منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 73
  1. #51
    لن يتاح لرواد هذا المعهد أن يغادروه إلا بالتدريج.
    ونظر مولود إلى القاضي طويلا وعبث بثنيتيه, وهو يطرب للفكرة التي يتضمنها هذا الحديث. لقد كان دائما في شوق إلى مغادرة المعهد وألفى نفسه يتفوه بقوله:
    -حسنا ..إني أهوى هذا النظام.. متى أبدأ؟.
    -منذ اليوم , اذهب إلى مختار محلة أبي جرش فلقد كلفته بأن يهيئ لك محل إقامتك الجديد, وسيزورك فيه مراقب من جمعية حماية الأحداث, ليساعدك على الاستقرار.
    وظل نظر القاضي معلقا بمولود, وانتبه هذا وبادله نظرا متسائلا فأضاف القاضي:
    -انتبه لنفسك يا مولود, تسلم قيادك بشجاعة وإدراك ولا تسلمه منذ اليوم إلى أحد غيرك, فتنزل بك قدمك مرة أخرى, في هذه المرة ستختلف المعاملة, لأنك أصبحت في السادسة عشرة من عمرك ,فإذا اقترفت جرما لم يكن أمامك سوى السجن, لن تعود إلى هذا المعهد , وانا أربأ بك أن تصل إليه, أنت فتى كريم النفس ولا أظنك ستصل إلى هذا الحد أنت الآن حر.
    لم يرد مولود بكلمة ,بل نظر إلى المجتمعين بعينين مزدهرتين ملؤهما الأمل, ثم شكر وخرج.

  2. #52
    3-
    لا, ما أنت بالحالم ,لقد آن لك أن تصدق عينيك, أو ما تشعر باعتزاز وأنت مولود من جديد وقد ردتك إلى الحقيقة سنتان عشتهما بين جدران معهد كنت تحقره أول ما ولجت فيه, فإذا به يهديك حياة جديدة مفعمة بالأمل في مستقبل تملك فيه هدفك من الحياة.
    بينما كنت أنأى ما تكون عن موقعه؟.
    والآن تخرج إلى الأرض الفضاء, حيث الهواء نفسه مشبع بفرض النجاح والفتح.
    هذا ما ناجى به مولود نفسه, وإنه ليخرج من ديوان المعهد الصناعي العالي وقد سجل اسمه في عداد طلاب هذه الكلية ويمشي في الدنيا وكأنه مالكها.
    وللمرة الأولى ,منذ بدأ يعي ذاته ,شعر بقوة إرادته التي تعصف بوجوده في أن يولد من جديد, إنه يريد أن ينسى حداثته ومن عرفهم من قبل, إنهم بضعة أفراد عبروا حياته بغموض وفي ساعات ضعفه ,ليبدأ من أول الطريق إنسانا جديدا, وهو لا يجهل أن طريقه مازال مظلما وموحشا, ولكن الهام هو الخطوة الأولى, ألم يخط هذه الخطوة؟ إن لديه الهمة لإزالة كل عقبة أمام قدميه.
    ومع هذا فقد أعجزه آخر الأمر أن يرسم لنفسه صورة متميزة الأبعاد واضحة المعالم, مازال يتصور نفسه وعاء لم يكتلئ بعد, إناء يعوزه الامتلاء والكثافة, وماذا في ذلك؟
    ص 1013-
    لا, ما أنت بالحالم ,لقد آن لك أن تصدق عينيك, أو ما تشعر باعتزاز وأنت مولود من جديد وقد ردتك إلى الحقيقة سنتان عشتهما بين جدران معهد كنت تحقره أول ما ولجت فيه, فإذا به يهديك حياة جديدة مفعمة بالأمل في مستقبل تملك فيه هدفك من الحياة.
    بينما كنت أنأى ما تكون عن موقعه؟.
    والآن تخرج إلى الأرض الفضاء, حيث الهواء نفسه مشبع بفرض النجاح والفتح.
    هذا ما ناجى به مولود نفسه, وإنه ليخرج من ديوان المعهد الصناعي العالي وقد سجل اسمه في عداد طلاب هذه الكلية ويمشي في الدنيا وكأنه مالكها.
    وللمرة الأولى ,منذ بدأ يعي ذاته ,شعر بقوة إرادته التي تعصف بوجوده في أن يولد من جديد, إنه يريد أن ينسى حداثته ومن عرفهم من قبل, إنهم بضعة أفراد عبروا حياته بغموض وفي ساعات ضعفه ,ليبدأ من أول الطريق إنسانا جديدا, وهو لا يجهل أن طريقه مازال مظلما وموحشا, ولكن الهام هو الخطوة الأولى, ألم يخط هذه الخطوة؟ إن لديه الهمة لإزالة كل عقبة أمام قدميه.
    ومع هذا فقد أعجزه آخر الأمر أن يرسم لنفسه صورة متميزة الأبعاد واضحة المعالم, مازال يتصور نفسه وعاء لم يكتلئ بعد, إناء يعوزه الامتلاء والكثافة, وماذا في ذلك؟
    ص 101

  3. #53
    مرور سريع ولي آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ عودة
    استمتعت بالقراءة , لكم التحية
    غالب الغول

  4. #54
    ما أجملها من رواية , أشكرك أختي ريمه على هذا النقل المفيد . لك كل التحايا

  5. #55
    هب أنني قطار فلقد وضعت نفسي على السكة وسأسير إذا تابعت جهدي إلى غاية,, وأثناء الرحلة لابد أن أنتهي من حياة الصدفة الجوفاء الملقاة على رمل الشاطئ ,ولابد لهذه الصدفة أن تمتلئ بمعاني الحياة.
    على أن مولود لم يهمل الحقائق ,فقد شعر بأنه غارق في موجة رهبة.. من الوحدة, إنه وحده تبعه قبل أن تكون امتيازا ,فقد تكون وحده بحر اختفت شطآنه, فالهام هو اكتشاف هذه الشطآان, كان جانحا ولكنه كان مطمئنا إلى جو يعيش فيه ,له قواعده خاطئة, هذا أن يستحدث جديدا من العيش. العيون كانت ترقبه حين كان سادرا في الخطأ غير هيّاب الفضيحة.. مغامرا ,أما الآن فإن العيون ترتقبه لأمر آخر لترى إذا كان جديرا يحمل تبعة نفسه.
    تذكر نصح قاضي التحقيق: ليس أسهل من الانزلاق.
    وانتبه لنفسه فقال: ما بالك عالقا بذكرى الأمس ..يجب أن تفهم أن ماضيك سقط إلى الأبد.
    وكان جده حسنا ,فإنه بمجرد أن خرج من المعهد علق بالعمل الذي هيأه له المشرفون الاجتماعيون, فأقام في في الغرفة التي استأجرها, مختار محلة الشيخ محيي الدين, وثابر على الدراسة في المدارس الخاصة والمدارس الليلية, فلما نال شهادة البكالوريا كان معد له وسطا, ولقد ساعده مدير المعهد عندما زاره طالبا مساعدته ,فحصل له هذا الأخير ,على مقعد في المعهد العالي الصناعي, عند ذلك فقط شعر بالراحة والرضى يملأ جوانحه, إنه وفق إلى فتح عظيم, لم يعد بحاجة إلى الإقامة في المدينة, الآن إقامته في المعهد الصناعي العالي إقامة مجانية وداخلية.

    وسره أن يغدو مكفول الرزق لينصرف إلى الدراسة وحرص على أن يعطي جوارحه جميعا للدرس وعلى حضور المحاضرات.
    كانت أسعد أويقات حياته عندما يجلس وراء مجهره ليلقنه الأستاذ طريقة الاستفادة من المجهر وأسلوب استعماله, وعندما فاه الأستاذ قائلا:
    كل واحد منكم وراء مجهره ,تقدم من المنضدة التي أقيم عليها المجهر وضعت إلى جانبه, وكان يتبع كل إرشاد يصدر عن فم الأستاذ بحرص ودقة, وينظر في المجهر إلى تماسك ذرات المادة, ويعطي علامة لتماسك كل مادة تعرض عليه.
    وبدا لمولود أن درس المجهر ليس أجمل ما في هذه الدراسة..
    فهناك البحث عن وسائل جديدة...وسائل جديدة لاستحداث تماسك أفضل في المواد ووسائل لأحداث التطابق ..وهو إن ينس ,لا ينسى تعليمات الأستاذ الذي قال:
    -إحرص على أن تكون أبدا يقظان لمأتى الخواطر ,فإذا بصرت أو أحسست بإحداها يحوم على منافذ صدرك فافتح له الأبواب وأكرمه, وليكن لك بصر من حديد, إن البصر الحديد يكتسب بالمران...
    ص 103

