الهجرة الصهيونية:
هدفت الحركة الصهيونية الى تهجير اليهود الى فلسطين منذ تأسيسها، ولكن كيف بدأت الهجرات الى فلسطين؟
الهجرة الأولى (1881ـ 1904)
يمكن اعتبار عام 1492 (سقوط غرناطة) التاريخ الأكثر أهمية لهجرة اليهود المعروفين ب(السفارديم) الى فلسطين، حيث طردهم الأسبان، فاستقر قسم كبير منهم في آب/أغسطس 1492 في صفد، ثم انضم أعداد من يهود البلقان وآسيا الصغرى إليهم. وفي عام 1837 انتقل أكثر هؤلاء اليهود الى القدس، وأضيف إليهم في وقتها وقبله قليلا يهود (الأشكيناز) أي الذين قدموا من غرب أوروبا.
وكانت هجرة يهود بولونيا الذين يسمون (الحسيديم)، وما جاء في وقتها من يهود روسيا وفرنسا بين عامي 1808ـ 1810، قد مهد لزيادة أعداد اليهود الغربيين (الأشكيناز) على حساب اليهود الشرقيين (السفارديم). لكن اليهود (السفارديم)، عادت نسبتهم للرجحان على الغربيين إثر إعلان تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، وقدوم يهود البلدان العربية وآسيا وإفريقيا.
ومع ذلك، فإن نسبة اليهود ـ مع ازدياد هجرتهم ـ كانت ضئيلة بالنسبة لسكان فلسطين العرب، حيث كان عدد اليهود في كل فلسطين بين عامي 1876ـ 1881 حوالي (22350) نسمة، يعيش أكثر من نصفهم بالقدس.
وقد أخذت جمعيات (أحباء صهيون) على عاتقها تنظيم حركات هجرة اليهود من روسيا وبولونيا ورومانيا الى فلسطين. وقد بدأ ذلك في صيف عام 1881 بعد مقتل قيصر روسيا (الاسكندر الثاني) وحدوث موجات من الاضطرابات أدت الى تقتيل العديد من اليهود في (كييف و أوديسا). وفي البداية كانت رحلات الهجرة تأخذ عنوان وجهتها نحو الولايات المتحدة، وجزء بسيط من المهاجرين يتوجهون نحو فلسطين.
في مطلع عام 1882 أوفدت جمعيات أحباء صهيون (زلمان ليفونتين) لشراء مساحات من الأرض الفلسطينية لإقامة مستوطنات عليها. وقد ساعدت الظروف التي نشأت عن استقلال رومانيا عام 1878، ورفض حكومة الاستقلال منح الجنسية الرومانية لليهود، على هجرة (50) عائلة يهودية من بلدة (موينشي) الرومانية الى منطقة صفد وتأسيس مستوطنة في أراضي (الجاعونة) وسميت المستوطنة باسم (روش بينا) وكان ذلك عام 1882 وتلتها مستوطنات (راية صهيون) و (عكرون) و (غديرة).
موقف الحكومة العثمانية
اتسم موقف الحكومة العثمانية بضعف التنظيم وعدم تصنيف مشاعرها وتحديدها تجاه موجات الهجرة، فمن زاوية كانت تعتبر الدول المستقلة عنها في البلقان دولا معادية وتتعاطف مع من يعارضها فكانت تغض النظر عن هجرة يهود تلك البلدان، إضافة لعدم تبلور الفكرة الصهيونية بشكلها الخطير والسافر، وإضافة للهدايا والرشاوى التي كانت تُدفع من اليهود لتسهيل مهام الهجرة.
وما أن جاء عام 1886 حتى أخذت الحكومة العثمانية تستشعر خطر الهجرة اليهودية وبالذات بعد إنشاء عدة مستوطنات. فاتخذت عدة قرارات تمنع استملاك الأرض من الأجانب، كما تمنع الهجرة الجماعية وعدم السماح لليهود الآتين للحج من البقاء أكثر من ثلاثة شهور. إلا أن كل ذلك لم يمنع اليهود من التسلل الى الأراضي الفلسطينية.
في عام 1890 ونتيجة للتعقيدات المالية ونفوذ اليهود والأجانب في مجلس الخمسين العثماني، رفعت الحكومة العثمانية الحظر عن إقامة مستوطنات يهودية فاستغل اليهود تلك الفرصة فقاموا بشراء الكثير من الأراضي وإقامة المستوطنات عليها. وبعد احتجاجات عرب فلسطين المتكررة أغلق مكتب يافا اليهودي الذي كان يسمى (المكتب التنفيذي).
نتيجة لتلك الضغوط، ضعف أداء (جمعيات أحباء صهيون) في تكملة مشوارها مما سهل مهمة الثري اليهودي (روتشيلد ـ من حصل على وعد بلفور) من شراء تلك المستوطنات والأراضي التابعة لها.
وغداة انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 كان عدد المستوطنات 17 مستوطنة.
في عام 1904 عينت الحكومة العثمانية (أحمد رشيد بك) متصرفا للقدس، فأعلن دون حياء تأييده للهجرة الصهيونية، ضاربا بعرض الحائط كل التعليمات المركزية من الدولة العثمانية*1
الهجرة الصهيونية الثانية 1904ـ 1914
اتسمت تلك الفترة في خروج مئات الألوف من يهود روسيا نتيجة الضغوط عليهم، ويقال أن (30ـ35) ألف منهم دخلوا فلسطين واشتروا أراض، لكن إقامة هؤلاء هناك لم تمتد بل كانت صعوبة الحياة ومعارضة العرب تجعلهم يواصلون مغادرتهم لفلسطين. كما أن احتجاج العرب على متصرف القدس(احمد رشيد) المتهاون في دخول اليهود، دفع الحكومة العثمانية لتبديله ب (علي أكرم بك) الذي كان متشددا في دخول اليهود واستيطانهم.
لكن على صعيد شراء الأراضي، فإن اليهود استطاعوا رفع المساحة التي اشتروها من 221كم2 عام 1900 الى 421كم2 عام 1914، كما تم إنشاء 15 مستوطنة جديدة، ووصل عدد اليهود الى 80ألف عام 1914، ثم انهزم منهم أثناء الحرب حوالي 20 ألفا. وقد نمت تنظيمات اليهود المدنية (نقابات، أحزاب، حتى منظمة الهاغاناه) التي خرج منها (بن غوريون وليفي اشكول وغيرهم). هامش
*1ـ قضايا عربية معاصرة/ ابراهيم خليل احمد وآخرون/جامعة الموصل/ 1988/ ص 50.