منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 73
  1. #41
    كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
    فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
    رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
    أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
    وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
    ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
    وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
    -أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
    كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
    -إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
    وبعد لحظات قال له:
    -لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
    ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
    وقال المدير:
    -مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
    فدمدم صقر:
    -وأين السجن؟
    كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
    إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
    وفاجأ المدير بقوله:
    -ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
    ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

    وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
    -عليك أنت وهذا المعهد القذر..
    ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
    ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
    أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
    واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
    فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
    دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

    وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
    -سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
    ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
    ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
    -يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
    فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
    -الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
    أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82
    كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
    فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
    رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
    أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
    وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
    ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
    وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
    -أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
    كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
    -إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
    وبعد لحظات قال له:
    -لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
    ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
    وقال المدير:
    -مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
    فدمدم صقر:
    -وأين السجن؟
    كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
    إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
    وفاجأ المدير بقوله:
    -ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
    ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

    وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
    -عليك أنت وهذا المعهد القذر..
    ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
    ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
    أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
    واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
    فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
    دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

    وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
    -سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
    ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
    ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
    -يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
    فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
    -الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
    أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82

  2. #42
    ومع هذا ,فقد امتنع صقر عن توثيق أواصر الود مع أي من الفتيات أو المدرسين,فإنه لفي الباحة في اليوم التالي,يداه في جيبه ,عابس الوجه جهمه,حين جاء إليه زاهر الغلام الخفيف الظل على كل نزلاء المعهد تتلقفه الأيدي بالرفق والتدليل,لأنه لا يسيء إلى أحد ويخدمكل شخص بلا استثناء وهو صغير السن اعتبره نزلاء المعهد أخا صغيرا لهم.
    يتناقلون تدليله والتلطف به النزيل عن التخرج,جاءه زاهرا يأخذ بيده ومسح عليها تحببا,وإذا بصقر يرفع اليد ويلطم الصغير على خده لطمة أدمت شفته.
    ولحسن حظ صقر كان المدير ساعتئذ يخرج من غرفته ,فشاهد الحادث ,وأحس بنذير العاصفة,فلقد بدأ الفتيان بالتجمع حول صقر وهم يهمون بالاقتصاص منه لزاهر الصغير.
    إلا أنعم حين لمحوا المدير يقترب ,عادت الخ
    وات منهم للوراء.
    وجاء المدير بكل هدوء فأخذ بيد الاثنين صقر وزاهر ودخل بهما غرفته ,وهناك أجلس زاهرا أمامه على المكتب وصار يمسح على رأسه ويهدئ من روعه وأخرج منديلا فمسح قطرة الدم التي سالت من شفته.
    وقدم له علبة فيها أنواع السكاكر ,فانتقى منها واحدة ,ونظر إليه المدير وقال:
    -أعرفك يا زاهر مضيافا وكريما ,أليس في الغرفة سواك؟
    ونظر زاهر إلى المدير ثم نظر في خوف في وجه صقر ,ولبث على ذلك لحظات,يردد بصره في الاثنين ,وكانت نظرات المدير وبسماته تشجعه على المضي قدما,ثم دنا كفه شيئا فشيئا من العلبة,وأخذ منها قطعة ثانية ناولها إلى المدير وقطعة ثالثة ظلت في يده بضع لحظات,وظل بصره منكسا يتدبر أمره وقد عذبه التردد والخوف من مفاجأة جديدة من صقر,وإذا به وبشكل فجائي يمد يده بقوة إلى صقر بقطعة السكر ولما لم يجد من هذا الأخير استجابة وضعها على المكتب أمامه.
    كان بصر صقر مسمرا على زاوية من الغرفة لم يطرف له جفن ولم يتحرك فيه عضو ,ووجهه مازال متجهما,ثم نهض بحركة مفاجئة وسريعة وغادر الغرفة.
    وقال المدير يخاطب زاهر بعد خروج صقر:
    -لا تزعل يا زاهر ,سوف يحبك صقر ,على كل حال حصلنا على تقدم لا باس بقدره ق=فإنه لم يمسك على الأقل بأذى حين قدمت له قطعة السكر,وحين دلفت الشمس من سمتها تميل إلى الأفق ,جاء وقت الرياضة ودروس الموسيقى.
    كانت القواعد في المعهد تقضي بتجنب إلزام أي واحد من نزلائها بممارسة العزف على الآلات الموسيقية,ووقف صقر يشهد أداء الطلاب للحركات السويدية ثم عبثهم على الآلات الموسيقية,وسمع قول وهو يبتعد:
    -هي ألعاب للأطفال..
    وحانت من المدير التفاتة,فإذا بأحد المدرسين يخرج من الفصل فاستوقفه وسأله عما إذا كان صقر يتعلم شيئا في الفصول,وقال المدرس:
    -إن صقر يتعلم أكثر مما يظهر عليه,إلا أن الذي لا مراء فيه هو أن البغضاء تنهش قلبه.ص 84