  6. #56
    كان يستشعر بأنه في كل يوم يكتسب جديدا, إن في الدنيا مجالات للسرور لا يمكن أن يحصيها على أحدها هذا المجال.
    وقال أستاذ آخر:
    -أنتم أناس مكفولو الرزق فعبوا في دراستكم ما استطعتم فإنها فرصة لات عوض إن ذهبت, إن الحاجة إليكم وإلى مواهبكم منبثة في كل ثقب من الأرض أنتم المهندسون الصناعيون ,القطع النادرة أبدا لن تنجب الأرض العدد الكافي من المهندسين الصناعين.
    ****
    كان إلى جانب مولود في الرحلة فتى مثله في قاته ومنكبيه العريضين,, أشكل العينين جعد الشعر أشقره هو مصباح ,مازال يلا زمه حتى انعقدت بين الاثنين زمالة.
    وقال مصباح يحدث مولودا في إحدى الاستراحات التي تتخلل الدروس عندما لاحظ عينيه تدمعان.
    -إنك يا صاحبي "محدور" فهل طلبت استراحة؟
    فأجاب مولود:
    -ليس عندي متسع من الوقت من أجل المرض ,فإن المستقبل ينتظرني وهو بحاجة إلي.

    خير لي ألا أفكر بأني "محدور" فذلك أدعى إلى أن أسلو المرض ,هذه الحمى الصغيرة فتنتهي.
    وظل مصباح ينظر إلى مولود متعجبا ,وكأنه أعجب بما جاء على لسانه فتأبط ذراعه وسارا في باحة الكلية.
    وفي المساء اجتمع الطلاب في المقصف, فقلد أزفت ساعة الاستراحة التي تسبق الدخول إلى صالة المطالعة: هي ساعة ينفض الطلاب فيها عناء العمل أثناء النهار عن أذهانهم بالحديث والمشوبات.
    كانت شفتا مولود تتلمظان بالمثلجة التي طلبها وهو ينظر إليها في شهية ورفقاه منحوله: مصباح وحامد وأنيس و أنيس وكاظم ونعيم ,كل منهم عاكف على ما طلبه ,والصمت يرين عليهم, كأنما هم في استحمام وفترة تخفز ,وفجأة علا صوت كاظم يصيح:
    - ما بالكم يا جماعة صامتين, بعد غد يوم الجمعة ويصادف السبت يوم عطلة, وغدا ظهرا يطلقنا المعهد في إجازة فيذهب كل منا على وجهه, فليذكر كل منا ما الذي سيفعله في هذه الإجازة الطويلة.
    وقال أنيس:
    -أما أنا فبلدي بعيد ولن يتاح لي أن ألقى أهلي في هذه العجالة ولابد أن أجد وسيلة لتمضية هذه الفترة ,وإلا أصبحتم أنتم مسؤولين عن النتيجة.
    وإجابه حامد:
    -لماذا لا تأتي إلينا في بيتنا سيرحب بك والدي, إنه مضياف ويحب الحديث مع الآخرين. لسوف يسر مني إذا أحضرت له محدثا بارعا مثلك, إنه متقاعد وليس له عمل سوى المطالعة, هلا حضرت إلينا.
    ص 106

  7. #57
    وأجابه أنيس:
    -إذا كان الأمر ما تقول فلست أفضل صحبة أخرى على هذه الصحبة الحلوة ,ولكن بشرط.
    -و ما هو؟.
    -أنت تعلم أني لا أستطيع أن ألبث دقيقتين دون أن أمزح فيجب أن تحتملوني.

