وتهيأ القاضي لتلقي اعتراف صقر كما تهيأ مساعده للتدوين ولكن عناد صقر عاوده , فابتسم بسمة صفراوية
ثم قال:
-هل صدقت أن لي نشاطا إجراميا؟أنا لم أفعل شيئا
وبهت القاضي ,فإن هذه النفس القاسية لن تلين بهذا الأسلوب وقال القاضي:
-اسمع قصة ما فعلته أنت بلسان فؤاد , أنطق يا فؤاد.
وقال فؤاد:
-رسم لنا صقر خطة ما يتوجب علينا تنفيذه , فسرنا على خط مستقيم متفرقين متهيئين ,عند إشارة مخصوصة,ومتى أعطى صقر هذه الإشارة التأم شملنا وأصبحنا كتلة واحدة.وكان الشهر شهر رمضان وكان الوقت قبل المغيب .كان الطريق كلما مرت الدقائق يقذف بمشاته إلى دورهم سواء بالسيارات أو على الدراجات أو على الدواب.
وكنا نحن ننتظر حظنا واتفق أن الطريق في تلك الساعة قد خلا من أي شرطي , فلما وصلنا إلى مكان منعزل بصرنا برجل على دراجته مسرعة وبإشارة من صقر وقفت ووقف معي اثنان آخرين من العصابة أمام الدراجة فترنحت يمينا ويسارا بسبب استعمال راكبها للكابح استعمالا مفاجئا وعنيفا , ثم انقلب على جنبه وهو يشتم:
-كلب بن كلب. لعنة الله عليكم كدتم أن تبلوني فيكم.
وأجابه صقر:
-اخرس وإلا أخرسناك.
كان الرجل أطول منا جميعا وأكثر امتلاء,فما أن سمع ما وجهه إليه صقر من هجر القول حتى ارقد دراجته على الأرض ونهض كسبع. ورمى نفسه على صقر,وبإشارة من صقر تلقفناه بالضرب بينما كانت يدا صقر تلعب في جيوبه.وقد صدق حدسنا, فالرجل كان عائدا من عمله في تعهد بناء وهو معلم في ذلك التعهد تبين لنا ذلك من الأوراق التي كانت في جيوبه , وقد قبض"خمسيته"أي تعويضاته الأسبوعية ويبدو أن صقر يعلم أن العمال إنما يتقاضون أجورهم كل يوم خميس.
وبان اليأس على الرجل فمد يده إلى جيبه . وخشي صقر وخشينا أن تخرج بسلاح فكان أسرع منه فطعنه بخاصرته فتكوم على الأرض وتناولنا غنيمتنا وأسلم كل واحد منا ساقيه للريح. لم تمض أقل من ربع ساعة, حتى اجتمعنا في المكان المتفق عليه, وتقاسمنا الغنيمة.
وسأل القاضي صقرا:
-ماذا تقول بإفادة رفيقك؟
-كلها ملفقة ولا صحة لها.
-حسنا, ستجدها عما قليل أصح من الصحيح.ص 59