أجل: الأجل محركة بالفتح على الهمز والجيم هو نهاية المدة المعلومة وعلى المتربصة بنفسها أربعة أشهر وعشرا
إن لم تكن من أولات الأحمال أن تكتب يوم ابتدأت العدة ليبلغ الكتاب أجله المعلوم وهو انقضاء العدة، ولكأن العدة دَيْن عليها ووجبت كتابة الدَّيْن كما في قوله ﴿ ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ﴾ البقرة.
إن قوله:
ـ ﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين﴾ الحجر
ـ ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ الأعراف
ليعني أن جميع الخلق من ذرية آدم قد وقع خلقهم وتصويرهم قبل تكليف الملائكة بالسجود لآدم أي علم الله المستقدمين من بني آدم وعلم المستأخرين ويعني أنه بعد خلق آدم من طين وخلق جميع ذريته وتصويرهم قضى الله لكل منا أجلا قبل أن يستقر في الرحم ويولد ثم لكل منا أجل مسمى معلوم يموت فيه أو يقتل وهو الكتاب المؤجل لانقضاء حياته الدنيا ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها.
وقد أنزل الله لبني آدم ثمانية أزواج من الأنعام وجعل لهم فيها منافع في ألبانها ولحومها وظهورها وجلودها وأشعارها وأوبارها إلى أجل مسمى وهو المتاع إلى حين.
إن قضاء الأجل هو إتمامه وبلوغه كما هي دلالة قوله ﴿فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله﴾ القصص، وقوله ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم﴾ الأنعام، وقوله ﴿ ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى﴾ غافر.
وخفّ على المفسّرين وغيرهم وصف كل أجل بأنه مسمًّى أي معلوم معدود كما في قوله ﴿وما نؤخره إلا لأجل معدود﴾ هود، في وصف أحد الآجال المسمّاة وهو البعث لليوم الآخر.
ولا يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء وهو بكل شيء عليم ومنه كل غائبة في السماء والأرض.
وإنما هي آجال وقعت تسميتها للرسل من الملائكة وبعض الرسل من الناس كما في قوله ﴿وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا﴾ آل عمران، يعني أن ملك الموت والرسل معه يتوفون الأنفس حين موتها كتابا مؤجلا لكل نفس.
ووقعت تسمية أجل كل أمة أهلكت من قبل بعذاب مستأصل جزاء تكذيبها رسل ربها كما في قوله ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الحجر، وقوله ﴿ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الفلاح، وكما في قوله ﴿إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ هود، يعني أن أجل إهلاك قوم لوط قد وقعت تسميته للرسل من الملائكة ونبّأوا به رسول رب العالمين لوطا، وكما هي دلالة قوله ﴿فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ هود، يعني أن أجل إهلاك ثمود قد وقعت تسميته لرسول الله صالح، وكما في نجاة كل من نوح وهود وشعيب وموسى وهارون بالوحي إليهم بأجل إهلاك المكذبين المجرمين وتكليفهم بالخروج بمن معهم من الذين آمنوا، ذلك الأجل هو أجل الله جزاء منه عاقب به في الدنيا كل أمة كذبت رسل رب العالمين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء ووقعت تسميته للرسل بالآيات فأضحى أجلا مسمى وهو الموصوف على لسان نوح بقوله ﴿إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون﴾ نوح، أي فليؤمنوا قبله ليغفر لهم من ذنوبهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى بعد إهلاك المكذبين.
ومن المثاني معه في خطاب هذه الأمة قوله:
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ النحل
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ خاتمة فاطر
ومن المثاني كذلك في خطاب هذه الأمة قوله ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ الأعراف، وقوله ﴿لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ يونس، ولا إشكال في تعدد الأمم لأنهم ثلاثة أمم أمة التوراة وهم اليهود وأمة الإنجيل وهم النصارى وأمة القرآن وهم المسلمون ولم يقع بعد القضاء بين الفريقين في كل أمة منها.
وإن من تفصيل الكتاب المنزل في سور الرعد ولقمان وفاطر والزمر أن جريان الشمس والقمر إنما لأجل مسمّى كالشمس تجري لمستقر لها ويومئذ تتوقف ويأتي بها الله من مغربها كما أتى بها من قبل من مشرقها وتلكم من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء التي سألها المكذبون الذين عاصروا تنزل القرآن وكان جوابهم في القرآن كما في قوله ﴿فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ يونس، وقوله ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب﴾ الرعد، وبينته في مادة الآية وغيرها.
ولقد أنذرَ وخَوَّفَ كل نبيّ من قبل قومه فتنة الدجال كما في صحيح الحديث النبوي وصريح الكتاب المنزل وبينته في مادة السامري، وكذلك رغّب كل نبي وكل رسول من قبل قومه بالإيمان إيمانا يتأهّلون به لأن يؤخرهم الله إلى أجل مسمى ولأن الكتاب المنزل مثاني أي تضمن آجالا مسماة متعددة فقد خفيت دلالته عبر التاريخ.
خفيت على المتأخرين في هذه الأمة رغم ترغيب جميع الرسل بالآيات من قبل قومهم كما في قوله ﴿قالت رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفرَ لكم من ذنوبكم ويؤخرَكم إلى أجل مسمى﴾ إبراهيم، ومنه تفصيلا ترغيب نوح في سورته قومه، وإنه لمن الذكر من الأولين في القرآن ومن المثاني معه وعْدًا في الآخرين قوله ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُمَتّعْكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضه﴾ هود، وإنه لمن الغيب في القرآن الذي كلفنا الإيمان به ومن هداية القرآن للتي هي أقوم وإلى الرشد.
ذلك الأجل المسمى ستقع تسميته قبيل نهاية الصراع بين الفريقين وليقع نفاذ نبوة جميع النبيين من قبل ﴿إن العاقبة للمتقين﴾ في ظل خلافة على منهاج النبوة.
وهكذا كان من تفصيل الكتاب المنزل قوله ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجلٌ مسمى﴾ طــه، وإن من تأصيل الكتاب المنزل تقديم الموعود المتأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب ومنه هذا الموضع تقدم ذكر كلمة سبقت من ربنا على أجل مسمى، وعلى الذين لا يعلمون دلالة كلمة سبقت من ربنا أن يتدبروا قوله:
ـ ﴿وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون﴾ يونس
ـ ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب﴾ فصلت ، هود
ـ ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ الشورى
ـ ﴿ولقد بوأنا بني إسراءيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ يونس
ـ ﴿ولقد آتينا بني إسراءيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ الجاثية
ومن تأمل حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس علم أن كلمة قد سبقت من ربنا أن يؤخر القضاء بين المختلفين بعد إيتاء موسى التوراة إلى أجل مسمى، ولم تتضمن هـذه الأحرف تفصيل الكلمة التي سبقت من ربنا.
ومن تأمل حرف الجاثية وثاني يونس علم أن الكلمة التي سبقت من ربنا بعد اختلاف بني إسراءيل في التوراة هي وعده في الكتاب أن يؤخر القضاء بين المختلفين في الكتاب المنزل إلى يوم القيامة، وعلم أن قوله ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ في الجاثية وثاني يونس هو الكلمة التي سبقت من ربنا كما في فصلت والشورى وهود وأول يونس أي وعده الذي سبق منه ولا يخلف الله وعده.
وكان من تفصيل الكتاب أن تفصيل الوعد الذي تضمنه حرف الجاثية وثاني يونس لم يصاحبه ذكر الكلمة التي سبقت، وحيث أجمل الوعد وقعت الإشارة إلية بالكلمة التي سبقت كما في حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس.
أما قبل الأجل المسمى فليستمتع الجن بأوليائهم من الإنس وليستمتع الإنس بأوليائهم من الجن والإنس وليبلغوا الأجل الذي أجّل الله لهم وكذلك قوله ﴿ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص﴾ هود، وهو من الوعد في الآخرين ومن المثاني معه قوله ﴿ فلما كشفنا عنهم العذاب إلى أجل هم بالغوه﴾ الأعراف، وهو من الذكر من الأولين.
وأما الأجل القريب الذي يحرص المنافقون على التأخير إليه فهو الزيادة في العمر وكذلك سيتضرع الذين ظلموا إلى ربهم يوم يأتيهم العذاب وهو من الوعد في القرآن.
وإن مما نبّأ الله به في الكتاب المنزل النبي الأمي قوله:
ـ ﴿أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون﴾ الأعراف
ـ ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾ يوسف
ـ ﴿أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه﴾ الإسراء
ويعني أن البشرية ستتمكن من الطيران وبلوغ الفضاء الواسع البعيد حتى ينظروا في ملكوت السماوات كنظرهم في ملكوت الأرض وسيمرون في الفضاء بآيات متعددة في السماوات وليروْا أن الله قادر على أن يخلق مثلهم وإنه لآية اقتراب أجل السماوات والأرض، وهو من الوعد في الآخرين ومن المثاني معه قوله على لسان إبراهيم ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء﴾ العنكبوت، وهو من نبوة إبراهيم وقد تحققت ولو لم تكن نبوة نبّأه الله بها لكان من العبث والقول بغير علم تأكيد التمكن منهم وهم في السماء.
وإنما خلق الله السماوات والأرض بالحق الذي نقيض العبث واللعب وجعل لهم أجلا لا ريب فيه هو أجل مسمى لإعدامهما وإعادة خلقهما مرة أخرى في أجل معدود هو يوم الفصل الذي أجلت مساءلة الرسل إليه والفصل والقضاء بينهم وبين قومهم كما في قوله ﴿فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين فلنقصّن عليهم بعلم وما كنا غائبين﴾ الأعراف، وقوله ﴿يوم الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب﴾ المائدة.