    وأجاب حامد وهو يبتسم:
    --هذا من حقك ,وفي مقابل ذلك لي أخ قاض, سيكون بيننا وأظن أن لا مانع لديك إذا أنت أثقلت المزاح أن يقيم عليك الدعوى أمامه فيحكم عليك مع تعجيل التنفيذ .
    وضحك الجميع دفعة واحدة, وقال نعيم:
    -أما أنا ,فأعشق الرحلات, ولسوف أخرج على دراجة أنا وأخي في نزهة إلى نبع بردى.
    وحانت التفاتة من مصباح إلى مولود, فألفاه جامد القسمات يشارك في الضحك والابتسام ولكن التكلف باد عليه, ولما يعرف من أمره أكثر في الضحك والابتسام ولكن التكلف باد عليه, ولما يعرف من أمره أكثر من غيره, فقد جد في تغيير الحديث ,فقال:
    -هل انتهى اليكم هذا الخبر؟.
    والتفت الجميع إليه فقد نسوا الموضوع الذي أفاضوا في الحديث عنه, وقد تجلى على محيا كل واحد منهم الاهتمام والتساؤل, وتابع مصباح:
    -لقد استحضرت إدارة المعهد مجموعة من الكتب عن الصناعات الالكترونية وهي تبيعها بثمن مناسب.
    وصاح مولود:
    -أصحيح هذا؟.
    وأجاب مصباح:
    -وألف صحيح ,يبدو أن الموضوع يهمك.
    -أي واله ,إن نفسي تنزع إلى هذا النوع من المعرفة والاختصاص.
    وعندما خرج مصباح ومولود من المطالعة كان الصمت ثالثهما.
    وأدرك الأول ما يجول بخاطر زميله, فأسرع لكسر جدار الصمت وقال:
    - لماذا لا تزورنا غدا يا مولود؟.. ستجد أهلي يرحبون بك.
    وكان مولود يتوقع مثل هذا السؤال مفاجأة.. ولطالما أراد أن يتجنبه ,و ها هو يستهدف له,و لئن لم يكن السؤال مفاجأة إلا أن الجواب متعذر, لك يكن كارها الاجتماع وبوده لو يجيب وقد اعتاد الحياة مع الآخرين, وسبقته كلمات رنت في ذهنه:
    -إذا كان هذا ..لا يثقل عليك فليس أحب إلى من نفسي. ص 108

  8. #58
    لكن مصباحا لم يسمع هذه الكلمة لأنها لم تنطلق من فم مولود, وحاول الأخذ بيدها في سبيلها إلى فمه ولكنه أخفق.
    وأمام نظرات مصباح المتسائلة قال:
    -سأزورك يا مصباح في وقت آخر, هذه الإجازة طويلة مرصود لها عندي عمل آخر أريد أن أنجزه.
    ونظر مصباح طويلا إلى مولود واكتفى بأن قال:
    -هذا عهد؟
    -هذا عهد.
    قالها مولود وهو يتنفس فقد انزاح عن كاهله في الوقت الراهن حمل ثقيل, وافترق الصديقان وجاء من أعماق مولود سؤال:
    -لماذا خذله بهذه الغلطة؟.
    وارتسمت علة جبهته غضون وأجاب نفسه:
    -لا أدري كيف أجبته ولماذا أجبته بهذه الكلمات.
    ومشى كأنه يحمل تحت إبطه شيئا مكتوبا عزيزا عليه يخشى أن يفضحه, وتلفت إلى الوراء فلم يجد وراءه أحد ,كان مصباح قد ابتعد ثم اختفى, ومع هذا ظل مولود يتلفت إلى الوراء ويرقب, وأدرك إذ دهش لهذه الحركة, أن التلفت ليس في عنقه ورأسه ولكنه في أعماق نفسه.
    إنه يتلفت إلى الماضي وقد ود لو أن هذا الماضي يختفي للأبد كما اختفى مصباح.
    **********
    قال شاكر لمولود وقد اجتمعا في ردهة المعهد الصناعي العالي ظهر يوم الخميس بينما كان مولود يتأهب لمغادرته:
    -لقد أخذت لكل شيء أهبته, فإن الباص مهيأ وهو ينتظر في طريق قرية, قريبة من المدينة هذه, و ما علينا إلا أن نتجه إليه, والمكان كما تعلم قريب.
    وقال مولود يجيبه: حسنا وأنا لدي خبر هام ,فإن واحدا من أترابنا الذي كان قد سافر إلى الأرض المحتلة قبل أشهر أي بعد تخرجه من معهد الأحداث كما كنت أخبرتك به, قد حضر قبل يومين وأعطاني تفاصيل ما تصنعه السلطة المحتلة هناك, لهذا صار بوسعي أن أفصل لك ماكنت أجمله أول أمس ليكون كل واحد منا على علم بالمهنة التي أخذنا بها أنفسنا ,انك لتعلم أن الصحف في العالم ومنها العربية مضى عليها سنون وهي تطلع علينا بأخبار الأحكام التي تصدرها المحاكم في الأرض المحتلة, منها المؤبد ومنها العشرون سنة ومنها ,,ومنها,
    والحقيقة التي لم تنشرها الصحف والتي تجلت لنا بعد العثور في الأرض المحتلة على بعض هؤلاء المحكومين هي أن السلطة هناك تمارس عليهم بعض أساليب التعذيب المؤذية التي قد لا يكون لمن تعرض لها خلاص منها أو من آثارها فيما بعد.
    حتى إذا أصبح من بعد ذلك عاجزا أو ذا عاهة ,لا يرجى منه نشاط. ص 109