  3. #43
    ومع كل ذلك فقد سمع المدير يقول مرة لقاضي التحقيق الذي حضر يتفقد أحوال المعهد:
    -لا يبدو أن صقر يستمتع بما أوثر هبه أو يخصه به المدرسون ,بطلب من الرعاية والعطف,كما لا يبدو على قسماته مايشير إلى أنه مغتبط بما يصنع من عزف على الموسيقى,انتهى أخيرا إلى الاقتناع بممارسته بعد تمنع طويل,حتى إنه في المرحلة التي قام بها نزلاء المعهد والتي أحطناهم فيها بكل الاحتياطات اللازمة,لم تند عنه بسمة أو صيحة حين مارس صيد السمك وعلقت سمكة بشصه,فكان أن ضج الآخران من لدائه بالصياح والسرور بينما ران على نفسه نفور من كل شيئ,من كل فتى ,وصار ألوذ بالصمت مما كان.
    وأضاف المدير :
    -إن في نفس هذا الفتى فسادا بعيدا عن منالنا,ومع هذا فإن الغاية تبرر الذهاب إلى نهاية التجرية.
    ومع كل الأناة التي اتصف بها المدير ,فقد ساوره حزن عميق,كاد يتحول إلى يأس من إصلاحه,حين دخل عليه في صباح اليوم التالي وكانت عيناه تتقدان حقدا.
    كان الفتى قد برح به شوق لا يقاوم إلى حياته الأولى, وهو ينزع بكل كيانه ,وفي كل لحظة إلى الهروب من المعهد الذي وصفه بالقذارة في أكثر من مناسبة,إن قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو استيقظ,تجلت له فكرة الهرب جذابة لا تقهر.
    وانصب سخطه على المدير فهو في عينيه أصل البلاء والعائق الضخم بينه وبين ممارسة حريته,نسي تماما أنه محكوم من المحكمة بالبقاء في المعهد سنتين من الزمن.
    هو لا يرى رأي الآخرين بأنه شرير ,سلوكه هو المنطق بعينه.
    كل إنسان له دأب في الحياة يعيش بوسيلة وهو له وسيلته.
    ليس هناك شخص خير من شخص,كل الناس سواسية,خلق يعيشون يأكلون ويشربون..وما ألفاظ الاستقامة والخير,التي سمعها ,سوى لغة من لا هم لهم في الحياة.
    شاهد في حياته صنوفا من البشر,فاعتقد أن هذه الصنوف التي اعتاد التعامل معها هي كل من في الحياة,رجل الأعمال صاحب المحل الذي يتجر بالحشيش,ويطلب النائب رضاه ويثني على جهوده
    والغلام الذي يفترس الطفلة القاصرة والحي المزري الذي نشأ فيه.
    هذه هي الحياة فلماذا يقولون أن هناك شرا أو خيرا؟.
    ما هو الشر وما هو الخير؟
    ذلك النائب كان ولده قاطع طرق معتد على طفلة ومع هذا ترك يسرح ويمرح.
    فلماذا ينكس رأسه ليختفي عن العيون؟.
    ليس هو جبانا فهؤلاء الناس المهازيل,هو يشعر بأن عناده وإصراره على أن يكون ما كان انتصارا
    وإذلال لأولئك الذين يفخرون بغير حق,بأنهم خير منه.
    ليكن شريرا ولكنه سيكون شريرا بعناد وإصرار.
    طافت كل هذه الأفكار في رأس صقر واستعرضها مرة ثانية فانتشى ورفع رأسه عاليا وقال يخاطب المدير:
    -مازلت تتوسل بكل حيلة لكي تستملني,ولكن حيلك لم تنطل علي,ولو كنت حقا تطلب لي الخير,لكنت مع ذلك مغفلا لو انقدت إليك ,وقد كدت أنقاد,ولكنني جعلت أتفكر أمس في كل ذلك واليوم عرفت السر
    .ص 86

