منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 73
  1. #31

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وتهيأ القاضي لتلقي اعتراف صقر كما تهيأ مساعده للتدوين ولكن عناد صقر عاوده , فابتسم بسمة صفراوية
    ثم قال:
    -هل صدقت أن لي نشاطا إجراميا؟أنا لم أفعل شيئا
    وبهت القاضي ,فإن هذه النفس القاسية لن تلين بهذا الأسلوب وقال القاضي:
    -اسمع قصة ما فعلته أنت بلسان فؤاد , أنطق يا فؤاد.
    وقال فؤاد:
    -رسم لنا صقر خطة ما يتوجب علينا تنفيذه , فسرنا على خط مستقيم متفرقين متهيئين ,عند إشارة مخصوصة,ومتى أعطى صقر هذه الإشارة التأم شملنا وأصبحنا كتلة واحدة.وكان الشهر شهر رمضان وكان الوقت قبل المغيب .كان الطريق كلما مرت الدقائق يقذف بمشاته إلى دورهم سواء بالسيارات أو على الدراجات أو على الدواب.
    وكنا نحن ننتظر حظنا واتفق أن الطريق في تلك الساعة قد خلا من أي شرطي , فلما وصلنا إلى مكان منعزل بصرنا برجل على دراجته مسرعة وبإشارة من صقر وقفت ووقف معي اثنان آخرين من العصابة أمام الدراجة فترنحت يمينا ويسارا بسبب استعمال راكبها للكابح استعمالا مفاجئا وعنيفا , ثم انقلب على جنبه وهو يشتم:
    -كلب بن كلب. لعنة الله عليكم كدتم أن تبلوني فيكم.
    وأجابه صقر:
    -اخرس وإلا أخرسناك.
    كان الرجل أطول منا جميعا وأكثر امتلاء,فما أن سمع ما وجهه إليه صقر من هجر القول حتى ارقد دراجته على الأرض ونهض كسبع. ورمى نفسه على صقر,وبإشارة من صقر تلقفناه بالضرب بينما كانت يدا صقر تلعب في جيوبه.وقد صدق حدسنا, فالرجل كان عائدا من عمله في تعهد بناء وهو معلم في ذلك التعهد تبين لنا ذلك من الأوراق التي كانت في جيوبه , وقد قبض"خمسيته"أي تعويضاته الأسبوعية ويبدو أن صقر يعلم أن العمال إنما يتقاضون أجورهم كل يوم خميس.
    وبان اليأس على الرجل فمد يده إلى جيبه . وخشي صقر وخشينا أن تخرج بسلاح فكان أسرع منه فطعنه بخاصرته فتكوم على الأرض وتناولنا غنيمتنا وأسلم كل واحد منا ساقيه للريح. لم تمض أقل من ربع ساعة, حتى اجتمعنا في المكان المتفق عليه, وتقاسمنا الغنيمة.
    وسأل القاضي صقرا:
    -ماذا تقول بإفادة رفيقك؟
    -كلها ملفقة ولا صحة لها.
    -حسنا, ستجدها عما قليل أصح من الصحيح.ص 59

  2. #32

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وأوجز القاضي إلى آذنه فإذا بباب المكتب ينفتح ويدخله منه رجل ملفوف الرأس بالشاش.وسأل فؤاد:
    -هل تعرف هذا الرجل؟
    وأفاد فؤاد:
    -نعم ,إنه الرجل صاحب الدراجة الذي قصصت عليكم قصته.
    وسأل القاضي صقرا:
    -ماذا تقول في كل هذا؟
    -...........
    وسأل القاضي الرجل:
    - هل تعرف هؤلاء؟
    - -نعم , إنهم الأشخاص الذين سلبوني على الطريق..
    - وبينما كان صقر ينظر بنظرة ملتهبة إلى فؤاد كانت يد القاضي تقلب ملفات كثيرة أمامه, فاستخرج منها ملفا وجعل يقرأ فيه. وقال القاضي:
    - -أتدري يا صقر من أمر هذه الملفات شيئا؟
    - كان صقر مقطبا جهم الوجه فلم يجب:
    - -إنها ملفات يتيمة ,هل تدري ما هي الملفات اليتيمة؟
    وظل صقر متجهم الوجه صامتا..