  9. #59
    أطلقته قبل نصابه الزمني ليبقى كلا على أهله ولمآرب أخرى .
    -ألا تخشى هي تألب الرأي العام الدولي؟.
    -وهل يرجى كبير أمل من هذا الرأي العام.؟
    وسكت شاكر وهو يفكر ,وأضاف مولود:
    -إن مشروعي هو تلقف هؤلاء وتدبير أمرهم ,وقد ألهمتني إياه حادثة مؤلمة, إذ كنت قد عثرت يوما على واحد نم هؤلاء التعساء وصل الى هذا البلد بأعجوبة, لقد وصل كدا مرهقا فوقع, فإذا به كفيف البصر, كان قد مشى أياما وليال يتكفف الناس فيجودون عليه بكسرات الخبز والدراهم.
    وهذا ما حفظ عليه رمقه.
    لقد أخبرني أن همه كان الوصول إلى هذه المدينة لأنه لم يبق له هناك أهل, والآن تفاصيل المشروع أرسمها لك في فرصة أخرى ,هيا.
    ومشى شاكر ومولود, فلما أصبحا على مسافة مئة متر من المكان ,لاح لهم باص أحمر اللون, حين اقتربا منه وجداه فارغا, كان سائقه مكبا على المقود, ويبدو أنه شعر بصوت وطء أقدام على الحصى, رفع رأسه وبدأ بمعالجة المحرك.
    وأثناء سير الباص عاد مولود يتم قصته.
    -كانت هذه فكرة الاسرائيلي عاموس ابراهام, وقد نشرت بعض الصحف هناك ريبورتاجا بالعبرية عن هذه الطريقة, وجاء فيه أن أحد أعوان عاموس هذا ,في سبيل الاستزادة من شرح الخطة التي طبقها على من سمتهم مجرمين من المقاومين سأله قائلا:
    -ترى من يتولى حراسة هؤلاء المجرمين؟
    فأجابه عاموس بسرعة عنف:


    -رجال أشد منهم إجراما.
    وقال: وصار هذا هو القاعدة المتبعة على الأيام, ولما كانت هذه الخطة متعبة لأعصاب منفذيها, كما تبين عمليا ,وبما أن السجون هناك موجودة في الصحراء بعيدة عن العمران ,فقد كان حكام هذه السجون يسمون لسنتين فقط بنقل واحد هم بعد قضائها الى مركز آخر.
    وكان منهم رجال حسنت نيتهم وعظم رجاؤهم ,فحملوا معهم في عودتهم مشروعات معاكسة ضخمة, بيد أن رجال الإدارة الكبار. الادارة الدائمة هناك احبطوا اعمالهم قبل أن يبدؤوا ,فكانوا –على ما تسرب الينا-يلفقون تهما توجه اليهم حتى تستدعيهم الحكومة فتوصم حياتهم السياسية بالعار ,عار مساعدة الضعيف ةالاشفاق من تلك الاعمال, وأما سلطانهم هم فماض الى ما شاء الله .
    لقد حكى لنا هذا ناج من سجون اسرائيل وقال: إن الذين يفرج عنهم من سجون الأرض المحتلة هم أشقى ممن يبقون فيها طرا, وأحقهم بالرثاء, فقد قضى هؤلاء الرجال في غياهب السجن طول المدة التي حكم بها عليهم,إلا أنه كان مفروضا عليهم بحكم قانون المحتل أن يظلوا في إحدى المستعمرات مدة أخرى تعادل مدة سجنهم إذا كانت أقل من ثماني سنوات, ثم كان عليهم أن يدبروا أمر معيشتهم أو يدبروا المال لرحلة العودة إلى مسقط رأسهم ,ولما كان من المستحيل على الرجل هناك أن يكسب أكثر من ليرة في اليوم عند أرباب العمل في المستعمرة تعطى لهم بصورة مواد غذائية .
    ص 112