  4. #44
    كان في لهجة صقر وقوله معنى الجد الصارم والرجولة ,فليس هذا القول قول فتى وقح بائس, فترات للمدير شعاعة من رجاء ساعة رأى اختلاجة لطيفة على شفتي الفتى.
    قال صقر:أنت رجل دجال.
    وقال المدير:إما أن تقيم الدليل عل ما تقول وإما أن تلقى معللة مذلة من اليوم فما بعد..
    فقال صقر:
    -إليك إذن الدليل :لقد رفست أنا اليوم أحد المدرسين ,فماذا تقول عني الآن؟
    -مازلت أرى فيك فتى كريم النفس اسمه صقر.
    وقال صقر:
    -إن قولك هذا مصداق لقولي,فأنت لا تكف عن ترديد هذه الأكذوبة ,وأنت بذاتك تعلم أنها ليست سوى أكذوبة ,أليس هذا دليلا على أنك رجل دجال...فلماذا لا تجعني وشأني وتفتح لي باب المعهد فأذهب في سبيلي وأكفيك شري؟
    فأجاب المدير:
    -من ذا الذي يغلق دونك الباب؟أنت حر يا صقر ..حر صدقني إذا قلت لك أنت حر..
    -وهذا دليل جديد على أنك تكذب.
    وبدا المدير كمن يجول في حنايا قريحته لعله يجد في زواياها ما يقهر منطق هذا الفتى المتوحش.
    إن هذه اللحظة هي حد الفصل فإما أن يخفق وإما أن ينتصر ويريح الفتى إلى الأبد.
    وقال المدير:
    -اسمع يا صقر ,أنت فتى ذكي ,وتدرك حق الإدراك صحة القول تى قام الدليل عليه.
    فقل لي من هو الفتى الكريم النفس ؟الفتى الكريم هو الفتى الطيع .أليس ذلك صححا؟
    وقال صقر :نعم هذا صحيح.
    وقال المدير:هو الفتى الذي يصنع ما يطلب منه معلموه.
    -نعم بكل تأكيد فهل تراني أطعتك في شء حتى الآن؟
    -لا تعجل سآتيك بالبيان والبرهان.
    عندئذ تنفس المدير ولاح كأنه استراح من نصف عبء ثقيل حين شبك أصابع يديه ببعضها ,وقال وهو في ذروة ثقته بنفسه.
    -كل ما صنعته أنت يا صقر حتى الآن إنما كان ذلك غير ,وكل ما في الأمر أنك لم تلق سوى أفسد المعلمين أمثال أبي معروف وأبي لبادة,وهم المتشردين والصعاليك,ولكنك أطعتهم ,لا ريب في ذلك أبدا.
    ص 87