    -هي الملفات التي لم يعثر في الماضي على فاعل الجريمة فيها ولكن من حسن حظك أن الرجل لم يمت.
    وتوقف القاضي قليلا ثم وجه كلامه لفؤاد:
    -أتمم حد يشك يا فؤاد..
    -في أحد الأيام رأينا سيارة تقف في جوار دار وكان زجاجها مفتوحا لم تكن نفقه شيئا في قيادة السيارة.. ولكن أخذنا حقد لم نعرف مأتاه على صاحبها الغائب, فدخلت أنا فيها وخربت بعض أجهزتها , وكسر واحد آخر منا الأنتين, الكائن على رفرافها, إلا أنني اهتديت إلى تحريرها من كابحها وتمكنا جميعا من دفعها حتى أصبحت في رأس طرق منحدر حتى تركناها تهوي رويدا رويدا, واختبأنا في ناصية الشارع.
    فشاهدنا الناس يتسابقون في الفرار من وجهها وهم يتصايحون ويشتمون ويلعنون.وظلت السيارة في انحداهرها حتى وصلت إلى مستقر لها في شارع آخر.
    وسأله القاضي:
    -هل دهست السيارة أحدا؟
    -مطلقا.
    -يبدو أن حسن الطالع يحالفكم في كل جرائمكم ياصقر.
    وأضاف فؤاد:
    -في مرة ثانية لم نعن بمثل ذلك وإنما خربنا الأجهزة ,وبقرار واحدمنا بموسى إطارات العجلات.
    ص 62

  3. #33

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    في تلك اللحظة فتح الباب قاضي التحقيق ودخل رجل الضابطة وبيده غلام لم يتجاوز الثانية عشرة وقال:
    - سيادة القاضي , هذا "حبيب" الغلام المدعي عليه في قضية سرقة الدراجات.
    وأوعز القاضي للغلام بالجلوس , ولم يمض على دخوله ثانيتان حتى طرق الباب . وحين سمح القاضي للطارق بالدخول فتح الباب وظهر فيه رجل بادن ربعة غليظ العنق , بدا وكأنه قام من فوره عن وليمة دسمة وظل وهو وإن كان حيا قائلا صباح الخير سيادة القاضي , إلا انه بدا وكأنه يتفضل على الآخرين بتحيته.
    رد القاضي التحية ودعا القادم إلى الجلوس , فجلس , والتفت فإذا الاهتمام باد على كل من تقاطيع وجهه صقر بهذا الرجل.
    بلى .. لقد عرف صقر هذا الرجل
    بلى ..لقد عرف صقر هذا صقر هذا الرجل كما عرف أنه ممن يدخلون مثل هذا الدخول .لقد كان شاهده في مكان ما وسمعه يتحدث كأنه جدول منحدر من جبل ,كان في ذلك المكان يتحدث إلى صاحب محل تصريف الحشيش المخدر , ألم يتخل هذا له عن مقعده فيجلس عليه بدون كلمة شكرا؟ألم يطلب منه وكأنه يأمره بأن يضاعف جهده لإنجاحه في الانتخابات النيابية؟
    الآن وضحت الصورة في ذهن صقر بعد أن خفت ذاكرته إلى نجدته . واستخفه شعور جديد كل الجدة , فإنه ليبدو له من المحقق أن القاضي سيتحدث مع الرجل على مسمع منه,وإذن فلا بد أن يعلم جلية الأمر واشرأب الفضول في عينيه ظمآن.
    لم يخيب الرجل ظن صقر , فإنه خرق جدار الصمت وقال للقاضي:
    -جئت بشأن مخدومك "حبيب"
    -إنه يخصك ولاشك.
    -إنه ابني
    -أتعلم ما الذي اجترحه غلامك هذا؟
    -أعلم .. وأعلم أيضا أن الأمر لا يعدو كونه نشاطا صبيانيا.
    -لقد تعدى الأمر هذا الحد , فأصبح جريمة.. محاولة قتل.
    -ماكنت أعلم هذا , وإذن فالأمر يستحق عطفك ياقضينا.
    شعر صقر أن هذه اللهجة لم ترق للقاضي , لقد وجد فيها شيئا من الخفض وبدا أنه يحاول كبح جماح غضبه فقال للرجل:
    -كنت أتوقع أن تطلب مني وضع الغلام في الإصلاحية كيما يصار إلى تأديبه , فذلك أدعى إلى أن تجتث جذور الشر من نفسه.
    -وماذا أفعل ؟قلت أن الأمر لايعدو أن يكون نشاطا صبيانيا
    -هذا النشاط الذي من هذا النوع هو الذي عينوني لمكافحته . إنه غدا من نوع الجناية.
    -أنت متعصب أكثر من اللازم للقواعد.ص 63

  4. #34

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    -من الخير أن ينتهي حديثنا عند هذا الحد.
    خرجت هذه الكلمات الأخيرة من فم القاضي وهو أكثر ما يكون هدوء إلا أن الرجل تغير لونه لدى سماعة أيها وقد بدت بوادر النذر من خلالها . فنهض الرجل دفعة واحدة وخرج . وتابع القاضي عمله.
    أما صقر فقد فتنه أن يرى ولد المرشح للنيابة معه في نطاق واحد وقامت بينه وبين نفسه محاورة . كانت على "حبيب" سراويل من الجلد مخرقة وقميص مهلهل . وقال صقر لنفسه:
    -الآن أتساوى أنا وهذا الغلام ,فإنني وإن لم أكن أعرفه قبل هذه الساعة , إلا أنني أشعر بأنني أعرفه منذ وفد إلى هذه الدنيا .إنه صنو لي لا فرق بيني وبينه , وقد جاء أبوه ليستنقذه من يد القاضي.
    وود صقر لو بقي بين يدي القاضي حتى ينجز استجواب الغلام حبيب.. فمن المحقق أن وراءه أسرارا يروق له استجلاؤها..إنه زميل له
    - وإن لم يعرفه قبل ذلك –في العمل. وكل صاحب مهنة يلذ له أن ينكشف أمامه زميله في المهنة.
    وجاء قرار القاضي باستجواب حبيب محققا لأمل صقر وإن لم يدرك هذا الأخير السر الذي جعل استجواب حبيب يتقدم استجوابه هو عن الوقائع التي كشف عنها فؤاد أخيرا.
    ولبث صقر وكله آذان يستمع إلى حبيب وهو يسرد أمام القاضي بدون أن يتحرج كل ما اجترحه وإذا به هو يستشعر كرها لهذا الغلام.
    وأرسل بقرار التوقيف إلى رئيس النيابه لمشاهدته, وجاء فورا نبأ سعى به أحد الكتاب يفيد أن النائب العام قد استأنف قراره بالتوقيف , ولبث القاضي ينتظر ما سيقرر عند قاضي الإحالة الذي سينتظر في هذا الاستئناف.
    وإذا بدهشة تتعاظم عندما عادت الأوراق وقد اقترنت بقرار من قاضي الإحالة بفسخ قراره بتوقيف "حبيب" ثم بإطلاق سراحه لصغره لصغره , وهو مانم عليه بتقرير طبي ينزل بسنة إلى ماتحت السابقة.
    وبان الغضب على وجه القاضي فاتخذ قرارا بتوقيف صقر, وهو يقول:
    -الآن سنرى أين طالعك من حظ زميلك حبيب.
    وعادت الأوراق بعد إرسالها إلى النائب العام مقترنة بالموافقة على التوقيف .
    وأوعز القاضي إلى رجل الضابطة بنقل صقر إلى دار.
    الأحداث , إلا أن ما حدث بعد ذلك أن صقر تملص من يد رجل الضابطة الذي ما إن بغته الأمر حتى سد الطريق على صقر , فما كان من هذا الأخير إلا أن انزلق على الأرض ودخل بين ساقي الشرطي ليخرج من الجهة الثانية ويختفي.
    ....ص 67


  5. #35
    عندما أصبح صقر حرا طليقا , كان همه التواري عن الأنظار رجال الشرطة لأنهم أصبحوا يعرفونه, ولم يخف عليه أنه ملاحق فهو هارب.
    ولكن ثقته بنفسه كانت بالغة حد الكفاية فقد اكتسب في أيمه السالفة مرانا على اجتناب الأماكن ذات الخطر , فتفادى من دخول دور السينما ولم يظهر في أي موقف باص, ولكنه ما لبث أن شعر بضيق ..فمكان نومه أصبح أكثر من مكان في ليلة واحدة ,/ كان متشوقا إلى تنسم أخباره هو, الأخبار التي تدور حوله أو التي يدور هو في فلكها,وراجع حسابه الماضي مستعرضا وجوه أفراد عصابته فردا فردا ولكنه كشر وبان الاشمئزاز على وجهه , فهو لن يقبل بعد اليوم واحدا منهم , وفجأة صورة أبي لبادة تطالعه وتداعبه.
    -ما رأيك فيه؟
    صحيح أن أبا لبادة تلكأ بل أهمل أن يسعفه في وقت الضيق ولكنه رجل يعتمد عليه ,إنه زئبق بكل ما تعطي هذه الكلمة من معنى فإذا قرن مصيره بمصيره نتج خليط جيد من المرونة والتفكير المنتج.
    من لي بأبي لبادة؟بلى إنه في ذلك المكان ممثلا بفرد من أفراد عصابته , ولكن هل يقبله أبو لبادة , هل يغفر له؟
    استبعد صقر الفكرة نهائيا إنه جوعان فليسطو ليأكل , كمثل أسد جريح لجأ إلى استغفال بائعي الطعام الباسطين بضاعتهم على الأرصفة ..فالطعام غير مرئي ولكنه مقيم للأولاد أكثره فواكه في سوق الخيل.
    عادت إليه فكرة الانتقام بعد أن شبع بعض الشبع,الانتقام من صاحب المحل ومن فؤاد الذي جاء ليكبل يديه بالحديد , أين فؤاد الآن تذكر أن فؤادا ذهب إلى أهله وقد نفض عن أذياله عددا لا يحصى من عمليات السطو والسرقة والنشل , الوغد..كان سنه أقل من سبع سنوات لهذا استقدم القاضي عم فؤاد وسلمه إليه , إنه يعرف مكانه.
    عندما وصل إلى أول حارة في كفر سوسة وجد دكانا قيد الإنشاء فاختبأ فيها , بقي على هذا ساعات طويلة , امتنع عن سؤال أي طفل أو غلام عن فؤاد حتى عثر به في الهواء قائلا :
    دخيلك ..
    كانت يدا صقر أسرع وأشد قبضت على فؤاد فرفعته وفعة فوق رأسه وضرب الأرض به.
    فبدا فؤاد بلا حراك ولاحس , شاهد العملية غلام آخر هم صقر بوضع نعله على عنق فؤاد , وضع النعل وضغط فإذا بعم الغلام مقبل.
    اختفى صقر , وهو يقول:
    -إلى وقت ياقؤاد.
    أما صاحب المحل فقد فكر فيه صقر تفكيرا أكبر .. وتفتقت قريحته عن طريقة مستحدثة : صاحب المحل اعتاد أن يسكر عند العصر , إذن يمكن استدراجه إلى بيت قرب نهر تورا حيث الكبير , وهناك وبمسعدة شخصين توضع قد ما صاحب المحل في صفيحة ملأى بالاسكنت المجبول حديثا, حتى إذا جف الاسمنت على القدمين ألقي بصاحب المحل في النهر , إذن فالخطوة الأولى هي استصحاب شخصين آخرين , ليس هناك عجلة من الأمر , معه كل الوقت مادام يحسن التخفي , ليكتفي الآن بمراقبة صاحب المحل وياعين أين يذهب ,
    ص 69

  6. #36

    ولتحديد توقيت رواحه ومجيئه وأماكن وجوده في مختلف ساعات النهار , الذي أكد له سلامة هذه الفكرة هو أن صاحب المحل لم يرد ذكره على لسان أي مستجوب أمام القاضي.
    فلقاضي لا يدري من نشاط صاحب المحل في الاتجار بالحشيش شيئا,إذن فهو يستطيع أن يرود حول المحل بحرية بشرط أن لا يلمحه صاحب المحل.
    كانت فكرة إغراق الرجل أنيابا تنهش في جوف صقر حتى ينفذها , نام مع الفكرة , قام مع الفكرة , شرب مع الفكرة .. الحقيقة أنها أعجبته , وأعجب بذهنه الذي أبدعها, فكرة لا تكلف شيئا ولايدري بها احد, مأمونة العاقبة إلى أقصى حد,إذا ما ابتلع النهر الرجل فلن يطفو أبدا.
    لا مانع من تهيئة وسائل التنفيذ .. دخل بين البساتين, وعاين شاطئ النهر شبرا شبرا , انتقل إلى الشاطئ الآخر, هناك في مكان ما مزبلة فيها أكوام من التنك المهجور, أما الإسمنت فيمكن سرقته مع الرمل من إحدى ورشات البناء وما أكثر هذه الورشات في المدينه .. تابع صقر تجواله على الشاطئين فوجئ بغرفة مهجورة , عاين مدخلها ,وحدودها وموقعها , قرر في النهاية أنها صالحة لتنفيذ الخطة.
    في الأيام التالية حرص صقر على التعرف على أعوانه المقبلين، فكان لا بد منه أن يرود أمام أبواب دور السينما و الملاهي ليستطلع الوجوه الغادية الرائحة هناك مستعينة بما أوتي به من فراسة و أقحم نفسه في المشاحنات الجارية هناك بينهم ليعجم عود المتشاحنين حتى اهتدى إلى عنصر توصم به الاستجابة لما يطلبه منذ أيام و عندما اطمأن إليه أو كاد وجه الحديث بينه و بينه إلى النشاط الذي اعتاد عليه فلمس عنده استعدادا منقطع النظير ،فترك الحذر و فاتحه بالأمر عارضا عليه مبلغا من المال.
    كانت هذه المفاوضات وبالا على صقر فإن طيره في الحقيقة كان باشقا ،أطلقته المباحث الجنائية ليصطاد العصفور الملاحق و كان حظ صقر في هذه المرة حسنا،فإن إدارة المباحث لم تشأ أن تمشي مع صقر إلى نهاية الشوط لتقضي عليه متلبسا بجريمته ، و عقلها عن ذلك اجتهاد القضاء الذي لا يأخذه إلى ذلك الاستدراج ، كدليل على نية إتمام الجريمة ففضلت القبض عليه كهارب من وجه العدالة.
    و هكذا عاد إلى قاضي التحقيق ليستجوبه عن جرم جديد هو فراره من وجه العدالة.
    سار الرجل الضابطة من صقر من نظارة التوقيف إلى محكمة الأحداث و حين دخل كان قاضي التحقيق منهمكا في استجواب إحدى الأحداث البنات ،فلم ينتبه لوجوده و تلقفه المساعد فأوعز له بالجلوس ،وخرج رجل الضابطة ينتظر أما باب قاعة المحاكمات .
    كان الاستجواب شبيها بما وجهه إليه قاضي التحقيق و جعل صقر يردد بينه و بين نفسه ما كتب على اليافطة المعلقة على باب القاعة عندما غشيها : (محكمة الأحداث الجناحين) ، و كان قد دخل المدرسة و بقي فيها لمدة سنتين و ذلك ما أـسعفه أن يهجي هذه الجملة فهجاها بصعوبة و لكنه لم يفهم معناها .
    (الأحداث الجانحين )ما معنى هذه الجملة ..لم يهم منها سوى لفظ ( ذكرها أحد أترابه في نظرة التوقيف أول مرة .. محكمة تعني المكان الذي يرسل منه إلى الحبس.و لكن، ما أغلق على فهمه أكثر من أي شي آخر هو ما سمعه من رجال معه في نظارة التوقيف إذ ذاك ، قال هؤلاء الرجال إن هناك محكمة سقفها مرتفع جدا،في فنائها حواجز خشبية مزخرفة عالية جدا يجلس عليها ثلاثة أشخاص في الوسط و شخص رابع بمواجهتهم على يمينهم يصيح كثيرا و يضرب الحاجز بقبضته و شخص خامس بمواجهتهم أيضا و على يسارهم يكتب، و هم جميعا يلبسون ألبسة غريبة . القاعة فسيحة جدا وهي بما فيها ومن فيها مرعبة.
    تذكر صقر أن الموقوفين قالوا على مسمع منه ك
    أن هذه القاعة وصفوفها اسمها محكمة الجنـ الجنايات.. هذا ما يذكره , ما معنى الجنايات؟
    إلا أن صقر صحح معلوماته الآن حين سمع القاضي يقول لمساعده :هذه الأفعال من نوع الجنايات
    فافتح لها ضبطا خاصا ..صحيح الآن تذكر أن تلك كانت محكمة الجنايات , ولكن ما معنى جنايات؟
    ثم إذا كانت هذه محكمة , فليست الغرفة من السعة بحيث ينطبق وصفها على تلك ..ليس فيها سوى قاضي واحد,لا يجلس على حاجز خشبي مرتفع بل وراء مكتب.
    هذا ما عرفه حين دخل رجل يخاطب الرجل الجالس وراء المكتب قائلا:
    سيادة القاضي , صحيح أن على يسار هذا القاضي شخص يكتب ما يمليه عليه القاضي , ولكن هل حقا هذه محكمة؟.
    ص 72


  7. #37
    فتح عينيه أكثر فأكثر , وصب نظراته على القاضي , فوجده شخصا رفيقا يكلم تلك البنت الماثلة أمامه برفق وأناة . لم يصدق .. وقال بينه وبين نفسه:

    • هؤلاء الأشخاص خداعون , يطلون حديثهم بالعسل , حتى يتمكنوا من الوصول إلى ما يبتغون ,حتى إذا ما ظفروا نكلوا بمن يستجوبونه.. ليس هناك من سوى الحبس . ليس في هذه الدنيا غير الأشخاص الملاعين الخداعين , أبو لبادة وصاحب المحل , وربما هذا القاضي .

    وأشاح بوجهه وقلب شفته لا يعينه من كل ما يجري شيء وعلى كل حال فلن يظفر هذا القاضي منه بكلمة واحدة . ما حصل عند قاضي التحقيق سيحصل هنا, لماذا يغير موقفه؟
    انتهى القاضي من استجوابه للبنت , فنادى رجل الضابطة الذي دخل وأخذ له التحية , هذا الرجل هو غير رجل الضابطة الذي أحضره هو , وقاد الرجل البنت خارج القاعة إلى أين؟ أغلب الظن إلى دار الأحداث . هذا ما أخبره به لداته في نظارة التوقيف :

    • ماذا في معهد الأحداث ؟ أكل وشرب ونوم وتعلم مهنة . أشار له القاضي بالاقتراب , فلم يتحرك وظل ينظر ألى القاضي , وعندما أشار إليه مرة ثانية قام متثاقلا وجلس حيث أشار , وسمعه يسأله:
    • - اسمك. اسم أمك.. اسم أبيك.. محل إقامتك؟
    • - اسمي صقر ولا أعلم اسم أمي ولا اسم أبي لا أقسم في مكان.
    • ص 73

  8. #38
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نعتذر بداية عن تخلفنا عن اتمام النقل ونعاود فالتمسوا لنا العذر وشكرا لسعة صدركم.

  9. #39
    • أين تنام؟
    • أنام حيثما يدركني النعاس.
    • قلب القاضي شفتيه ثم سأله:
    • -أين تأكل ,ومن يقدم لك الطعام؟.
    • -آكل ما تصل إليه يدي خطفا من محلات باعة المآكل.

    هز القاضي رأسه ثم قال:
    -لا يمكن أن تكون قد نشأت على هذا الشكل منذ ولادتك,لابد أنك كنت في يوم من الأيام تقيم في دار.
    -كنت أقيم بدار أم محمد,ثم ماتت ,أخبروني عندما ماتت بأنها كانت أخذتني من الطريق.
    هز القاضي رأسه ثانية ثم سأله:
    -هل تنوي أن تقضي حياتك بهذا الشكل؟
    -كل الأولاد مثلي ,أنا واحد منهم.
    -إذا قدمنا لك محل إقامة يعتني بك ,وفيه تتعلمو وو ماذا تقول؟
    -ولماذا تقدم لي؟ماذا تجني أنت من ذلك؟
    -لاشيء ,سوى أنني أريد ان أراك نظيفا متعلما آدمي
    -أنا مليح هيك.
    قالها صقر بلهجة زغرتية,وأشاح بوجهه عن القاضي.
    -يبدو أنك قاسيت كثيرا يا صقر من الشقاء ,ستتغير الأمور منذ الآن ما عليك الآن سوى أن تذكر لي ما فعلت طول الزمن الماضي,وعفا الله عما مضى.
    -لا قاسيت ولاشيء
    -أنت تقول ما قاسيت ولكنني أنا أعرف ما قاسيته من الآلام.
    -ليش كنت معي؟طول الوقت؟.
    -لا,ولكنني أعرف.
    سكت صقر وظل مشيحا بوجهه,وقال القاضي.:
    -والآن؟نحن بانتظارك لتذكر لنا ما فعلته وتريح ضميرك.
    -ما فعلت شيء
    --أنا أذكر لك ما فعلته,اتفقت مع فؤاد و و على النهب
    -هذا ما ذكره لي المستنطق وأنا ما عملت شيء.
    -رفاقك ذكروه بالتفصيل.
    -هم فعلوا..يصطفلوا أنا ما فعلت شيء.
    -أنت تنكر أنك كنت تعيش وإياهم دائما.
    -وإذا؟
    -هل بينك وبينهم عداوة؟
    -لا أعرف.
    -إذن فهم صادقون فيما وصفوا.
    -لا..
    -لا تظن أن عندنا ضرب أو تعذيب ,لن يصيبك من اعترافك أي مكروه أؤكد لك.ص 75

  10. #40
    • أين تنام؟
    • أنام حيثما يدركني النعاس.
    • قلب القاضي شفتيه ثم سأله:
    • -أين تأكل ,ومن يقدم لك الطعام؟.
    • -آكل ما تصل إليه يدي خطفا من محلات باعة المآكل.

    هز القاضي رأسه ثم قال:
    -لا يمكن أن تكون قد نشأت على هذا الشكل منذ ولادتك,لابد أنك كنت في يوم من الأيام تقيم في دار.
    -كنت أقيم بدار أم محمد,ثم ماتت ,أخبروني عندما ماتت بأنها كانت أخذتني من الطريق.
    هز القاضي رأسه ثانية ثم سأله:
    -هل تنوي أن تقضي حياتك بهذا الشكل؟
    -كل الأولاد مثلي ,أنا واحد منهم.
    -إذا قدمنا لك محل إقامة يعتني بك ,وفيه تتعلمو وو ماذا تقول؟
    -ولماذا تقدم لي؟ماذا تجني أنت من ذلك؟
    -لاشيء ,سوى أنني أريد ان أراك نظيفا متعلما آدمي
    -أنا مليح هيك.
    قالها صقر بلهجة زغرتية,وأشاح بوجهه عن القاضي.
    -يبدو أنك قاسيت كثيرا يا صقر من الشقاء ,ستتغير الأمور منذ الآن ما عليك الآن سوى أن تذكر لي ما فعلت طول الزمن الماضي,وعفا الله عما مضى.
    -لا قاسيت ولاشيء
    -أنت تقول ما قاسيت ولكنني أنا أعرف ما قاسيته من الآلام.
    -ليش كنت معي؟طول الوقت؟.
    -لا,ولكنني أعرف.
    سكت صقر وظل مشيحا بوجهه,وقال القاضي.:
    -والآن؟نحن بانتظارك لتذكر لنا ما فعلته وتريح ضميرك.
    -ما فعلت شيء
    --أنا أذكر لك ما فعلته,اتفقت مع فؤاد و و على النهب
    -هذا ما ذكره لي المستنطق وأنا ما عملت شيء.
    -رفاقك ذكروه بالتفصيل.
    -هم فعلوا..يصطفلوا أنا ما فعلت شيء.
    -أنت تنكر أنك كنت تعيش وإياهم دائما.
    -وإذا؟
    -هل بينك وبينهم عداوة؟
    -لا أعرف.
    -إذن فهم صادقون فيما وصفوا.
    -لا..
    -لا تظن أن عندنا ضرب أو تعذيب ,لن يصيبك من اعترافك أي مكروه أؤكد لك.ص 75

    -ما عملت شي,أقول لك ما عملت شي..-
    -لن يفيدك الإنكار ولن يضرك أن تصف لنا الحقيقة..قلت لك إن هدفنا أن نوفر لك السكنى والعيش الكريم والتعليم,فهل ترفض ما نقدم لك؟.
    -أنا عايش هيك ومابدي غير شي.
    -ولكن الحكومة تريد غير هيك.
    -تصطفل.
    ووجد القاضي أخيرا أن ما ذكره صقر ,إذا أضيف إلى ماورد في إفادات أترابه يكفي.
    هذا ما قاله لمساعده,وأشار إليه بأن يختم المحضر.
    -تعال وقع يا صقر.
    -شو وقع؟.
    -أكتب اسمك.
    -على شو؟
    -على الكلام الذي نطقت به.
    -أنا ما نطقت بشي.
    -ستكتب اسمك طوعا أو كرها.
    نظر صقر إلى القاضي عند ذلك نظرة المستعجيب,ثم قام متثاقلا ,أشار له القاضي إلى مكان على الورقة فكتب اسمه بشكل غير مقروء ,نادى القاضي رجل الضابطة وقال له:
    -خذه إلى معهد الأحداث الجانحين.وهذه ورقة إيداع باسمه :الأحداث الجانحين..الأحداث الجانحين,سمع هذه الجملة مرارا وتكرارا ,ولكنه لم يفهم من مضمونها شيئا,أنا من الأحداث الجانحين؟ماذا يعني هذا؟لقد كنت أعيش كما يعيش خلق الله ,فما معنى أنني من الأحداث الجانحين؟.
    وسمع صقر القاضي يقول له وهو متجه إلى الباب:
    -سأزورك في المعهد يا صقرلأرى كيف سيتطور حالك ,وتصبح رجلا نظيفا ذا خلق حسن.
    وخرج وهو يقول بينه وبين نفسه:
    -أنا مليح هيك.ما معنى أن أكون ذا خلق حسن؟.الناس دأبهم توجيه الكلمات غير المفهومة هنا وهناك.
    وأحس بيد الشرطي تطوق معصمه وتؤلمه,ولكنه لم يتفوه بكلمة وسار صابرا إلى حيث يقوده ,ولكن إلى أين؟وتذكر مرة ثانية أنه إنما يقوده ليودعه في معهد الأحداث بعد الحكم عليه.
    *****
    عندما دخل صقر مكتب مدير معهد الأحداث لم ير وجهه..فقد كانت تحجبه عن النظر إليه أوراق كبيرة الحجم رفعها المدير أمام وجهه,كان صقر مشوقا لأن يعرف كيف هو هذا المدير وما هيئته وبماذا يوحي..ص87

صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •