العيب ليس في استبداد عباس وانما في اذعان الفلسطينيين له
عبد الباري عطوان
عندما انعقد مؤتمر مدريد للسلام بدعوة من الرئيس الامريكي جورج بوش الاب بعد اخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991، اعلن اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه انه سيتفاوض مع العرب والفلسطينيين لعشرين عاما دون ان يقدم تنازلا واحدا مهما كان صغيرا.
من المفارقة ان بنيامين نتنياهو الذي كان متحدثا باسم الوفد الاسرائيلي في ذلك المؤتمر، وتلميذ شامير النجيب، وهو الذي حل محل استاذه واصبح رئيسا لوزراء اكثر الحكومات يمينية وتطرفا في تاريخ اسرائيل، وبات يتبنى بالكامل سياسات المراوغة والمراوحة، وادعاء الرغبة في السلام ومواصلة مخططاته الاستيطانية دون تلكؤ.
بعد ست زيارات متواصلة في اقل من اربعة اشهر، نجح جون كيري وزير الخارجية الامريكي في اجبار الرئيس محمود عباس على العودة الى طاولة المفاوضات مع نتنياهو، دون تحقيق اي من شروطه التي ظل يكررها، اي تجميد الاستيطان، ووجود مرجعية واضحة، واخيرا وهذا الاهم اعتماد حدود 1967 اساسا لاي مفاوضات.
عشرون عاما والسيد عباس وكبير مفاوضيه الدكتور صائب عريقات يتفاوضون مع الاسرائيليين، وهي المدة التي حددها شامير، دون ان تقدم اسرائيل تنازلا واحدا للفلسطينيين، او تلتزم بأي اتفاق معهم، والاكثر من ذلك ضاعفت عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس بحيث زاد عن 600 الف مستوطن.
لا نعرف ما هي الاسباب التي دفعت الرئيس عباس وكبير مفاوضيه للرضوخ لضغوط كيري، ولكننا نستطيع ان نتكهن بتسرع والحاح كيري لاعادة الجانبين الى طاولة المفاوضات، والاصرار على ان تبقى خلف ابواب مغلقة. فما يريده كيري هو السلام الاقتصادي، وتقديم رشوة بمقدار اربعة مليارات دولار لتمويل مشاريع استثمارية تنسي الفلسطينيين قضيتهم تماما، مثلما فعل توني بلير في ايرلندا الشمالية.
مشكلة الشعب الفلسطيني مع الرئيس عباس ومجموعته انه حولهم الى حقل تجارب للامريكيين والاسرائيليين، ورهائن للرواتب، وحصر القضية الفلسطينية وثوابتها في اهل الضفة الغربية فقط، وهمش ستة ملايين فلسطيني يعيشون في مخيمات اللجوء والمنافي، ومليونين في قطاع غزة، وبات القرار بشأن مصير الجميع محصورا به والدكتور عريقات فقط، والمصيبة ان الشعب الفلسطيني قابل بهذا الوضع، الامر الذي يشجعه اكثر على الاستبداد بالقرار والتفرد في اتخاذه.
نتنياهو لن يقدم تنازلا واحدا للفلسطينيين، وسيخرج الكاسب الاكبر من هذه المفاوضات الجديدة، مثلما كان حاله في الجولات السابقة ونضرب مثلين على ذلك:
اولا: نتنياهو اجبر الرئيس عباس وسلطته على ازالة جهاز شعاع ليزر مثبت على قمة مسلة فوق قبر الراحل ياسر عرفات يوجه اشعته نحو القدس المحتلة.
ثانيا: هناك دوار في مواجهة مستوطنة اسرائيلية، اعتقد انها "ارييل"، يمر به موكب الرئيس عباس بشكل شبه يومي، رفعوا عليه علم فلسطين، فجاءت الاوامر الاسرائيلية بضرورة ازالته فورا لانه يستفز المستوطنة ومستوطنيها، وكان لهم ما ارادوا.
فاذا كان نتنياهو يرفض شعاع ليزر يؤشر نحو القدس المحتلة، ولا يحتمل وجود علم في دوار في مواجهة مستوطنة، فهل سيقبل بوقف الاستيطان، او قيام دولة فلسطينية؟
العيب ليس في الرئيس عباس والمجموعة الصغيرة التي تحيط به وتقرر باسم الشعب الفلسطيني وتتفاوض باسمه، دون ان تحصل على اي تفويض، او العودة الى اي مرجعيات، وانما العيب في النخبة الفلسطينية والشعب الفلسطيني نفسه الذين سكتوا على هذا الوضع المخجل.
كيري ربما يستخدم الورقة الفلسطينية للتغطية على حرب قادمة ربما تخطط لها امريكا ضد سورية او ايران او حزب الله، وتكوين تحالف عربي اسرائيلي لخوضها، مثلما فعلت بعد حربي العراق الاولى والثانية والحرب على الارهاب، فتوقيت هذا التحرك مريب ويثير العديد من علامات الاستفهام.
الرئيس عباس ليس مفوضا لتقديم هذا الغطاء، وتجميل وجه نتنياهو وحكومته المتطرفة، بل والتفرد بالحديث باسم الشعب الفلسطيني، بعد ان اغرق هذا الشعب في الديون (2.1 4 مليار دولار) وحوله الى مجموعة من عبيد الرواتب.