  5. #45
    وقد صنعت كل عمل فاسد علموك أن تصنع ,فلو كنت تطيع المعلمين الصالحين الذين في هذه المدينة,كما كنت تطيع أولئك المعلمين,لكنت كخير الناس.
    أتم المدير كلامه هذا وهو يتوقع تأثيرا مباشرا وأكيدا على هذه الكتلة الصخرية القاسية,وقد كان حدسه في محله.
    فإن هذه الكلمات البسيطة والقليلة وهي تنطوي على حق لا نزاع فيه,فعلت في نفس صقر فعل السحر وصاغت للمدير نفسه كأمهر ما تصوغ يد صناع نفسية طفل غرير.
    وبالفعل فقد ذهل هذا اللغز الإنساني أول الأمر ثم تألقت عيناه ,فدنا من حافة المكتب حيث سقطت أشعة الشمس,وفي تلك اللحظة أيضا كانت نفس المدير قد استجابت للانقلاب المفاجئ الذي حدث في نفس الفتى ففتح ذراعيه,فارتمى صقر فيهما ثم ألقى برأسه على على قلب المدير وذرف دمعا سخيا.
    عندئذ دخل المراقب غرفة المدير فلم ينتبه إليه صقر ,ولكن المدير شاهده فأشار له إشارة خفية بالتواري,فاختفى.
    وكان أن أرسل إلى المراقب بالفتى صقر ليتم ما بدأه هو من صياغة جديدة لهذه النفس الإنسانية غير العادية,وهكذا.
    أوعز المدير إلى صقر ليتصل بالمراقب وليذكر له كل ما يفكر بالحصول عليه ,وهذا ما كان فإن صقر وقد امتلأ قلبه ثقة بالمدير,ذهب حيث أراد له المدير أن يذهب.
    كان من تقاليد المعهد أن لايلجأ في معاملة الأحداث الجانحين إلى التدبير التالي مالم يستنفذ التدبير الأول.
    وعندما وصل إلى المراقب ,تعاقب هذا عليه هو والمحلل النفسي,فبدأ المراقب ووضع أمام الفتى ألواحا من البلاستيك الهش المثبتة جيدا وقال:
    -هذه الألواح لك ففجر كبتك فيها ..حطمها,لقد تراكم في نفسك ياصقر كبت أعوام طويلة فنفس عنه.
    رفع الفتى إلى وجه محدثه نظرا مستريبا وظن أن الرجل يسخر منه إلا أن إلحاح المراقب جعل نظراته تعود وقد أذبلها الاقتناع,فقام على الأثر بتوجيه ضربات من قبضته القوية إلى هذه الألوح واحدا بعد واحد حتى حطمها فأتى على عشرة منها.
    كان الدكتور جابر المحلل النفسي حاضرا ينظر إلى الفتى وهو يفعل باهتمام,يرقب مايرتس على وجهه من أسارير ,كان عابسا في بادئ الأمر,ثم مالت عقد حاجبيه إلى الانرافج ,وبدون أن يلفظ بكلمة تحرك من مكانه واتجه إلى صقر الذي كان ينظر إلى قبضته وهو معجب من قوتها قبضته التي مازالت منكمشة ووجهه أحمر فأخذ بهذه اليد قائلا:
    -تعال.
    ومشى به إلى غرفته التي اتخذ فيها عيادته النفسية في المعهد.
    ص 89

  6. #46
    جلس الطبيب وراء مكتبه بعد أن أجلس ضيفه الصغير على كرسي يختلف عن الكراسي العادية بمسنده العالي الذي يخفي رأس الجليس إذا ما نظر إليه من الخلف,وبذراعه المكسوين باللباد والمخمل ,وقد غطس صقر في نوابض المقعد الوثير وبانت عليه الراحة والدعة,وراح الطبيب يوجه إليه نظرات مستطيلة صامتة,والفتى يتطلع إليه بنظرات متسائلة,ثم قام الطبيب من وراء مكتبه فتناول كرسيا عاديا من الخيزران وجلس ملاصقا له وانحنى عليه واضعا ذراعه على مسند المقعد وقال:
    -أنت يا صقر مستريح في مقعدك هذا؟
    -نعم
    -أنت في غاية الدعة ,نفسك راضية أتم الرضى وتفكيرك محرر من كل قيد ,أنت مستريح..مستريح أتفهمني؟
    -نعم نعم
    -أنت مستريح تماما عضلاتك مسترخية ليس في ناحية من جسمك أي تقلص أو تشنج.
    -نعم
    -أنت الآن صفحة مكشوفة أنت مستعد لأن تفيدني بكل ماجرى لك في ماضي حياتك.
    -...
    -أنت مستعد لأن تفيدني عن تلك الحياة منذ اللحظة التي وعيت فيها على الدنيا ,لا تترك شاردة ولا واردة إبدأ تذكر لك ذاكرة قوية وأنك ستبدأ من أول لحظة وعيت فيها على الدنيا ,صقر أنت معي أليس كذلك صحيحا؟
    -نعم نعم
    -إذن فابدأ
    كان الفتى مع كل يتلفظ بها الطبيب المحلل يشعر باسترخاء وأحس بأنه راغب في تسليم قيادة برضى,
    ثم غشيه سدر في عينيه وخدر في أعضائه ,يساعد على ذلك هذا المقعد الوثير الذي لم يجلس في حياته على مثيل له ثم استشعر بأن المقعد يشبه أما رؤوما تلمه في حضنها وهو غاطس فيه يحتويه ويحنو عليه,وفتح عينيه مرة أخرى على الطبيب,فلم يجد ضرورة لأن يستعدي على الطبيب بأي بادرة عدائية ,وتوارد إليه من هاتين العينين الموجهتين إليه كمنبعي ضوء شديد دفء ,فرغب رغبة شديدة بالاعتقاد بأن هذا الطبيب صديق ,لابل إن كل من في المعهد أصدقاء ,ودغدغة هذا الشعور واستجابت نفسه لأسئلة الطبيب,يريد أن يتكلم الكلام الجاهز لديه وراء هذا الجبين لا حاجة لبذل أي جهد لإفراغ حمولته منه:
    -فتحت عيني في بيت أم محمد كانت أم محمد.
    كان يتفوه بكلامه هذا وصوته يسمع وكأنه صادر من بئر عميق ,وقد ذبلت عيناه وظل يقص ببطء وأناة, واكشف أخيرا بأنه يثرثر يتكلم كثيرا ويلذ له أن يتكلم كثيرا ,أن يثرثر حتى إذا مضى عليه نصف ساعة زاد ذبول عينية فنام.
    وضغط الطبيب زرا فجأة احد مستخدمي المعهد , فأوعز له بأن يلقي على الفتى غطاء خفيفا ويراقبه حتى يستفيق ويسوقه إلى غرفة الطعام. ص 92

