العلاقات
لا يمكنك أن تنعم بصحة مثالية إن كنت تحيى في ظل العزلة والانفصال. الصحة تعني الكمال والسلامة، والكمال ينطوي على التواصل مع العائلة، والأصدقاء، والقبيلة، والأمة، والإنسانية، والأرض، ومع أي قوى عليا تتصورها في الكون، ومع الذات الإلهية. [ هكذا يبدأ الكاتب مقالته المرقمة 8 صفحة 245]
يضيف الكاتب: أن جل شقاء الإنسان ومرضه ينبع من التركيز على الذات، ومن عدم القدرة على تخطي الحدود المقيدة لحدود عالم (الأنا). الكثير منا يصاب بالمرض عندما يكون بصدد تغيير كبير في حياته مثل فقد الزوج، أو الإجبار على الانتقال من مكان (التهجير القسري) أو تحطم إحدى العلاقات الحميمة.
يتساءل الكاتب : لمَ يسبب التغيير كل هذه المخاوف؟ ويتدرج في شرح فكرته لتوصيل الإجابة الى أنه الخوف من الموت القاهر الأعظم للبشر. ثم يشير الى أن الذين يركزون على ذاتهم وأملاكهم هم أكثر الناس أذى من تلك التغييرات. ويقترح الكاتب بعض الطرق لتخفيف آثار تلك العوامل منها:
1ـ الاتصال بالطبيعة والأرض
إن كنت تظن أن الطبيعة هي قوة عدوانية، منفصلة عن ذاتك، فسوف تمضي في حياتك وأنت تشعر بخوف غير مبرر، وسوف تفوت على نفسك مصادر عظيمة للتغذية والإثراء الروحي. ويقترح بعض الأشكال من التواصل مع الطبيعة لتفريغ شحنات الثقل على الذات، كتناول الطعام في البرية أو الوقوف على حافة وادي وتأمل الطبيعة، أو زراعة بعض النباتات في حديقة أو شرفة المنزل.
2ـ الاتصال بالحيوانات
يذكر الكاتب، أن الأشخاص الذين يقتنون الحيوانات الأليفة يكونون أقل عرضة للأمراض من الأشخاص الذين لا يقتنونها. وأحيانا يكون البوح لحيوان أليف قط، كلب، حصان عما يجول في خاطر صاحبه أفضل من البوح لصديق من البشر أو حتى أفضل من البوح لطبيب نفسي.. وأن من يقوم بهذا البوح سيجد نفسه بعد مضي 15 دقيقة أن وضعه أكثر راحة مما كان عليه.
3ـ التواصل مع العائلة
يُعرَف عن الهنود الحمر أنهم أكثر ترابطا أسريا وعائليا وقبليا من المجتمعات الأوروبية التي هاجرت واستوطنت في أمريكا، عدا الأسبان الذين يهتمون بالترابط الأسري. يذكر الكاتب في معرض حديثه هنا مسألتين:
الأولى: عندما كان أحد المحاضرين في جامعة (هارفارد) يتكلم عن التفكك الأسري ويذكر كيف أن الهنود الحمر قد تفككت روابط أسرهم، اعترض أحد الطلاب وكان من أصل هندي أحمر، وقال أنتم يا من جئتم من غرب أوروبا من تعانون من التفكك الأسري، أما نحن، فلا زلنا نعيش حالة الترابط الأسري.
الثانية: يذكرها على لسان ممرضة في وحدة العناية المركزة للأطفال في أحد مستشفيات (أريزونا)، ذكرت فيها أن هناك 12 حالة شفاء من إصابات قاتلة في الرأس لأطفال كانت بمثابة معجزة، وكان الأطباء يتوقعون موتهم ويحومون حولهم لأخذ بعض أعضائهم (كلى، قلوب، عيون) ولكنهم أفاقوا من غيبوبتهم وتم شفاؤهم، وعند التحري عن أصولهم وجدوا كلهم من أصل أسباني، في حين لم يشف أي مصاب شبيه لهم من أصول إنجليزية. ورد الكاتب سبب ذلك لالتفاف العائلة الأسبانية حول مريضها والتكلم معه وهو في غيبوبة لتربط تواصلها القديم معه حتى في أشد محنه!
4ـ التواصل مع المجتمع
المجتمع هو حس العيش، والعمل الجماعي من أجل تحقيق أهداف مشتركة. نحن بطبيعتنا كائنات اجتماعية، ونشعر بسعادة عندما نعيش وننتمي الى مجموعة تتحرك نحو هدف مشترك.
كلما اتسعت دائرة اتصال الفرد بمجتمعه، كلما أحس بقرارة نفسه ورضاها، فإن انتظار أطفال أسرة لأبيهم يحقق مثل هذا الرضا، وانتظار أبناء مهنة لزميلهم ليتعرفوا على رأيه يكسبه حالة من الرضا، وانتظار أبناء مدينة أو بلد لفرد سيكسبه شعورا بالرضا، ويشبع حاجاته الغريزية التي تحقق له سعادة وتبعده عن الكدر والمرض.
في حين أن من لا ينتظره أحد، ولا يسأله عن رأيه يعيش في أزمات نفسية تتصل بأزمات جسمية.
5ـ الخدمة
تحظ الأديان على العمل التطوعي وإبداء الرغبة في تقديم الخدمة للآخرين، وأن من يمارس مثل هذا النوع من العمل التطوعي سيكسر أسوار سجن (الأنا) ويحس بالرضا. ليس مطلوب من الفرد أن يذهب للعناية بمرضى بنيوزلندا، ولكنه لن يفقد الحيلة في العمل بجمعية خيرية أو يتبرع لها ببعض ما يفرج الهم عن بعض من تشملهم خدماتها.
6ـ الحب
هناك خلط في فهم معنى الحب، ودعنا نذكر ـ مبكرا ـ الحكمة القائلة: (أن الجنس لا يعني الرومانسية، والرومانسية لا تعني الحب، والحب لا يعني الجنس) والحب بمعناه الحقيقي يعني الترابط بمعناه الأعلى والأنقى.
يشبه الكاتب الحب بالعقار (الدواء) ويقول إن من يتناوله (يشربه، يبلعه، يدخنه) فإن الحالة المزاجية عند من يأخذ العقار تكون رائعة في بدايتها وتنتهي الى أنها لن تدوم حسب قانون (ويل) س + أ = صفر .. حيث س : هي السعادة في أول أمر العلاقة الرومانسية و (أ) : هي الألم في نهاية العلاقة.
يشبه الكاتب فعل الحب(الدارج) بفعل المرآة، فإن مَن يحب، هو بالحقيقة يحب نفسه ويريد توكيد الطرف الآخر لهذا الحب، فإن وقف أمام المرآة ولم تعجبه صورته فإنه يتنكد!
إن الحب الحقيقي هو أن تتواصل مع من تحب داخل نفسك ودون نهاية ودون انتظار ما يقابله، فإن كان كذلك فإنه سيصنع الحالة نفسها عند من تحب، وعندها فقط يحس المرء بسعادة لا نهاية لها.
7ـ الملامسة
كل كائن بشري بحاجة لأن يلمس ويتلقى اللمسات الحانية. وقد ثبت من خلال الأبحاث التي أجريت على الإنسان والحيوان أن الشخص الذي حرم من التواصل الحسي البدني يعتريه الشعور بالافتقار الى الأمان والتكيف، ويكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. وأنه أقرب الى العنف.
8ـ الاتصال بالقوة العليا
إن الشخص الذي يؤمن بأنه جزء من منظومة كونية وتحت مسئولية خالق مدبر رحيم، يبقى في حالات أفضل(صحيا) من ذلك الذي لا يؤمن بالله، والذي لا ينتظر رحمة أو عناية إلهية.