الترجمة الحرفية والترجمة المعنوية :
أولا : الترجمة الحرفية :
برز هذا المنحى من الترجمة على يد يوحنا ابن البطريق ، الذي عاصر المأمون .. وكان هذا المنحى قد يكون مقبولا في الترجمات التي تخص العلوم الطبيعية والطب والرياضيات .. حيث لا تتأثر قيمة العمل المترجم كثيرا ، في حين كانت ترجمة الأعمال الفلسفية مليئة بالأخطاء ، حيث تختص كل لغة في تزويد أبناءها بنمط للتفكير يختلف عن غيرهم من أبناء الأمم الذين لهم لغات مختلفة ..
كما أن المترجمين الذين تولوا أعمال النقل من اليونانية الى العربية ، كانوا يقعوا في أخطاء نتيجة أمرين ، الأول : عدم إلمامهم باللغة اليونانية إلماما يؤهلهم فهم ما يقرءون ، ليستعيضوا عنه بمفردات عربية .. والثاني : عدم إلمامهم الكافي باللغة العربية ، ليكتبوا ما فهموه ( إن فهموه ) باللغة العربية .
من هنا ، برز منحى جديد ، وهو النقل من اليونانية الى السريانية ، ومن ثم ترجمة ما نقل الى السريانية للعربية .. فتصبح عملية فقد القيمة قد مرت بمرحلة إضافية تقلل من قيمة ما تمت ترجمته .
ثانيا : الترجمة المعنوية :
يرجع الفضل بهذا النمط من الترجمة الى ( حنين بن اسحق ) .. فكان صاحب تلك الفكرة ، والتي مفادها أن تقرأ الجملة من اللغة الأجنبية ، ثم تفهم ، فيتم بعد ذلك التعبير عنها باللغة المنقول إليها ، ولا يشترط هنا أن تكون عدد الكلمات في الجملتين متطابقا ، فقد تكون الجملة المنقول منها باللغة الأصلية أكثر بعدد الكلمات وقد تكون أقل ..
وقد ظهر في هذا النوع من الترجمات بعض المساوئ :
1 ـ عدم قدرة المترجمين على الإحاطة الكاملة في مادة الموضوع المنقول ، أي عدم تخصصهم المهني في ذلك الجانب .. فيكون القارئ أسيرا لمدى قدرة المترجم على فهم ما قرأ .
2 ـ تدخل أهواء المترجم .. وخصوصا الدينية .. فيحرف ما قرأ وفق هواه الديني .. أو وفق هواه العرقي ( القومي ) كما حدث في ترجمات الفرس .. أو وفق هواه الجهوي ، كما حدث في إسهامات اليمنيين عندما ، رأوا أن الأضواء خطفت من منطقتهم ورحلت شمالا بعد ظهور الاسلام ..
3 ـ طمع المترجمين في المال .. حيث أن المأمون انتهج نهجا في مكافأة المترجمين بوزن ما ترجموا بالذهب .. فكان أحدهم يطيل بشرح الفكرة .. أو يجعل من الفصل الواحد كتابا مستقلا ، طمعا بالمكافأة .. أو يقومون بتحريف ما ترجموه سابقا ، لصيغة جديدة ، ويقدموه على أساس أنه عمل جديد ..
أسباب حركة الترجمة :
كان لحركة الترجمة دوافع و أسباب ، جعلت العرب يهتمون بها ذلك الاهتمام المفاجئ ومن تلك الأسباب :
1 ـ تيقن خلفاء بني العباس ، أن المعرفة و الثقافة هي من أهم العوامل التي ترتكز عليها نهضة الدول .. خصوصا أن الإسلام فرض على كل مسلم ومسلمة طلب العلم ، وميز بين الذي يعلم والذي لا يعلم .. وحث على طلب العلم ولو في الصين .. وطلبه من المهد الى اللحد ..
فخرج الخلفاء العباسيون ، من الاكتفاء بعلوم الدين ، الى البحث عن مواطن المعرفة والعلم عند من سبقهم من الحضارات ، فوجهوا اهتمامهم الى النقل من الحضارة الهندية واليونانية والسريانية و الفارسية .. فنبشوا كنوزها ، وطوروا عليها وقدموا خدمة لتلك الحضارات ، إذ حفظوها وجددوا شبابها ونقلوها الى أكثر من لغة ، وشرحوها و أضافوا لمساتهم عليها ..
2 ـ باتساع رقعة الدولة العربية ، برزت الحاجة لعلوم وفنون تتناسب مع هذه السعة ، فمد الطرقات وبناء دور الدولة وقصور العاملين يحتاج الى فن الهندسة والرياضيات ، وساعد على هذا توفر الأموال التي طبعت الدولة بالرفاهية ، فكانت علوم الطب و الهندسة والرياضيات لتلبية إشباع الحاجات الأساسية والفرعية ، وهذا ما دفع الخلفاء للاهتمام بنقل من سبقهم من حضارات .
3 ـ ان الشعوب غير العربية التي دخلت بالإسلام ، كان عليها تعلم العربية لفهم الدين ، وليتسلموا وظائفهم في الدولة التي كانت لغتها السائدة هي العربية .. فقاموا بترجمة علومهم من لغاتهم الأصلية الى العربية ، ليبينوا قوة ماضيهم وعراقة نسبهم وحسبهم ، ويحققوا بذلك أكثر من غاية ..
4 ـ الجدل الديني بين الطوائف ، والمناظرات التي كانت تتم في المساجد والمجالس ، حول أمور فلسفية و دينية ،و هل الإنسان مخير أم مسير ، دفع الخلفاء للاعتناء بما قيل في هذا الصدد ، في القديم وخصوصا عند فلاسفة اليونان ، كذلك دفع التهويش والجدل الذي كان يثيره اليهود والنصارى الى البحث فيما قاله من سبقوهم ، للاحتياط في المناظرات ..
5 ـ الدافع الشخصي للحكام والأمراء ، فإن مال أحدهم الى جانب ، دفع المترجمين للقيام بترجمة ما يتعلق بهذا الجانب من مؤلفات قديمة .. كما حدث في موضوع الطب و التنجيم والمنطق عند بعض الخلفاء ..
ـــــــــــ
المراجع :
ناجي معروف : أصالة الحضارة العربية
عمر فروخ : تاريخ العلوم عند العرب
حكمت نجيب عبد الرحمن دراسات في تاريخ العلوم عند العرب الموصل 1977
خليل ابراهيم السامرائي /دراسات في تاريخ الفكر العربي الموصل 1986