  7. #47
    في اليوم التالي بينا كان صقر في المهجع يهم بالنهوض من فراشه صباحا,جاءه مستخدم المعهد وقال له:
    -حضر نفسك للاجتماع بالدكتور جابر.
    وتنفس نفسا عميقا أمام النافذة المطلة على البستان .كان الزمن في شهر أيلول,وبرودة محببة ترد من فجوة النافذة المفتوحة الدرفة وتئاءب وتمطى وابتسم..
    ما أجمل أن يعيش المرء ثم أسرع فغسل وجهه وارتدى ثيابه.
    كان الطبيب ينتظر في عيادته حيث أوعز له بالجلوس على المقعد الوثير ذاته وقال له:
    -هانحن نأخذ أهبتنا للحديث ,أنت مستريح في مجلسك هذا أنت مسترخي العضلات,أنت صافي المزاج ,وعلى استعداد للحديث عن نفسك ,عن صفحات حياتك المطوية.
    -نعم
    -إذن ابدأ من النقطة التي انتهيت بها أمس أو أي نقطة أخرى تريدها.كنت قد التقيت بأبي لبادة.
    -نعم ,وقد قال لي أبو لبادة..
    واستمر صقر في تصريحاته ,إلا أنه لم ينم في هذه المرة,وبعد مضي نصف ساعة اكتفى الدكتور جابر وقال:
    -يكفي هذا اليوم ,والآن إلى غرفة الطعام..ولا تنس أن تحضر إلى غدا صباحا كالعادة.
    -حاضر
    ***********
    عندما خرج صقر من عيادة المحلل النفسي في اليوم الثامن ,كان رواد المعهد منتشرين في الحديقة الفسيحة,وقال زاهر يخاطبه بصوت عال ومن بعيد:
    -صقر..تعال نقطف التفاح,لقد أمر مدير المعهد بذلك.
    ولمع في مقلتي صقر شعاع لماح..وهرول متجها إلى زاهر وحمله على أكتافه وقال له:
    -زاهر ..هل وصلت إلى شجرة التفاح؟
    -نعم..ابق هكذا...
    ص 93