  10. #60
    فقد كان الحكم بالسجن في هذه السجون حكما مؤبدا, هؤلاء الذين أفرج عنهم كانوا يظفرون بالمأوى والمأكل والملبس يوم كانوا في السجن, فصاروا بعد الإفراج عنهم يهيمون على وجوههم في المستعمرات ,فتراهم في أسمال بالية ووجوه هزيلة ,لم تحلق ذقونهم ولا قص شعرهم منذ أسابيع, وهم يتلمسون فتات الطعام ليأكلوا, وقد كان القول الشائع بينهم: "تبدأ مدة عقوبتك ساعة تسترد حريتك, وفي أحد السجون على مدينة ساحلية, حاول كل المسجونين تقريبا أن يفر, فنجا بعضهم ولكن فئة قليلة من هؤلاء الفارين بلغت ما أرادت, أما البقية فقد قضت عليها قروش البحر, وغوائل الرمال المتحركة أو الجوع .
    وسأل شاكر مولود:
    -وماذا تنوي أن تفعل بمن ستتلقفهم.
    -في رأسي مشروعات كثيرة ,أول ما ينبغي فعله هو إعادة تأهيلهم من جديد للحياة العادية, لقد حطم السجن التعذيب معنوياتهم أي تحطيم, ثم لا تنس أن حديث هؤلاء حديث شيق.
    فاه مولود بهذه الجملة وهو يغمز بعينيه ,وقال شاكر:
    -فهمت قصدك ولكن أليس هذا من عمل الحكومات.؟
    -لا أعتقد ,أحر بالأفراد أن يقوموا بهذه الأعمال.
    -وهل مهدت لمشروعك هذا بموارد كافية.؟
    -كل مشروع يبدأ يكفي له القليل الأقل من المال ,فإذا كان وراءه تخطيط جيد اكتفى بنفسه أو بأكف المحسنين.
    -فهمت مشروعك جيدا, صنف ما تتوصل إليه من معلومات ستستفيد منها يوما ما.
    ونظر مولود إلى شاكر طويلا ثم قال له:
    -أتدري ما الذي جعلني أشركك بمشروعي يا شاكر؟.
    -ما هو؟.
    - أننا نشترك معا في خصيصة واحدة.
    -قل لي ماهي؟.
    -أنت تدركها ولكنك لا تستطيع الإفصاح عنها ,إنها الخصيصة التي دلنا عليها عاموس إبراهام عندما وصف بها رجاله .فأنا بالنسبة لرجال عاموس في شوق وتلهف لأتمتع بمثل صفاتهم ولكن لسبب وحيد وغرض وحيد هو أن أقوم أمامهم أنفا لأنف ,ما قولك؟.
    -لقد ترجمت يا مولود شعوري .نحن خريجو معهد الأحداث, ولكن قل لي ما الذي حدا بك فملت إلى مثل هذه المشاريع.؟
    -لست أذكر تماما ,أكانت مقالة في مجلة فرنسية أو صورة شمسية معروضة في دكان أو ملاحظة عابرة وقعت في سمعي هي التي حفزتني, ولكن كل ما أعرفه أن ما قرأته أو سمعته ,كان على الشكل التالي :
    تحرك فرد بذاته ولوحده أوقع دولة بذاتها,
    كانت هذه الجملة تدوي في أعماقي تتردد كأنها رنين ناقوس ضخم .ص 114

صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •