرْبَلِ
يَا أُمُّ فَقْدُكِ كَاجْتِثَاثِ حَشَاشَتِي=مِنْ خَلْفِ ضِلْعٍ بِالنَّزِيْفِ مُجَنْدَلِ
يَا أُمُّ خَلَّفَنِي غِيَابُكِ صَرْخَةً=تَجْتَرُّ حُزْنًا فِي زَوَايا " المَنْزِلِ "
لَا لَا تَظُنِّيْنِي - الحَيَاةَ - أَعِيْشُهَا=إِنْ مِتِّ , مَوتُكِ يَا حَبِيْبَةُ مَقْتَلِي
مَا انْفَكَّ يَحْصدُنِي احْتِضَارُكِ فِي يَدِيْ=حَصْدَ السَّنَابِلِ تَحْتَ حَدِّ المِنْجَلِ
وَ الإِصْبَعُ المَمْدُودُ يَشْهَدُ أَنَّ لَا=رَبًّا سِوَى رَبِّ الَأَمِيْنِ المُرْسَلِ
وَ شَهَادَتَا حَقٍّ بِثَغْرٍ صَائِمٍ=قَبَّلْتُهُ وَ نَسِيْتُ أَنَّةَ مَفْصَلِي
وَ يَدَانِ ضَارِعَتَانِ : ( يَا رَبَّاهُ أَنْ=أَنْقِذْ وَلِيْدِيْ , وَ اسْتَجِبْ لِتَوَسُّلِي )
نُوْرٌ - وَ رَبِّيْ - فِي مُحَيَّاكِ احْتَوَى=قَلْبِي وَ أَسْكَنَ بِالبَهَاءِ تَأَمُّلِي
وَ المِسْكُ - يَا اللهُ - عِطْرُكِ عِنْدَمَا=قَبَّلْتُ قَدَمَيْكِ ابْتِغَاءَ تَذَلُّلِي
يَا أُمُّ , مَنْ لِيْ ؟ وَيْحَ عُمْرِيَ طَعْمُهُ=فِي يَوْمِ فَقْدِكِ عَلْقَمٌ كَالحَنْظَلِ
يَا نَارُ , هُبِّي فِي حَنَايَايَ اسْعَرَي=إِنِّيْ هَشِيْمٌ , أَضْرِمِيْنِي , أَشْعِلِي
أَذْوِيْ وَ يُوْقِدُنِي الحَنِيْنُ مُجَدَّدًا=جَمْرًا عَلَى فَيْحِ اتِّقَادِي أَنْجَلِي
أُمَّاهُ , يَا أُمَّاهُ , مَزَّقَنِي النَّوَى=وَ الحَيْفُ أَذَّانِي بِنَصْلٍ فَيْصَلِ
وَيْحِي - أَنَا - مِنْ ذِكْرَيَاتٍ هَدَّمَتْ=أَرْكَانَ فِكْرِي تَحْتَ ضَرْبِ المِعْوَلِ
مَا بَيْنَ ذِكْرَاكِ الَّتِي مَا فَارَقَتْ=قَلْبِي , وَ بَيْنَ الحِلْمِ فَوْرَةُ مَرْجَلِ
وَ الموتُ يَسلخُنِي وَ يَكْشطُ هَامَتِي=وَ يَحُزُّنِي قَهْرٌ يُحَطِّمُ كَلْكَلِي
فِي خَيْطِ مسْبَحَةٍ أَدُوْرُ كَحَبَّةٍ=طَيْفًا عَلَى كَفٍّ هَمَى بِقُرُنْفُلِ
قُرْآنُ أُمِّي يَا كِتابًا لَمْ يَزَلْ=فِي رَاحَتَيْها فِي خِضَمِّ المَحْفَلِ
فَاشْفَعْ لَهَا وَ اشْهَدْ بِأَنَّ عُيُونَها=مَا فَارَقَتْكَ بِرَغْمِ هَوْلِ مُذْهِلِ
أَرْجُوكَ , تَشْفَعُ يَا صِيَامُ فَإِنَّهَا=رَحَلَتْ , وَ ثَغْرُ الصَّوْمِ لَمْ يَتَبَلَّلِ
يَا رَبُّ جَاءَتْكَ الشَّهِيْدَةُ نُورُها=يَسْري بِها , مِنْ خَلْفِ حَرْفِ تَبَتُّلِ
فَارْفِقْ بِها الَّلهُمَّ , أَكْرِمْ نُزْلَها=يَا رَبُّ يَمِّنْ , يَا إِلَهِيَ سَهِّلِ
أُمَّاهُ إِنْ نَطَقَ الزَّمَانُ فَلَيْسَ مِنْ=حَدَثٍ أَجَلُّ مِن افْتِقَادِكِ يَعْتَلي
وَ يُحَمْحِمُ الوَجعُ الدَّفينُ بِأَضْلُعِي=وَ يَؤُزُّنِي لَهَبُ الفراقِ بِمَعْزِلِي
مَا غِبْتِ عَنِّي طَرْفَ رِمْشٍ فَاعْلَمِي=أُمَّاهُ أَنَّكِ فِي ضَمِيْرِ تَحَمُّلِي
وَيْلٌ لِقَلْبِي مِنْ حَرِيْقِ رَحِيْلِها=مَا يَنْفَعُ الكُتَّانُ بَعْدَ المُخْمَلِ ؟
هَذَا دِثَارِي مِنْ لَهِيْبِ تَصَبُّرِي=وَ صُنُوفُ قَهْرِي - فِي الرَّحِيْلِ - تَزَمُّلِي
وَ اليومَ أَدْرَكْتُ الحَقِيْقَةَ , قَدْ مَضَى=زَمَنُ التَّآلُفِ وَ الوِدَادِ الْأَوَّلِ
قَلْبَانِ كُنَّا , قَدْ تَوَحَّدَ نَبْضُنُا=يَا قَلْبُ مَاتَتْ , يَا عُرُوقِيَ , فَاذْبُلِي
[/QUOTE]