فوائد السفر آخر تحديث:الثلاثاء ,19/08/2008
صالح الخريبي
في الماضي كانوا يقولون إن في الأسفار خمس فوائد هي: “تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد”، ولكنني اكتشفت هذا العام فائدة سادسة للسفر أثناء إجازة راحة أمضيتها في الريف هي: راحة الجسم وتجديد خلاياه، والتأمل في الطبيعة وتسبيح خالقها.والإنسان لا يستطيع معايشة الطبيعة واستيعاب أسرار جمالها إلا إذا تنقل في أحضانها على قدميه، كما يقول جان جاك روسو، أو على ظهر دابة في الأسفار البعيدة التي تستوجب الانتقال من مدينة إلى أخرى. والسفر بهذه الطريقة يتيح لك فرصة الاستمتاع بالأشياء من حولك، فهي لا تمر سريعة أمامك كما يحدث عندما تسافر بالسيارة، ولا تختفي وتتحول إلى سحب كما يحدث عندما تسافر بالطائرة، أو إلى ماء كما في السفر بالباخرة. يضاف إلى ذلك أن الدواب فئة رزينة لطيفة المعشر، فهي لا تتابع مسلسل “نور” أو “سنوات الضياع” في التلفزيون، ولم تتقدم للمشاركة في “ستار أكاديمي” أو غيرها، ولم يتفق لها أن سمعت تلك الأصوات التي نسمعها نحن في الإذاعات والتلفزيونات، ويفرضها سائقو التاكسي علينا عندما نستقل سياراتهم، وهي لا تمارس الحداثة في الأدب والفن، ولا ترسم لنا عين الإنسان على كعب رجله، وأنفه عند منتصف ظهره كما يفعل الفنانون الحداثيون، بل إنها لم “تتطور” إلى الدرجة التي تجعلها تدرك أن هذا العصر هو عصر السرعة، ولذلك حافظت على براءتها وسلامة طبعها، واستمرت في العيش وفق قوانين الطبيعة، بعيدا عن الزيف والافتعال وخداع النفس.
ولو كان ابن المرزبان المحولي يعيش بيننا هذه الأيام لأضاف إلى كتابه “فضل الكلاب على الكثير ممن لبس الثياب” كتابا آخر أسماه “فضل الدواب على الكثير ممن يشق عنان الفضاء ويمخر العباب”، استشهد فيه بإحصائيات حوادث الطائرات والسيارات في كل دول العالم، وقال إن هذه الحوادث لم تكن واردة في حساب امرئ القيس عندما سافر من كندة إلى بلاد الروم، كما أنها لم تكن واردة في حساب المتنبي عندما قال: “ذراني والفلاة بلا دليل/ ووجهي والهجير بلا لثام” لأن الدابة لا تصطدم بدابة مسرعة أخرى على الطريق فتتكسر الدابتان معا ويتأذى الركاب، حتى لو كانوا يتحدثون بالموبايل ويدخنون سيجارة الرجل العصري. والسفر في إجازة يحقق البهجة بالفعل ويجدد خلايا الجسم ويفتح آفاقا واسعة أمام العقل والقلب والروح إذا أمضيناه في أحضان الطبيعة في الريف، وليس في زحام المدن.