فتاة عصريه
2
.. لقد فكرت حينذاك بسامر وبالحي المثالي معه وشعرت بأنه أفضل من يكون زوجا لها , لو أنه مارس حياته بجد واجتهاد أكثر مما هو عليه ونظرت إلى حبها العصري مع وسيم وشعرت بعدم الثقة والخوف من الزواج به , رغم إعجابها به .. وهنا بدأت تفكر بواقعية في حياتها , فإذا استخدمت عقلها كأي إنسانة عادية فيجب أن تختار المهندس لمستقبلها , أما إذا استخدمت عواطفها فسوف تختار وسيم والمستقبل بالعواطف بالمخاطر , وحينما تستخدم عقلها وقلبها فإنها تجد في سامر أنسب شخص لها وهي حائرة ومترددة وترددها هذا يرجع إلى طبيعتها الغير عادية في حياتها .. وسامر معجب بذكائها ولكن هل الذكاء يعني أن نقفز على مجتمعنا وتقاليدنا .
وهل يعني الذكاء أن يكون صاحبه حديثا على لسان الجميع فقد وجد سامر إنها تسرف كثيرا في علاقاتها مع زملاء العمل , الذين يغدقون عليها عبارات الثناء والإعجاب الصريح والمكشوف , بل إنه يسمع عن علاقاتها بحسان مدير التحرير على ألسنة جميع الصحفيين في المؤسسة , تراه ماذا يفعل وفي يوم تصادف وجوده معها في مكتبها حينما دخل علليهما "حسان" فجأة ووقف ينظر إليهما طويلا لم يكترث سامر بنظراته بل وقف يراجع مقالا صغيرا كتبته نهال : فإذا بحسان يقول له : أعتقد أنك لو جلست إلى مكتبك أفضل من وقوفك هنا , لقد مررت أمام مكتب نهال منذ نصف ساعة وأنت هنا وأحمر وجه "سامر" وجد نفسه يقول لرئيس التحرير : أنك مخطئ يا سيدي , فلم يزد وقوفي عن خمس دقائق , ورمقه حسان بنظرة صفراء , دون أن يرد عليه بكلمة واحدة . دخل مكتبه وهو ينظر إلى سامر نظرة ذات معنى , أسرعت بعدها نهال لتقول لسامر أن يخرج من مكتبها وتركته لتلحق برئيسها ..
وكانت تلك الحادثة كالقشة التي قصمت ظهر البعيد بين سامر ونهال , فجلس حانقا وغاضبا على تصرفها وأمسك بالتلفون ليحدثها , فطلبت منه أن يؤجل الحديث لوقت آخر , لكنه رفض بعناد وأصر على أن يقول لها : في اليوم الذي أكون فيه خطيبك سوف تغيرين كل طباعك , بل إني أريد منك أن تغيري طباعك الآن , لا أريد منك أن تحادثي أحدا في أكثر من شؤون العمل , ولا أريد أن أراك تنهضين عن مقعدك لأي مكان , يجب أن تحترمي اسمي وتقدري أنك مقبلة على زواج , تصرفاتك قبل هذا الوقت لا تهمني ولن أحاسبك عليها , ولكني منذ اليوم سأحاسبك على كل تصرف يظهر منك , وتلك التصرفات وحدها التي ستثبتين لي بها أنك تحبينني أولا فلم تكترث وأصابه الذهول منها وأصبح حائرا مع تلك الفتاة التي لعبت بعواطفه أكثر من عامين لتنهي الأمر معه طرطورا .. إنها شقية بائسة , ستدمر نفسها .
إنها حرة بعد الآن ولن يهتم بها أو يكترث لها ..
فالمثالية المفرطة التي يعيشها عقله في دوامة من عدم التوازن مع المجتمع الذي يعيشه وخاصة الفتاة الذكية التي أحبها ولا زال يحبها , فلابد أن يكون أفضل منها لكي يكسر أنفها المكابر معه , فكتب قصة عنها وعن حبه لها , الضائع لها الذي فرطت به مع غيره .
في نفس الوقت كان الشحوب يمد خيوطه على وجه نهال والاصفرار والهزال يكسو سخنتها , منذ أن تمت القطيعة بينها وبين سامر وبالرغم من ذلك , لم يحاول العودة إليها حتى التقى بها عرضا فعاتبته قائلة : إنني جد غاضبة عليك لأنك لا تكلمني , هكذا مرة واحدة .. فقال : رفضتني , فلم احتمل ذلك منك , فأجابته بدلال .. أنا لم أرفضك , وتذكر أنك أنت الذي أسأت التصرف معي .. وعموما فأنني لا أجد مبررا للقطيعة الكاملة بيننا ألسنا زملاء في العمل وتردد للحظات قبل أن يقول لها لن أكتفي معك بالزمالة , أريد الحب , أريد حبك .. وإجابته وعيناها مصوبة إلى الأرض : كنت دائما : أحبك , وأنت غير قادر على أن تفهم فقاطعها : كان لدي الشعور كاملا بأنني أحبك , ولدي حاسة قوية بأنك تبادليني نفس الشعور , ولكني لم أحب يوما من الأيام أن أرى في عينك مظاهر الندم على ارتباطك بي , وأنا لا أزيد عن صحفي صغير فردت عليه بقوة وإيمان : لم تكن في يوم من الأيام تهمني الوظيفة ولا الراتب , فأنا موظفة واستطيع مساعدتك في شئون البيت , ولكن شكوكك وغيرتك , وتصرفك الأخير معي جعلني أفقد الإيمان بحبك .. ومسح يديه على وجهه , وهو يتألم .. ثم قال : سامحيني فأنا لا أثق بنفسي ولكنني أثق بك , وتلك الثقة الكبيرة فيك تجعلني , أراك بعيدة عني .. فأجابته : بهدوء : ذلك أيضا ما لا أحبه فيك أيضا , أنك خيالي أكثر مما يجب , لم تتعود الواقعية .. وبعد تردد قصير وهو ينظر إلى عينيها الساحرتين : هل أنا مخطئ إذا نهال , وهل تحبينني كل هذا الحب وأنا لا أعرف , هل أنت جوهرة عظيمة كما تخبرينني الآن وهل كنت غبيا طوال الوقت .. فقالت بثقة : يؤسفني أن أقرر أنك غبي , وقد كنت أعتقد فيك الذكاء والفطنة , وأنت كاتب قصة .. وتصيب العرق من جبينه وسألها متلعثما ولكن وضحي لي بصراحة .. وسيم وحسان ..!! فقالت : لا شئ بجانبك .
إنها فتاة طموحة وأحبته لطموحه أنها فتاة غير عادية وأحبته بطريقة غير عادية , أحبته من لاشي أيضا , أنه لا يزال في بداية طريقه للحياة وليكن صريحا مع نفسه , أنه الناقص أنه المستهتر أنه الغبي , أما هي فعندها المثالية والذكاء والكمال ,