منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 4 من 13 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 121
  1. #31
    السؤال الثاني..أما بخصوص سؤالك الثاني سيدة "ملدا" وهو..
    هل باتت الصحافة الالكترونية أكثر شعبية وانتشارا؟
    وكيف نقارن المصداقية بينها وبين الصحافة الورقية؟
    فليس لدي ما أقوله بهذا الخصوص أكثر من الواقع نفسه، وهو أن الصحافة الإلكترونية تتوسع وتنتشر بشكل ملحوظ وسريع، وربما يُستعاض بها عن الصحافة الورقية في المستقبل القريب بشكل كلي أو جزئي، فهذا رهن بحجم التطورات التي ستحصل عليها كي تصبح مُغْنية إغناء كاملا عن الصحافة الورقية. ولعل توسع دوائر مستخدمي الإنترنت يوما بعد آخر سوف يسهم في ذلك.أما بخصوص مصداقيتها، فإنها بلا شك لا تقارن بمصداقية الصحافة الورقية، التي من السهل السيطرة عليها ومحاسبة صناعها في حال تجاوز المصداقية، فضلا عن مستويات الرقابة وعدم القدرة على التفلت من المسؤولية الجنائية في حال المخالفات، بينما الصحافة الإلكترونية تتيح لممارسها مجالا واسعا كي يتهرب من كل الالتزامات القانونية. ومع ذلك فالمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، ومن الحكمة عدم استباق "المستقبل" بتحديد صورة واحدة له، مادامت التعددية في صوره وأوجهه ممكنة، وممكنة جدا!!ولك بالغ الشكر أستاذة "ملدا"مه رجاء ان أكون أديت واجب الإجابة بما أستطيعه وأقدر عليه.
    أسامة عكنان

  2. #32
    ثانيا..سؤال الصيدلانية "ندى نحلاوي"..
    اسمح لي بطرح أمور لم نجد لها كمجتمع شرقي حلا ولو وسطيا يبعدنا عن الجدل الدائر في مجتمعنا العائلي والثقافي عموما، يهمني وجهة نظرك حولها:
    رمضان شرقي، قضايا الرجل والمرأة، الفجوة بين جيلين، الوعي الصحي، الموثوقية المعرفية، الدراسة لجامعية وما قبلها ومابعدها.
    ...........................
    الإجابة..
    لم أفهم ما المقصود بالتساؤل عن عبارة "رمضان شرقي". فيما أوضحت تصوري لـ "الفجوة بين جيلين"، عندما ناقشت في إجابتي على أسئلة السيدة "ملدا شويكاني"، مفهوم
    "الجيل الجديد"، لذلك أتمنى عليك الاطلاع عليها هناك كي تعفيني من مغبة الإعادة والتكرار. كما أنني لم أفهم بالضبط ما الذي تريدين معرفته من رأيي حول ما سميتِه "الدراسة الجامعية وما قبلها وما بعدها". فلم تبق سوى ثلاث مفاهيم هي "قضايا الرجل والمرأة"،
    و"الوعي الصحي"، و"الموثوقية المعرفية".
    أرجو أن أتمكن من إبداء رأي، فيه ما يفيد.قضايا الرجل والمرأة..هي قضايا قديمة قدمَ وجود الإنسان. وما من مجتمع قد تحرر من وجود أزمة فيه ناتجة عن شكل تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء، وما ينبثق عن هذا الشكل من قضايا ومعضلات وخلافات. لا يتحرر من ذلك حتى أكثر المجتمعات تقدما وتطورا في الغرب والشرق على حد سواء، وإن اختلفت طبيعة القضايا وجواهر المشكلات من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى.ولأن هذا الموضوع شائك وطويل ومتشابك إلى درجة أن عشرات المنظمات الدولية ذات التأثير أسِّسَت للتعاطي معه، وآلاف المنظمات المحلية في كل دول العالم ظهرت إلى حيز الوجود لتشكيله وإنتاجه وفق هذه الثقافة أو تلك. فإنني لا أجد المكان هنا مناسبا للحديث فيه بذلك القدر من التفصيل، وسأكتفي بعرض مجموعة من العوامل التي أراها – من وجهة نظري المتواضعة – قادرة على ضبط تداعياته وإعادة وضعه على السكة المعرفية والتنظيمية الصحيحة..
    1 – إن الأزمة في ضبط العلاقة بين قضايا الرجل وقضايا المرأة، ليست أزمة أصيلة في بنية الوجود، بل ناتجة عن تغيرات اعترت المجتمعات البشرية من زمن لآخر، وهي تغيرات ذات طبيعة اقتصادية في الأساس، نتجت عنها تغيرات ثقافية وبالتالي مجتمعية، غذَّتها الطبيعة البيولوجية لكل من الرجل والمرأة، وبالتالي فمن غير الصحيح ولا الموضوعي عزل الأزمة وقضاياها عن سياقاتها تلك، وحصرها في قضايا يحاول مروجوها تطبيعها وجوديا، بجعلها قضايا تستند فقط إلى مفارقات بيولوجية صرف.
    2 – الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة بموجب طبيعة الخلق والوظائف الحيوية الموكلة إلى كل منهما، لا ترتب حقوقا وواجابات إنسانية متباينة، ولا بأي شكل من الأشكال، ولكنها ترتب إجراءات تنظيمية لا تحظى بالقداسة ولا بالثبات، وتغييرها رهن بالتطور وبفعالية العلم والمعرفة وبتوافق البشر والمجتمعات البشرية من زمن لآخر، ومن مكان لآخر. وبالتالي فإن كل من يرتب تباينا في الحقوق والواجبات على كل من المرأة والرجل، استنادا إلى هذه الفروق البيولوجية والوظائف الحيوية، إنما هو يغير في صميم بنية الوجود الذي خلقه الله قائما على العدل والمساواة والحرية، بشكل تعسفي.
    3 – مع الأسف، فإن المرأة في كل مجتمعات العالم من أكثرها تطورا إلى أدناها تطورا، مضطرة لأن تناضل على جبهتين في الوقت ذاته. الأولى.. جبهة النضال من أجل حريتها كمواطنة إلى جانب نضال الرجل على هذه الجبهة، من منطلق تساويهما في هذا الشأن على أساس إنساني بحت. الثانية.. جبهة النضال من أجل حريتها بوصفها امرأة في مواجهة الرجال ومؤسسات المجتمع التي تمنحهم حقوقا أكثر منها، وتنتزع حقوقها المشروعة بالاستناد إلى تبريرات بيولوجية، لا أثر لها تُرَتِّبُه في توزيع الحقوق كما قلنا سابقا. وهي فقط ترتكز في ذلك إلى الموروث الذكوري الصرف. وتختلف المجتمعات بشكل كبير في مستويات النضال التي تترتب على المرأة على الجبهتين. وعلى الرجل الذي أدرك الحقائق التي نرسخها بشأن المرأة هنا، أن يجعل نضاله من أجل حرية المرأة، وتعديل ميزان الحقوق بينها وبين الرجل، جزءا لا يتجزأ من نضاله لانتزاع المجتمع ككل حريته وحقوقه.
    4 – بناء على كل ما سبق، فإنني لا أرى أن هناك حدودا لحقوق المرأة إذا ما قورنت بحقوق الرجل، ولا حدودا لواجباتها إذا ما قورنت بواجبات الرجل، على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية.. إلخ. وكل ما علينا هو أن نعترف بأن هناك إجراءات تنظيمية ضرورية تفرضها الطبيعة البيولوجية للمرأة، يحددها الخبراء وأهل الاختصاص، وتتدخل فيها وفي تحديدها النساء بشكل أساسي، كي لا يتم اعتداء المجتمع على الطبيعة، لأن التجاوب مع المتطلباتت الضرورية للطبيعة جزء من بنية العدالة في الوجود الذي خلقه الله.ولست هنا بصدد الإشارة إلى إمكان انتزاع حق من المرأة هنا أو حق هناك بسبب هذه الطبيعة. فحق المرأة المكافئ والمساوي لحق الرجل في كل شيء، لا يؤثر عليه أي بناء بيولوجي من حيث هو حق. فالمرأة مثلا يحق لها أن تكون قاضية ورئيسة محكمة ورئيسة دولة وقائدة جيش ورياضية محترفة ومقاتلة وشرطية تلاحق عصابات الإجرام، إذا توفرت فيها شروط ذلك ورغبت فيه. وعلى المجتمع أن ينظم وجودها في تلك المواقع بما لا يؤثر على دورها الطبيعي، على أن لا يكون هذا التنظيم قائما على تفضيل إلغاء الحق، فهذا لا يجوز؟فلو كانت هناك رئيسة دولة ولديها طفل رضيع يجب أن تعتني به وترعاه وترضعه، فيجب أن يتم التجاوب مع الوظيفتين، بحيث توضع التشريعات والتنظيمات والإجراءات التي تكفل قيامها بالمهمتين دون إخلال، لا أن تعطى الأولوية لمهنة دون أخرى ولوظيفة دون الثانية. والمجتمع في كل مكان وزمان هو الذي يُخَوَّل بابتكار آليات التنظيم المطلوبة، ولا وجود لثوابت ولا لمقدسات في هذا الشأن.الوعي الصحي..لست أدرى إن كان لدي شيء زائد أضيفه في هذا الشأن أكثر مما لدى امرأة متخصصة في المجال الصحي. فأنا كما فهمت أتحدث الآن مع صيدلانية، يعني مع امرأة لو احتجت إلى أي استشارة في المجال الصحي لكنت سألجأ إليها أو إلى طبيبة مثلا. ولكن على ما يبدو أن الصيدلانية "ندى" تعاني من عدم إدراك الناس لمسؤولياتهم الصحية تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين، وبالتالي فكأنها تبحث عن تأصيل قيَمي وأخلاقي لفكرة
    "المسؤولية الصحية" القائمة بالضرورة على مسألة "الوعي الصحي" بالأساس. وهذا توجه مشروع ويدل على نبل المقصد.في هذا السياق نفهم جميعا نحن المسلمون وأتباع الديانات السماوية، أن أجسامَنا وصحتَنا تقع في دائرة مسؤولياتِنا التي سنتحملها ونحاسب عليها أمام الله يوم القيامة. فعندما يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.."، من بينها "جسده فيما أبلاه".. وعندما يقول أيضا: "إن لجسدك عليك حقا".. فضلا عن الكثير من النصوص في القرآن والسنة الصحيحة التي تؤكد على ضرورة الاعتناء بالنفس والجسد وعلى ضرورة التداوي.. إلى آخره. نفهم على الفور أن الله يحملنا المسؤولية الكاملة عما يحصل لأجسادنا ولصحتنا، إذا كان هذا الذي حصل كان بسببنا، اهتماما ورعاية أو تقصيرا وأهمالا.خلاصة القول أن وعيَنا بمسؤوليتنا تجاه صحتنا وحياتنا وأجسادِنا وسلامة كل ذلك، هو مطلب شرعي ديني، وبالتالي فهو مطلب أخلاقي قيَمي بالدرجة الأولى. ويجب بناء على ذلك أن تتجه مؤسسات التنشئة الاجتماعية حتما، نحو تكريس هذه المسؤولية في أذهان النشء، وعلى أوسع نطاق ممكن. فالوعي الصحي لا يقف عند حد الاعتناء المباشر بالجسد ونظافته وغذائه، بل هو يتسع نطاقه ليصل إلى اعتبار الحفاظ على البيئة من كل مظاهر التلوث، مظهرا من مظاهر الوعي الصحي، وإلى اعتبار الاهتمام بالنظام العام المخفف لتوتر للأعصاب مظهرا من مظاهر الوعي الصحي، وإلى اعتبار تجنب كل مظاهر الغضب والعصبية والقلق والانفعالات، مظاهر حتمية لتحقق الوعي الصحي، مادام كل ذلك يجنبنا الوقوع في أمراض تنتج كلها عن هذه الحالات النفسي.. إلخ. الوعي الصحي في نهاية المطاف ثقافة كبيرة، تعتبر جزءا لا يتجزأ من ثقافة النهضة، إذا كانت هناك لدينا ثقافة للنهضة أصلا.الموثوقية المعرفية..إن كنت فهمت جوهر الفكرة التي تضمنها السؤال بخصوص هذا المفهوم "الموثوقية المعرفية"، أستطيع القول أن المعرفة تحظى بالثقة الدافعة إلى اليقين بها، إذا التزمنا في تحصيلها والاستدلال عليها بمصادر المعرفة الصحيحة، ووفق منظومات التحصيل والاستدلال المعترَف بها عقلا، باعتبار العقل هو المصدر الأول والأعلى لكل المعارف. وفي هذا السياق أود أن أؤكد على أن هناك انفلاتا معرفيا كبيرا جعلنا نفقد بوصلة
    "الموثوقية المعرفية" التي أشرتِ إليها. ولكي لا أطيل هنا بسبب أن الموضوع فلسفي دقيق، فلا الوقت والمساحة يسمحان بالتعمق في الموضوع، فإنني أحيلك إلى (كتابي تجديد فهم الإسلام، الفصل الأول وهو المعنون بـ "العقل"، وهو يعالج هذا المسألة بعمق وتفصيل، فقد تجدين هناك الإجابة الدقيقة على سؤالك سيدتي، ولعل السيدة ريمة الخاني حصلت على نسخة إلكترونية من الكتاب يمكنك طلبها منها).أرجو أن أكون وفيت بما أمِلْتِه مني في إجاباتي.
    ولك بالغ الشكر
    أسامة عكنان
    ..........................

  3. #33
    ثالثا..أسئلة "فراس الحكيم"..
    مصطلح التجديد الإسلامي.. إلى أي مدى نجح المجددون في هذا الأمر؟ وكيف يجب أن يكون عليه التجديد؟ وهل كل تجديد تجديد؟ وأي محور أخذ حقه من ذلك، السلوكي- الخطبي- الفكري.. إلخ؟
    ..........................
    الإجابة..
    أما أنت يا عزيزي المهندس "فراس" فقد اختصرت في أسئلتك هذه كل الكون، ولم تترك من سؤال لسائل يسأله بعدك!!!ومع أنني أحيلك إلى كتابي "تجديد فهم الإسلام" لتعرف إجاباتي التفصيلية على كل أسئلتك، إلا أنني أود في هذه العجالة ذكر بعض ما يحضرني من أفكار أساسية، قد تكون كافية – الآن على الأقل – لتطلعك على النحو الذي أرى به الأمور في هذا الشأن.
    1 – هناك فرق بين تجديد المرجعية النصية نفسها وبين تجديد فهم هذه المرجعية.
    2 – هناك فرق في التجديد، بين عرض خطاب جديد وعرض قراءة جديدة في خطاب قديم.
    3 – هناك فرق بين التجديد القائم على أساس تثبيت مبادئ يقال ألا خلاف عليها وأنها أساسية، والتجديد القائم على عدم الاعتراف بمبادئ ثابتة مسبقا.
    4 – هناك فرق بين تجديد يقوم على قاعدة لا اجتهاد مع النص، وتجديد آخر يقوم على قاعدة ألا نص مع العقل.
    5 – هناك فرق بين تجديد يقوم على أسبقية الوحي في المعرفة الدينية، وآخر يقوم على أسبقية العقل والتجربة فيها وفي كل معرفة.
    6 – هناك فرق بين تجديد يثَبِّت أصول الدين ويقبل التغيير فيما عدا ذلك، وتجديد يعتبر التغيير المطلوب يبدأ أولا في أصول الدين.
    7 – هناك فرق بين تجديد يستهدف الهدم لإعادة إقامة البناء على أسس متينة، وآخر يستهدف استكمال البناء فوق أساس فاسد وهش.
    8 – هناك فرق بين تجديد يريد إعادة إنتاج الماضي ليصبح حاضرا، وآخر يريد صناعة حاضر على أنقاض الماضي.
    9 – هناك فرق بين تجديد يري في الماضي معيقا ومعرقلا له، فيرفضه لصالح الحاضر، وآخر يجد في الحاضر تمردا وخروجا على الماضي، فيرفض الأول لصالح هذا الأخير.
    10 – وأخيرا هناك فرق بين تجديد ينطلق من العقل ليصل إلى نصٍّ واضح ومفهوم، وآخر ينطلق من النص كي لا يصل إلى العقل أساسا.العزيز "الحكيم" أنا لم أجبك على أسئلتك بشكل تقليدي، ولكن صدقني إذا تمكنت من ممارسة لعبة "لوغو" تتيحها لك العناصر العشرة السابقة، بحيث استخدمت خبرتك في فلسفة الرياضيات – وأنت مهندس لا تعوزك المعرفة لهذا الغرض – وتمكنت من رسم المجموعات المعرفية وتقاطعاتها، كما كنت تفعل عندما كنت طالبا وأنت تتعامل مع تقاطعات مجموعات "الأعداد الحقيقية"، و"الأعداد الصحيحة"، و"الأعداد الطبيعية"، وحتى "الأعداد المركبة"، كما تفرضها المعادلات الناجمة عن تلك العناصر، فإنك ستتوصل حتما وبمفردك إلى فهم ما الذي عنيته، وستتأكد من أن التجديد الذي لم يتحقق في ديننا وفي أمتنا لغايات نهضتنا لدى معظم من حاولوا القيام بهذه المهمة حتى الآن مع الأسف، يقبع في ركن في صدفة غارقة في الأعماق، في انتظار بحارين مهرة لانتشاله وإخراجه إلى النور، كي يراه العالم ويحمِّلُه مسؤوليةَ قيادة مسيرة البشرية في مقبل السنين والعقود والقرون.ولك مني ألف تحية وشكر وتقدير، فالموضوع شائك، أقرأ الكتاب الذي أشرت عليك به، ثم لنا جولات وصولات!!
    أسامة عكنان

  4. #34
    السلام عليكم
    ومازلت أستمتع بهذا الحوار الرائع والعميق ولي عودة اخرى بأسئلة جديدة بناء عما قرات.
    أرفق رابط الموضوع الخاص بكتابكم أستاذ أسامة للفائدة
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32441-صدرو-كتاب-quot-تجديد-فهم-الاسلام-quot-لاسامة-عكنان&p=136645#post136645
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #35
    محاضر ومسؤول دراسات عليا في جامعة القاضي عياض، المغرب
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,497
    ما شاء الله
    كم حرمت من هذا اللقاء النافع الماتع
    أفدتنا أستاذنا الفاضل أسامة كعنان أيما إفادة
    قد ازدانت بك الفرسان وربت ولا تزال ترتوي من دافق عرفانك الراقي
    والشكر المستمر للأستاذة ريمة التي لا تنتقي إلا جواهر العقول والألباب
    أَسْرِي سَقَى شِعْرِي الْعُلا فَتَحَرَّرَا = وَرَقَى بِتَالِيهِ الْمُنَى فَتَجَاسَرَا

  6. #36

    السلام عليكم وحمدا لله على سلامتك دكتور عبد الرزاق جميل أنك وصلت لهنا فكما أرى لقاء ساخن ورائع:
    ربما أستاذ أسامة لا اجيد حوارا عميقا مثلكم لكنني ساحاول المتابعة بقدر الإمكان: ويامرحبا بك فارسا مغوارا بين الفرسان:
    قضايا الحرية والحريات وقضايا الاخلاق والأخلاقيات إلى أي مدى هي مترابطة وإلى أي مدى نجدها متجسدة واضحة في أصقاع دون أخرى عربية كانت أم غربية ولماذا؟
    مع التحية
    رغد
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  7. #37
    السادة المحترمون في موقع فرسان الثقافة
    تحية للجميع وللدكتور عبد الرزاق أبو عامر ,وبعد
    ولكم بالغ الشكر على إثرائي بأسئلتكم
    أسامة عكنان
    ******
    رغد قصاب
    قضايا الحرية والحريات وقضايا الاخلاق والأخلاقيات إلى أي مدى هي مترابطة وإلى أي مدى نجدها متجسدة واضحة في أصقاع دون أخرى عربية كانت أم غربية ولماذا؟

    الإجابة..
    إن العلاقة بين الأخلاق والحرية تستدعي قضيةً أسبق منها، هي الفرق بين الأخلاق والتقاليد. وهي إنما تستدعيها استدعاء ضرورة، لكي لا نجد أنفسنا ونحن نستطلعُ أوجه العلاقة والترابط بين منظومات القِيَم الأخلاقية وحُزَم الحرية، ننزلقُ من حيث ندري أو لا ندري إلى دائرةٍ نقاشيةٍ بعيدةٍ عن لب الموضوع وجوهره، تَسْتَدْرِجُنا إلى استطلاع أوجه العلاقة والترابط بين الحرية والتقاليد، لا بينها وبين الأخلاق، بسبب خلطٍ بين هذه وتلك، اعتاد عليه الخطاب التأصيلي المسطَّح، غير المرتكز إلى أسس فلسفية راسخة. فما هو الفرق بين الأخلاق والتقاليد؟إن الفرق بين الأخلاق والتقاليد متجسِّدٌ في الفرق بين موضوعات الفلسفة وموضوعات الثقافة. فالأخلاق هي بناء قِيَمي يقوم على الفلسفة ويرتكز إلى أسلوبها التجريدي في طرح موضوعاتِها وفي معالجتِها، بينما التقاليد بناءٌ قِيَمي مختلف، يَتَشَكَّل في قلب الصيرورة الثقافية، ويرتكز إلى إسقاطاتها النسبيةِ نسبيةَ المؤثرات الزمانية والمكانية التي تجعلها تختلف من أمة إلى أخرى.عندما نقع في خطإ الاعتقاد بأن "التقاليد" هي "الأخلاق"، فإننا نرفع تقاليدَنا إلى مصافِّ القِيَم الأخلاقية، ونفعل الشيءَ نفسَه بتقاليد الآخرين. وبسبب الاختلاف بين تقاليد الأمم النابعة من ثقافاتها المتباينة أصلا، فإن هذا الخطإ الفادح، يجعلنا نواقعُ واحدا من منهجين متناقضين في فهم "الأخلاق" والتأسيس لها.الأول، منهج الاعتقاد بنسبيتها – أي بنسبية الأخلاق – وهو المنهج الذي يَتَّبِعُه من يؤمن بأن الحقيقةَ غير مُحْتَكَرة، وبالتالي – حسب هذا المنهج – فمادامت قيمُنا الأخلاقية تختلف عن قيمِ غيرِنا، ومادامت الحقيقة موجودة عندنا كما هي موجودة عند غيرنا على حدٍّ سواء، فلا شك إذن في أن الأخلاق نسبية، ما يجعل قيمَنا قيماً أخلاقية، والقيمَ النقيضة لها قيما أخلاقية أيضا.أما المنهج الثاني، فهو منهج الاعتقاد بالتَّوَحُّد بين الأخلاق والتقاليد، وهو المنهج الذي يَتَّبِعُه من يؤمنون باحتكار الحقيقة، وهؤلاء يعتبرون أن التقاليد أيضا تخضع لأحكام مطلقة كالأخلاق، وأن من يملك الحقيقة الأخلاقية، لا يمكن لتقاليده إلا أن تكون امتدادا لتلك الحقيقة. وبالتالي فمن لم تكن الحقيقة الأخلاقية في صَفِّهِ، فكذلك تقاليدُه هي امتداد للباطل الذي تُجَسِّدُه منظوماتُه الخُلقية. وهؤلاء يرفضون مبدأ التفاعل بين الثقافات، بل هم لا يؤمنون بإمكانه أصلا. فالحق بطبيعته طارد للباطل، وبالتالي فأيُّ محاولةٍ من هذا الباطل للتفاعل مع الحق، سوف تواجه بالنفور والرفض وعدم القبول.وما يجب التأكيد عليه هو أن كلا المنهجين يقومان على أسسٍ خاطئة، لأنهما انطلقا من قاعدةٍ غير صحيحة، هي عدم التفريق في المرجعية المعرفية بين الأخلاق والتقاليد. فالأخلاق مُنْتَج عقلي مُتَجَذِّر في التركيبة الطبيعية للكائن البشري، بينما التقاليد مُنْتَج ثقافي تصنعه البيئة المتغيرة والمتطورة، وهي تتفاعل مع الفلسفة الثابتة والراسخة، وفق معادلات التأثير المتبادل والمتواكب. ولكي تتضح لنا المسألة نضرب المثال التالي.في ديننا الإسلامي تُعْتَبَر العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة غير المتزَوِّجَيْن، علاقةً غير شرعية، إذا أقاماها بينهما خارج نطاق الزواج، أي خارج نطاق "مؤسسة الأسرة". وهي من هنا علاقة مُدانة، ويعاقِب عليها القانون الإسلامي. فيما تعتبر هذه العلاقة في الغرب علاقة شرعية لا تشوبها شائبة، ويفرقون بينها وبين فكرة الزواج وإنشاء "مؤسسة الأسرة"، فلا هذه مرتبطة بتلك، ولا تلك ممنوعة بدون هذه. ومن هنا فلا عقاب عليها في القوانين الغربية، ولا هي مدانة لديهم بأي حال. في الدين الإسلامي تعتبر هذه العلاقة بمثابة جريمة "زنا"، وفي الغرب، ينظر إليه باعتبارها علاقة نظيفة ترتب حقوقا أخلاقية وأدبية لا يستهان بها لطرفيها.السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ضمن أي منظومة من منظومات القيم تندرج هذه العلاقة، هل ضمن منظومة القيم الأخلاقية؟ أم ضمن منظومة القيم الثقافية؟ بمعنى: هل أن الحكم عليها وتكييفها ومن ثم تصنيفها، يرتكز إلى الفلسفة أم إلى التقاليد؟ وبكلمة أخرى أكثر وضوحا:
    هل أن مشروعيتها أو عدم مشروعيتها ترتكزان إلى العقل أم إلى غير العقل؟ أي: ما هي الجهة المعرفية القادرة على إصدار حكمها على هذه العلاقة سلبا أو إيجابا؟؟من الواضح لدى كل العقلاء، أن العقل لا دخل له في تكييف هذه العلاقة على الإطلاق، فهو لا يمتلك بشأنها أي حكم قاطع يترتب عليه قبولها أو رفضها على أساس عقلي، أي أن العقل ليس فيه ما يوجب أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة غير المتزوجين على ذلك النحو أو على نحو غيره. وكل أشكال تلك العلاقة في العقل متساوية في مستوى شرعيتها. وبالتالي فهي علاقة لا تتكيف على أساس فلسفي، وهو ما يمنع أن تكون قيمة أخلاقية في ذاتها. لأن ما لا يُكَيِّفُه العقل بالوجوب أو بالاستحالة لا يندرج في إطار القيَم والأخلاق.إن أي واقع موضوعي يحكم عليه العقل بإمكان كل أوجهه من الناحية الفلسفية، هو واقع يقع تكييفُه والحكمُ عليه خارج اختصاصات العقل. وبالتالي فإذا كان واقعا موضوعيا لا يعكس ظاهرة طبيعية مادية، ويعكس ظاهرة اجتماعية، فهو واقع موضوعي يقع خارج منظومة القيم الأخلاقية، ويُعْتَبَر مُنْتَجا ثقافيا صرفا، من الممكن أن يكون هنا على خلاف ما هو هناك، ومن المحتمل أن تنتِجَه ثقافةٌ معينة بشكل يختلف عما يمكن لثقافة أخرى أن تنتجه به.دعونا نتتبع نتائج محاكمة هذه العلاقة، وهي تتكيَّف في الشرق المسلم بخلاف ما تتكيَّف به في الغرب عموما، وفق مبادئ كل منهج من المنهجين اللذين أشرنا إليهما سابقا، فيما يتعلق بفهم الأخلاق والتأسيس لها. ماذا يمكن لمنهج الاعتقاد بنسبية الأخلاق أن يقول؟ وماذا يمكن لمنهج الاعتقاد بتوحد الأخلاق والتقاليد أن يقول؟رغم خطإ المنهج الأول في اعتباره هذه العلاقة مُنْتَجا عقليا، وبالتالي أخلاقيا – لأنها ليست كذلك في الواقع – إلا أنه سيقبل الحُكمين "الغربي القابل" و"الإسلامي الرافض" عليها، استنادا إلى اعتبارات عدم احتكار الحقيقة. أما المنهج الثاني واستنادا منه إلى مبدإ احتكار الحقيقة – كل الحقيقة - سيجد نفسه مضطرا لاعتبار هذه العلاقة في الغرب بمثابة منتج ثقافي باطل، لأنها مرتبطة بأصحاب المنتج الفلسفي الباطل، ولا يجد نفسه معنيا بالتفريق بين الثقافة والأخلاق، فهذه مسألة لا تأصيل معرفي لها في مرجعياته الدينية.ماذا نستنتج من كل هذه الفذلكات الفلسفية؟!

  8. #38
    1 – لا يوجد أي مسوغ منطقي للخلط بين منتجات العقل المعرفية ومنتجات الثقافة المعرفية، فالأولى حقائق مطلقة ثابتة راسخة تقوم عليها الأخلاق المشتركة بين البشر وتنبثق عنها مفاهيم الحق والباطل، وأما الثانية فمُكَوِّنات متغيرة مرتبطة بعناصر الواقع تأثرا وتأثيرا، ولا تنطبق عليها معاني الحق والباطل، كما تنطبق على المنتجات المعرفية العقلية. وهي ليست أكثر من "توافقات مجتمعية" أفرزتها "موروثات ثقافية" بالارتكاز إلى "مستندات مصلحية ومنفعية". وهي في عدم انطباق الحق والباطل، أو الخطأ والصواب عليها، كقوانين السير وتنظيم المرور، وتنظيم هيئة الملبس الاجتماعي العام للرجال والنساء وما ينبثق عنه من مفاهيم العورة.
    2 – المنتجات الثقافية لا ترتبط بالحرية ارتباطا قيميا، فإذا كانت هناك علاقة مَّا بين الأخلاق والحرية، فإن هذه العلاقة هي بين منتجات العقل والحرية، بصفة هذه الأخيرة أيضا منتجا عقليا. العلاقة التي أثيرت في سؤالك وشكل الارتباط الذي تساءلت عنه بين الحرية والأخلاق، يجب أن يكون واضحا أنه ارتباط قائم بين منتجات معرفية، وأنها علاقة متينة بين منبثقات جميعها فلسفية وبالتالي عقلية. ولا يمكن أن تكون العلاقة الوجودية والارتباط العضوي قائمين بين منتج عقلي راسخ وعميق، ومنتج ثقافي متقلب وغير أصيل ومرتبط بالواقع وبالاحتياجات البشرية.
    3 – لذلك أرجو أن يكون قد اتضح حتى الآن على الأقل، أنه لا يجوز أن نقتطِعَ مُنتجا ثقافيا من بيئته الثقافية الخاصة، كالمنتج الذي يؤكد مشروعية العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة غير المتزوجين خارج نطاق الزواج في الغرب، ونُسْبِغَ عليه صفة المنتج الأخلاقي، ثم نبدأ بمحاكمته أخلاقيا، فهذا منهج معرفي غير موضوعي ومقلوب. كما أنه لا يجوز اقتطاع ذلك المنتج الثقافي من بيئته تلك ومحاكمته بمنتجاتنا الثقافية وليدة بيئتنا نحن، بعد أن نكون قد رفعناها إلى مصاف الأخلاق، فهذا أيضا منهج معرفي غير موضوعي ومقلوب.
    4 - المنتجات الثقافية لا تحاكم إلا بعناصر مرتبطة بالبيئة التي أنتجتها. يجب أن تكون تلك المنتجات الثقافية التي نكون بصدد تقييمها أو محاكمتها منسجمة ومتناغمة مع مُكونات بيئتها الثقافية الأخرى وليس مع بيئتنا الثقافية نحن. ليس المنتج الثقافي – أيُّ مُنتج ثقافي – ملزما بإثبات مشروعيته من خلال تجاوزه متطلبات المحاكمة بمُكونات بيئة ثقافية أخرى مغايرة له كل المغايرة!!5 - من هنا فإن تقاليد المجتمعات الغربية لا يمكنها أن تقيَّم بتقالد المجتمعات المسلمة، فالزنا في الغرب – باعتبار الزنا منتجا ثقافيا لا فلسفيا عقليا – يختلف عنه عندنا. وبالتالي فلا يمكن أن نطلق صفة "زاني" على مواطن فرنسي يفعل ما يفعله من نسميه عندنا زانيا، إذا كانت الثقافة الفرنسية لا تعتبر ذلك الفعل فعل "زنا".ومن هنا فإننا عندما نريد فهم علاقة الحرية بالأخلاق، ومدى ارتباط هذه بتلك، يجب أن نكون واعين لحقيقة أننا نحاول فهم علاقتها بالأخلاق وارتباطها بها، بالمعاني الموضحة هنا للأخلاق، وليس بالمعاني المُسَطَّحَة لفهم الأخلاق، وهي المعاني التي لا تفرق بينها وبين التقاليد في الأغلب الأعم!!وحيث قد وصلنا إلى هذا المستوى من التحليل والتوضيح، فلا ضير في أن نشير إلى أن العلاقة بين الحرية والأخلاق هي علاقة جوهرية. لأنهما معا – الأخلاق والحرية – ترتكزان إلى العقل أي إلى الفلسفة، وكل ما ارتكز إلى العقل والفلسفة، يجد لشريكه في هذا الارتكاز عناصر مشتركة يقاسمه جوهرها، ويلتحم به من خلالها.فالله قد للإنسان حريتين، الأولى هي تلك التي تخوِّله القدرة على الاختيار المتحرر من كل الضغوطات بين البدائل المتاحة أمامه كتحقيقٍ لأمر التكليف الرباني الذي يُعْتَبَر في جوهره اختيارا حرا بين بدائل ممكنةٍ ومتاحة. والثانية هي تلك التي تتيح له فرصة تنفيذ اختياره الحر بين البدائل التي اختار من بينها.وإذا كانت الحرية الأولى صفةً جوهرية في الإنسان بحكم إنسانيته كما نفهمها، والقائمة على انطوائه على عنصر الإرادة الإلهية ذاتها بتطلعها الدائم إلى أهم مكونين في الوجود وهما "الحرية" و"العدل"، فإن الحرية الثانية تُعْتَبَر حقا من حقوقه الدنيوية، يستشعر الإنسان بفطرته استحقاقَه لها بسبب انطوائه على الحرية بمعناها الأول.إنها بمعنىً آخر شكل من أشكال التنظيم المجتمعي الذي يمنعُ أيَّ إنسانٍ من أن يحجر على حرية إنسان آخر في الاختيار. وإذا كانت الحرية بمفهومها الأول تشير إلى العلاقة بين الإنسان وربه وإلى طبيعة الإنسان من حيث المبدأ، لأنها عماد تكليفه وجوهره الإنساني، فإنها بمفهومها الثاني تهم الإنسان في واقعه الاجتماعي، فتفتح أمامه سُبُلَ الإبداع والترقي بنفسه، من خلال رفع كل مُعَوِّقات حركته وتفكيره وتعبيره عن رأيه. إنها باختصار الحرية الاجتماعية متمثلة بادئ ذي بدء في حرية المعتقد والدعوة إليه، وفي حرية إبداء الرأي والدعوة إليه، وفي حرية وحق المشاركة في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بوجه عام.يحضرنا في هذا السياق نص قرآني أثار جدلا وبلبلة في المفاهيم لدى المسلمين، فلم يعودوا - بموجب تصورٍ محددٍ سائدٍ وشديدِ الرواج لمعناه – يفرقون بين الحالات التي تبيح للمسلمين قتال الآخرين تحت عنوان الجهاد للقضاء على ما يسمى فتنة، وليكون الدين كله لله، وتلك التي لا تبيح لهم ذلك.. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194).لا نعرف أحدا من المسلمين – ونتمنى أن نكون مخطئين في ذلك – شذ في فهمه لمعنى الفتنة ولمعنى أن يكون الدين كله لله الواردين في هذه الآيات، عن اعتبار أن المطلوب تحقيقه هو إخضاع الجميع لهيمنة الإسلام، وفرض العيش عليهم تحت عباءته، وعدم السماح لغيره من الأديان أو النظم أو المعتقدات أو الأفكار، بأن تكون لها إسهاماتها في تسيير شؤون الدولة والأمة على قاعدة الشراكة والمساواة في المواطنة وفي الحياة وفي المصير، انطلاقا من الدلالة المتصورة لقوله تعالى "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".. وهنا مكمن الخطأ الفادح، القائم في الأساس على مبدأ الاجتزاء والقراءة المنتقاة، دون اتباع منهج موضوعي في ذلك.الغريب في أمر أهل العلم من المسلمين وهم يؤصلون بهذه الآيات الخمس لمنهج خطير في القمع ومصادرة الحريات في المجتمع، ولسياسة لا ترحم في التعامل مع الآخر، أنهم نظروا إليها – أي الآيات – بعين واحدة، واغمضوا عنها العين الأخرى. فهم لم يقرأوا في هذا النص سوى كلمات "قاتلوهم"، لكنهم لم يقرأوا أبدا كلمات "ولا تقاتلوهم"، وانتبهوا لكلمة "وأخرجوهم"، وغضوا الطرف عن كلمة "ولا تعتدوا". علما بأن سياق النص القرآني سالف الذكر لمن يقرأه بحياد وبعيدا عن أي موقف مسبق يبحث له عن تأصيل في ثنايا المرجعية النصية، هو سياق يؤصل لأمر آخر مختلف تماما عن ذلك الذي لٌوِيَ عنق النص كي يؤديَ إليه.الآيات واضحات جدا في أن القتال الذي أُمِرَ به المسلمون بمقتضاهن هو قتال مشروط، والتأكيد على الشرطية فيه، كان هاجسا جليا سيطر على صياغة هذا النص من بدايته إلى نهايته. فمنذ البداية هناك لفت نظر لا يحتمل التأويل إلى ألا قتال إلا لمن يقاتلنا، "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". ثم وفي الآية نفسها تأكيد على ألا نكون البادئين بالقتال، في وصف لهكذا حالة بإنها اعتداء لا يحبه الله، "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". ثم وبعد شرحٍ وتفصيلٍ للأسباب الموجبة للقتال، وهي "وأخرجوهم من حيث أخرجوكم"، واصفة هذا الفعل التهجيري القسري بأنه فتنة أشد من القتل، و"الفتنة أشد من القتل"، تعود الآيات للتذكير بما سبق وأن لفتت الانتباه إليه قائلة: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه"، لترسخ مبدأ عدم البدء بالقتال، وهو عدم البدء الذي يتخذ لنفسه مسارا مختلفا عندما يكون الحديث عن المسجد الحرام، حتى لو كان القتال خارجه دائرا وقائما، لتقرر في السطر التالي مباشرة حقيقة غاية في الأهمية غفل عنها كل قراء هذا النص القرآني العظيم، ألا وهي "فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم"..ترى لمن وجه الله تعقيبه بالغفران والرحمة إذا انتهى المشركون عن الاعتداء، أإليهم أم إلى المسلمين؟ هل يوجَّه التعقيب بهذه الصفات المغعمة بمعاني التجاوز عن الأخطاء، لمن كان معتديا مخطئا متجاوزا وكف عن الاعتداء والخطأ والتجاوز، أم لمن كان معتدىً عليه من الأساس، وأبعد ما يكون عن الوقوع تحت طائلة خطأ التعدي على الآخرين؟ أيهما الذي يحتاج إلى تذكيره بأن فعله سيكون محل اعتبار بالتجاوز عن السوء فيه إذا تم الكفُّ عن الاعتداءِ في حالةٍ فيها معتدٍ ومعتدىً عليه، أهو المعتدي الظالم، أم المعتدىَ عليه المظلوم؟المغفرة والرحمة لم يُعْرَضا في هذه الآية مكافأةً للصابرين على الاعتداء الذي تعرضوا له، أو على مقاومتهم لهذا الاعتداء، حتى يقال أنه موجه للمسلمين بوصفهم أولئك الصابرين وأولئك المقاومين. إن الله تحدث عن المغفرة والرحمة مباشرة عقب حديثه عن انتهاء المعتدين عن اعتدائهم، وهذا يعني أنه كان يتحدث عن المشركين وليس عن المسلمين. لأن المسلمين في هذا الظرف لم يكونوا محل وقوع في ذنب الاعتداء الذي يتطلب المغفرة والرحمة اللتين أشير إليهما في سياقٍ لا معنى له سوى المكافأة على كف العدوان والانتهاء عنه. لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد. فالآية التالية: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"، تأتي لتستكملَ الصياغةَ التأصيليةَ للموقف الإسلامي الذي أراد الله تأكيده وترسيخه في معرض تشخيصه لملابسات هذا الحدث.فإذا كان المشركون في حالة اعتداء على المسلمين تصب في خانة العمل على منعهم من مزاولة حقهم في العيش بأمان، وفي الدعوة إلى دينهم بحرية، وفي الاحتكام إلى شرائعهم بسلام. وإذا كان هذا الاعتداء هو الذي منح المسلمين الحق في الرد، للحيلولة دونه ودون تحقيقه لغاياته المتعارضة مع حقهم في الحرية والأمان والسلام، وهو ما تؤكده الآيات الثلاث الأولى من النص القرآني السابق. وإذا كانت الغاية من القتال المأذون به لهم من الله ردا على الاعتداء، إنما هي في معنى من معانيه، كي لا تكونَ فتنة وكي يكونَ الدين لله. وإذا كانت الغاية من الرد الذي أُذِنَ لهم به، هو أن يُجْبِروا المشركين على كف الاعتداء الذي أَلْزَمَ الله المسلمين بعده بالكف عن الحرب، واصفا استمرارهم فيها بأنه هو الاعتداء الذي لا يحبه.... نقول.. إذا كان كل ذلك واضحا وجليا بنص الآيات. ألا يعني أن الحالة التي سماها الله بـ " كي لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، هي ذاتها الحالة التي يمتنع فيها المشركون عن الوقوف في وجه حرية المسلمين في الدعوة إلى دينهم ونشر رسالتهم؟ فمادام الاعتداء من قبل المشركين، والإذن برد الاعتداء من الله، والكف عن الحرب من قبل المسلمين إذا كف المشركون عن عدوانهم، يصب كله في خانة غاية واحدة لها صفة واقعية يقتضيها الحال، ألا وهي "الانتهاء عن العدوان والاقتتال"، ولها وصفا اصطلاحيا قرآنيا نصت عليه الآيات هو "كي لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، فهذا يعني قطعا أن الحالة الواقعية المتمثلة بانتهاء حالة العدوان وبالكف عن الاقتتال المانع للحرية، هي ذاتها الحالة الموصوفة قرآنيا بحالة "انعدام الفتنة وكينونة الدين لله".أي أن الفتنة تنعدم والدين يكون لله بمعناه الذي أراده الله، بمجرد أن تتفشى حالة الحرية، التي تقتضي بموجب طبيعة الحدث الذي غطته الآيات السابقات، أن يكون الإسلام وبالتالي المسلمون جزءا من واقع تظلله الحرية السياسية والاجتماعية والعقدية الأشمل، باعتبارها الوعاء الأوسع والإطار الذي يحوي جميع من يشتركون في الجغرافيا والتاريخ على قدم المساواة، ليكون ذلك المقدمة الحقيقية لبدايات فلسفة المواطنة في التاريخ.
    ولك بالغ الشكر والتقدير سيدة "رغد" على إثارتك موضوعا كهذا.
    أسامة عكنان

  9. #39
    أستاذنا الكريم
    هل ترى أن العالم العربي يتجه نحو مرحلة أفضل ـ أم أننا نسير نحو غير ذلك ؟
    تحيتي .

  10. #40
    السلام عليكم ومن جديد:
    هذه الأفكار التي نبحث عنهاونريد نشرها وبلورتها هل يكفي أن تدور بيننا.؟
    ومادور الترجمة ؟ وهل هي فعلاقاصرة عن إخراج أفكارنا الهامة للخارج؟ قصور كتاب ام مؤسسات؟
    وماهو الحل برأيك لانتشار أفكارنا الهامة هل مازال العامل المادي هو الصعب؟
    مع جزيل الشكر.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 4 من 13 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 12:24 PM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 06:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 03:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 09:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 08:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •