بهاء طاهر لـ«المجلة الثقافية »:
حصة الثقافة في مجتمعنا العربي رمزية هزيلة وتخضع للرتابة والرقابة
.................................................. ........................................
* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد الصادق:
للأديب والروائي بهاء طاهر مكانة مميزة على خارطة الأدب المصري والعربي فهو يعد من جيل الستينيات ذلك الجيل الذي عاصر أحداثا وأحلاما وآمالا وتطلعات ومشروعات نهضوية كبرى ونكسة وانكسارات ومرارات كبرى ايضا.
ورغم ذلك ما يزال يثري الساحة الأدبية بإبداعاته ونجح في إقامة عالمه الإبداعي الخاص بالعديد من أعماله التي منها مجموعته (الخطوبة) وشرق النخيل ومجموعته (بالأمس حلمت بك) و(خالتي صفية والدير) التي تم تحويلها إلى مسلسل في التلفزيون و(ذهبت إلى شلال) و(قالت ضحى) و(الحب في المنفى) وغيرها.
نجح بهاء طاهر في المزاوجة بين كونه أديبا مبدعا وكونه مثقفا يلتحم مع قضايا الجماهير وتجلى ذلك عندما شارك مؤخرا في تأسيس حركة (أدباء وفنانون من أجل التغيير)..
صدر لبهاء مؤخرا روايته (نقطة نور) كما صدر له قبلها كتابه (في مديح الرواية) وقد احتفلت به دار نشر مجدلاوي بالاردن مؤخرا بمناسبة صدور كتاب في عالم بهاء طاهر التقيناه وكان هذا الحوار..
* يرى البعض أن الكتابة الأدبية أصبحت غائبة وغير مؤثرة؟
- الكتابة غيرمؤثرة لأن هناك من يريد لها ذلك وإذا ما أريد لها أن تكون مؤثرة فإن ثمة قوى لا تريد لها أن تصل للجمهور، أمامك التليفزيون والثقافة الالكترونية والإذاعة انظر إلى حصة الثقافة في كل هذه الوسائل إنها حصة رمزية هزيلة جدا وتخضع لشتى أنواع الرتابة والرقابة، غير مسموح لك أن تقول ما تؤمن به لهذا أرى أن التكريم الحقيقي غير موجود لأن الإيمان بالثقافة ودورها يتطلب أن نخوض معركة تعيد للثقافة دورها في الإنهاض والتغيير، وهناك كثير من الكتاب الذين يخوضون هذه المعركة وهم خارج جناح السلطة.
* وكيف ترى علاقة الروائي بالأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة العربية الآن؟
- الكاتب رسالة وكل عمل مكتوب رسالة وهذه الرسالة إما أن تزيد من وعيك بالواقع المحيط بك، وبعلاقتك الإنسانية المتشابكة، والسياسية، وإما أن تغيب هذا الوعي، حتى تغييب الوعي يعتبر نوعا من الفعل السياسي، ولذلك أعتقد أن تجاهل الكتابة في السياسة هو نوع من فصم العلاقة بين الكتابة السياسة. فكل كتابة في الأدب في العالم هي كتابة سياسية، حتى الكتابة التي تزعم أنها تبتغي وجه الفن الجميل وحده.. هي أيضا كتابة في السياسية فالسياسية موجودة في كل عمل مكتوب.
* هل تشعر بالإحباط والهزيمة كما يشعر أبطالك المهزومون دائما؟
- أتذكر هنا مقولة تشيكوف (عندما أكتب عن أشياء محزنة، فأنا لا أدعوكم للبكاء وإنما أدعوكم إلى التفكير في السبب أو الأسباب التي دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هي عليه).. وإلى أن تغيروا الظروف ولكن يتشكل الواقع كما تراه العين الناقدة، لكن نستطيع أن نستفيد من هذه الرؤية الناقدة في تغيير هذا الواقع، أو تغيير ما نرفضه في هذا الواقع من هنا فلا يمكن أن تتهم كتابتي.. ولا كتابات أي مبدع آخر بالهزيمة لأنها دعوة للتسليم وإنما هي دعوة للتفكير والتغيير.
وحدة وطنية
* أحداث العنف التي شهدتها مدينة الاسكندرية تستدعي تجربتك في روايتك خالتي صفية والدير فماذا عنها وماذا عن تجربتك في كتابة الأعمال المرئية؟
- بالفعل في خالتي صفية والدير أردت أن أقول فيها: إن المجتمع المصري نسيج مكتامل.. وإن هذا النسيج المتكامل عاش على أرض هذا الوطن في القرون المتتالية قديما وسيظل يعيش برغم المظاهر التي توحي بعكس ذلك نتيجة الفتنة العابرة أوالكتابات التي تفتقر إلى الفهم أو إلى النية الحسنة.
تعمدت فيها أن أشير إلى أن الجلايات التي تعيش فيها الرهبان في داخل الدير شبيهة بالبيوت في داخل القرية، وأنك لا تشعر بفارق حينما تنتقل من القرية إلى الدير نفس العادات، وربما لم آت إلا بحوار صغير جدا بين الرهبان ولكنه حوار مثل الذي يدور في القرى بين أهل الريف عموما، وتعمدت عن طريق أكثر من وسيلة أن أشير إلى أن حياة هذا المجتمع هي حياة واحدة.. سواء في بيت مسلم أو مسيحي، لم أكن أول من اكتشف ذلك فحتى أعتى خصومنا (اللورد كرومر) اشتكى من انه لم ينجح في ان يستشير المسيحيين ليقفوا إلى جانب الإنجليز في فترة الاحتلال، وقال إنه لم ير فرقا بين المسلم والمسيحي في مصر، غير أن أحدهما يذهب إلى المسجد والآخر يذهب إلى الكنيسة. ولكن النص المكتوب له جمالياته وله خصوصياته وله خصائصة، والنص المرئي له خصوصيته وله جمهوره، فلا نفرق بين أفضلية أحدهم، ولكن الفن الجيد في أية حالة من حالاته فن قابل للحياة وقابل للاستمرار.
ولا أزعم أن الكتابة لها فرصة الخلود أكثر من الفن المرئي، بدليل أننا حتى الآن نستمتع بأعمال (شالي شابلن) ونجيب الريحاني وغيرهم من الأعمال، كما نستمتع بقراءة الأدباء الذين كتبوا في هذه الفترة كطه حسين وغيره من الكتاب، فالأعمال المرئية لا تنفي الأعمال المكتوبة ومن هنا فلابد ألا نقع في سذاجة المفاضلة بين أعمال لا سبيل إلى المفاضلة بينها..
* لكل مبدع طقوس خاص به في الكتابة فما هي طريقة بهاء طاهر؟
- أنا لا اخطط سلفا للرواية أو القصة كما يفعل الكثيرون، ولا أعتبر نفسي قدوة في هذا الموضوع لكن تظل فكرة البحث فكرة صحيحية دائما، ولكن بينما تبدأ القصة بفكرة هلامية فإن عملية إعادة الصياغة تظل دوما عملية بحث عن جذور الموضوع، فالكتابة بالنسبة لي عملية بحث، فأنا أبدأ الكتابة وفي ذهني فكرة هلامية ثم الموضوع يتطور بشكل آخر تماما، أبدأ وقد سيطرت علي حالة نفسية معينة أو شخصية معينة ففي (خالتي صفية والدير) مثلا كنت أريد أن أكتب قصة قصيرة عن القس بشاي ولكن وجدت الاحداث فرضت نفسها على أثناء الكتابة، وفي (أنا الملك جئت) كنت جالسا في مكتبي بجنيف وكانت هناك عاصفة ثلجية شديدة عطلت كل مظاهر الحياة ولا أدري لماذا ذكرني منظر الثلج بالصحراء ولعل اكثر ما ذكرني بالصحراء الصمت، وأعتقد أن الكاتب لا يكتب لمجرد أنه أنه يجب أن يكتب ينبغي عليه ألا يكتب إلا عندما تصبح الكتابة ضرورية جدا مثل عملية المخاض بالضبط والقارئ يستطيع بذكاء شديد جدا التفريق بين ما هو حقيقي وأصيل وما هو كاذب ومصنوع..
* ماذا عن تطورك الإبداعي كما تراه كناقد؟
- عندما بدأت الكتابة في الخمسينات كان لدينا هدف هو تغيير المجتمع بعد ثورة يوليو ولم نكن على وعي كاف بما نود تغييره، وكانت الكتابة في ذلك الوقت إما رومانسية أو لغة كلاسيكية , ثم جاء يوسف إدريس بعاميته الجميلة ولم نكن نريد تقليد يوسف إدريس، ولكن كنا نريد الاستمرار في منحنى التغير، وكان لدينا نوع من الرفض للعاطفة السهلة التي تعبر عنها مضامين ولغة القصص الرومانسية وكنا نسعى لأن يكون الأدب وسيلة للتغيير للتعبير عن المسعى إلى تغيير مضمون وشكل الأدب إلى رؤية أكثر عقلانية وموضوعية للمجتمع.
ثم أتت مواضيع قصصي التي عالجتها بعض ذلك في (بالأمس حلمت بك) و(قالت ضحى) والتي نحت ناحية الأسطورة ودخلت فيها عناصر ما وراء الطبيعة كانت تفرض لغة مختلفة إلى حد ما، وتحولت اللغة إلى شعرية دون قرار مسبق، وبقي في هذه اللغة الجديدة من اللغة الأولى البعد عن التهدج العاطفي، والبعد عن استخدام الكلاسيكية بقيت تلك المحاولة.
* وماذا أردت أن توصل إلى القراء من خلال أعمالك الإبداعية؟
- أنت لا تستطيع أن تخاطب الناس إلا بلغة يفهمونها وطبقا لمستواهم العقلي والفكري والحضاري وإذا لم تفعل ذلك فلن تصل إليه قط، والقيمة الأساسية التي أرجو أن تكون واضحة في كتاباتي هي الحرية.
........................................
*المجلة الثقافية (ملحق الجزيرة) العدد (141) ـ في 20/2/2006م.