  8. #48
    -سأظل حاملا لك حتى تستنفذ ثمار الشجرة.
    كانت ضكات الأحداث ,وهم يجوسون خلال البستان ويقطفون الثمار ,وهم في نشوة مما يفعلون,تسمع من بعيد.
    وقال واحد من رفاق صقر في ذلك اليوم يخاطبه:
    -لقد كان حظك عاليا يا صقر,إذا استصحبك المدير وأخذك كصديق فإن من عادة رعاة هذا المعهد,إذا استعصى عليهم أحد النزلاء الجدد أن يحبسوه في غرفة مظلمة ثمانية أيام بلياليها,لا يقدمون له فيها سوى الخبز والماء,لقد كان هذا دأب المدير السالف ,لقد جئت أنت في اليوم الذي وفد فيه هذا المدير ليحل محل سلفه المنقول مديرا لإحدى المدارس.
    لقد جئت يا صقر وجاء معك حظك السعيد,أنت لا تعرف ما هي الغرفة المظلمة,أتعلم ماذا جرى هنا؟لقد خرج الفتى الذي عزل في تلك الغرفة في اليوم السادس زاحفا على يديه ورجليه,فسجد بين يدي المدير,كانت الغرفة المظلمة تصوغ للمدير في ستة أيام ما صاغه المدير الحالي في ثلاثين يوما.
    وعندما سمع صقر ما فاه به لرفيقه ذبلت عيناه ونظر نظرة مشبعة بالرضا والتفكير الجدي إلى المدى القصي وبقي على هذا الحال بضع دقائق.
    بدا على صقر في الأيام التالية أن غشاوة ارتدت عن بصره ,فلقد بدأ المعهد مرحلة جددة هي مرحلة التعليم الجدي,وبإرشاد المدير انصب اهتمام المدرسين على تنشئته كعضو متضامن في مجتمع هو مجتمع هذه المدرسة,فقد قال لأحد المدرسين:
    -أريد أن أقطع كل سبب بينه وبين حياته السابقة الفردية في بنيتها ,الخالية من كل تسامح ورحمة واستقامة حتى لا يعود إليها مرة أخرى.
    ونظر المدرس إلى المدير مليا وهو يتكلم ,واستمر على ذلك حتى من بعد أن انتهى المدير من جملته فقال له هذا الأخير وقد لفتت نظره هذه الحركة.
    -في فمك كلمات تأبى الانطلاق.
    وتردد المدرس قليلا ثم قال:
    -لا أدري إذا كان ما أفكر فيه مما أجده في صقر خيالا ووهما أو أنه حقيقة,إنه تراودني أحيانا أفكار ربما يساء فهمها.
    -ما هي؟
    -قل لي قبل أن أفصح لك هل تجتمع السذاجة والذكاء في مخلوق واحد؟
    -لا أدري ولكني أعتقد أني عثرت في الماضي من الأيام على أشخاص من هذا النوع,واعتقدت أنهم الشذوذ بعينه,إنهم شذوذ في مجتمع من الأذكياء.
    -هذا ما أريد أن أصل إليه,إنه الشذوذ الذي يعنيني..إنه شذوذ من نوع متفوق وهذا ما أجده في صقر.
    فالسذاجة تكاد تكون صفة
    أساسية فيه بمعنى أن الأمور تنتهي إليه معقدة,فإذا به يبسطها إلى أدنى درجات التبسيط,وإذا بها تجد لديه حلولها المنطقية المعقولة بأهم وسيلة دون أية مضاعفات ,أليست هذه السذاجة سهما مسنون الرأس نفاذا للأعماق؟ذلك إلى جانب صفة أخرى هي أنه شعلة ذكاء.
    ص 96

  9. #49
    ثم صمت الأستاذ قليلا وعاد فقال:
    -إذا أعطي هذا الفتى عمرا فلسوف تجد ..آه إن للأطفال المحرومين نصيبا مما للنوابغ وهو نصيب من قدرة العقل الرحب الذي لايعيقه عائق ولايقف دونه حد.
    وبان للرجلين بعد هذا الحديث أنه آن الأوان لعقد مؤتمر المعهد الدوري.
    *********
    لما كان اليوم الأول من شهر حزيران انعقد المؤتمر في غرفة المدير حضرة قاضي التحقيق والمشرفان الاجتماعي والمراقب ,وأرسلوا بطلب صقر واثنين آخرين من الأحداث الجانحين.
    لقد اعتاد هؤلاء كلما خرجت فئة من الأحداث الجانحين من المعهد أ، يلتئم شملهم لبحث أمر هذه الفئة وحساب كل ما يمكن أ، -يصطلح على الحدث من صعوبات ونكسات في حياته الجديدة.
    وقال المدير:إن التسمية هنا ذات أثر لهذا اتجنب,التفادي من تسمية مغادرة الحدث للمعهد بأنها إنجاز لتنفيذ حكم قضائي فامحضوها تسمية جديدة تزيل عن الحدث العطل الذي يلصقه بذهن الآخرين عنه كونه حدثا جانحا.هذه التسمية هي:التخرج.
    إن النكسة بالنسبة للحدث أقسى عليه وعلى القاضي وإدارة المعهد من وفادة هذا الحدث لأول مرة مهما كان شريرا.
    وقال القاضي في معرض البحث:ليس العجب أن تجد الجانحين يتفجرون نشاطا وذكاء.
    ودخل صقر فلم ينتبه إليه القاضي والمدير ,فقد منصرفين إلى حديث طويل,وظل واقفا بضع ثوان,فأشار إليه أحد المراقبين فجلس.
    كان يسمع ما يتردد بين الرجلين من حديث ولكنه لم يكن يفهمه.
    وقال القاضي:
    -إن من ندعوهم "أوادم" ممن لاهم لهم سوى اتباع الطرق الصوفية والذين انعدم فيهم الجمود بعينيه,أخذون مانعون,غير فعالين.
    ولايمكن لآدميتهم إلا أن تكون الحياة اللينة الهينة المستعدة للخضوع لكل فاتح همهم الحرص على السترة" و"العيش" .
    إنهم المساكين في عصر الصواريخ ,خير من ألفهم مغامر واحد.
    إن الأزمة هي أزمة مغامرين وليس أزمة "أوادم" هل يستطيع "آدمي"أن يصاول عدوا مغامرا؟.
    وأجاب المدير:
    -أعتقد أن ثمة وسيلة لملء هذه الثغرة.
    -ماهي؟
    ص 98

  10. #50
    -لو اهتدينا إلى وسيلة لتخرج جيل أو جيلين من الجانحين ذوي الحماس الذين تم إصلاحهم.
    -أراك تذهب بعيدا..
    -يحق لي..إنك تذكر أنه كان لتونس والمغرب بعد القرون الوسطى ,أساطيل حربية قوية.
    -بالتأكيد.
    -من ترى قضى عليها في مطلع عصر النهضة؟.
    -من؟
    -جانحون من الغرب.. جيل من المغامرين.. وبالطبع ,كانت الحوكمات الغربية راضية عنهم سرا,وإن كانت تحاربهم ظاهرا.
    هنا انتبه القاضي لوجود صقر في القاعة فقال له:
    -أهذا أنت؟,لماذا لم تشرنا بدخولك؟.
    فقال المراقب يعتذر عنه:
    -أنا أوعزت له بالجلوس ريثما ينتهي الحديث.
    وقام صقر احتراما وحيا تحية رجل واثق من نفسه يعرف موضعه.
    وقد توضحت أمامه سبل معاشرة الآخرين,كلا حسب مقامه..فمشى بضع خطوات ووقف ,فقال له القاضي:
    -اجلس يا مولود.
    تلفت صقر يمينا ويساره فلم يجد أحدا ,ورغم ذلك ظل واقفا..
    وعاد القاضي يقول له:
    -اجلس يا مولود..هل هنا غيرك في الغرفة يا مولود؟
    جلس,وقد فهم ما يعنيه القاضي,فقد سبق لمدير المعهد أن قال له:ستخرج من المعهد باسم جديد
    وقال القاضي:
    -أذكر لنا مراحل نشاطك اليومي.
    وراح مولود يسرد على أسماع الحاضرين مراحل ذلك النشاط, وهو يتلمظ بسرده هذا,والمهنة التي أرادها لنفسه إلى جانب الدراسة,وهي الطباعة.
    وكانت نظرات القاضي تغطي كل حركة من حركاته.
    ثم سأله:

    • هل لك أهل تسكن إليهم يا مولود؟

    ولما أجاب مولود نفيا قال له:"
    -لابد من أن تتخذ مقاما لك في المدينة,إننا نمنحك الحرية المراقبة,بمعنى أنه,ولو بقي عليك ستة أشهر من مدة الحكم,وهي سنتان,إلا أنه يجب أن تمضي منذ الآن يومك في المعهد لتتم دراستك وتنال شهادتك وتتابع ممارسة مهنتك,ثم تعود في المساء فتبيت في مقامك في المدينة ولك الخيار بالعكس,لأننا سنعينك على إيجاد عمل فيها وإذا كنت تبغي إتمام دراستك في كلية,فلسوف يكون لك هذا ..هو النظام عندنا.
    ص 100

صفحة 5 من 8 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •