اليوم السادس والأربعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود ******* رضي الله عنه - أول صادح بالقرآن.
قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، كان عبد الله بن مسعود قد آمن به ، وأصبح سادس ستة أسلموا واتبعوا الرسول ، عليه وعليهم الصلاة والسلام..
هو اذن من الأوائل المبكرين..
ولقد تحدث عن أول لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" كنت غلاما يافعا ، أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم٬ ، وأبوبكر فقالا: يا غلام ، هل عندك من لبن تسقينا..؟؟
فقلت : اني مؤتمن ، ولست ساقيكما..
فقال النبي عليه الصلاة والسلام : هل عندك من شاة حائل ، لم ينز عليها الفحل..؟
قلت : نعم..
فأتيتهما بها ، فاعتلفها النبي ومسح الضرع.. ثم اتاه أبو بكر بصخرة متقعرة ، فاحتلب فيها ، فشرب أبو بكر ثم شربت..ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص..
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، فقلت: علمني من هذا القول.
فقال : انك غلام معلم"...
لقد انبهر عبد الله بن مسعود حين رأى عبد الله الصالح ورسوله الأمين يدعو ربه، ويمسح ضرعا لا عهد له باللبن بعد ، فهذا هو يعطي من خير الله ورزقه لبنا خالصا سائغا للشاربين..!!وما كان يدري يومها ، أنه انما يشاهد أهون المعجزات وأقلها شأنا ، وأنه عما قريب سيشهد من هذا الرسول الكريم معجزات تهز الدنيا ، وتلمؤها هدى ونور..
بل ما كان يدري يومها ، أنه وهو ذلك الغلام الفقير الضعيف الأجير الذي يرعى غنم عقبة بن معيط ، سيكون احدى هذه المعجزات يوم يخلق الاسلام منه مؤمنا يهزم بايمانه كبرياء قريش ، ويقهر جبروت ساداتها..
فيذهب وهو الذي لم يكن يجرؤ أن يمر بمجلس فيه أحد أشراف مكة الا مطرق الرأس حثيث الخطى..
نقول : يذهب بعد اسلامه الى مجمع الأشراف عند الكعبة ، وكل سادات قريش وزعمائها هنالك جالسون فيقف على رؤوسهم . ويرفع صوته الحلو المثير بقرآن الله:
(بسم االله الرحمن الرحيم * الرحمن * علم القرآن * خلق الانسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان).
ثم يواصل قراءته. وزعماء قريش مشدوهون ، لا يصدقون أعينهم التي ترى.. ولا آذانهم التي تسمع.. ولا يتصورون أن هذا الذي يتحدى بأسهم.. وكبريائهم..انما هو أجير واحد منهم ، وراعي غنم لشريف من شرفائهم.. عبد الله بن مسعود الفقير المغمور..!!
ولندع شاهد عيان يصف لنا ذلك المشهد المثير..
انه الزبير رضي الله عنه يقول:
" كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، اذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
والله ما سمعت قريش مثل هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهموه..؟؟
فقال عبد الله بن مسعود : أنا..
قالوا : ان نخشاهم عليك ، انما نريد رجلا له عشيرته يمنعونه من القوم ان أرادوه..
قال: دعوني ، فان الله سيمنعني..
فغدا ابن مسعود حتى اتى المقام في الضحى ، وقريش في أنديتها ، فقام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم رافعا صوته الرحمن.. علم القرآن ، ثم استقبلهم يقرؤها..
فتأملوه قائلين : ما يقول ابن ام عبد..؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به محمد..
فقاموا اليه وجعلوا يضربون وجهه ، وهو ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ..
ثم عاد الى أصحابه مصابا في وجهه وجسده ، فقالوا له :
هذا الذي خشينا عليك..
فقال : ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن ، ولئن شئتم لأغادين هم بمثلها غدا..
قالوا : حسبك ، فقد أسمعتهم ما يكرهون"..!!
أجل ما كان ابن مسعود يوم بهره الضرع الحافل باللبن فجأة وقبل أوانه.. ما كان يومها يعلم أنه هو ونظراؤه من الفقراء والبسطاء ، سيكونون احدى معجزات الرسول الكبرى يوم يحملون راية الله ، ويقهرون بها نور الشمس وضوء النهار..!!
ما كان يعلم أن ذلك اليوم قريب..
ولكن سرعان ما جاء اليوم ودقت الساعة ، وصار الغلام الأجير الفقير الضائع معجزة من المعجزات..!!
وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى