الخاتمة
وداعاً يا شهر التوبة
ورد
في الحديث أن صيام رمضان سبب لمغفرة الذنوب، و كذا قيامه، و قيام ليلة القدر، و
الصحيح أن المغفرة تختص بالصغائر، لقوله صلى الله عليه و سلم: "الصلوات
الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت
الكبائر" رواه مسلم و الجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.
ثم
إن العبد بعد فراق رمضان و قد كُفِّرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على
الصالحات، و يحفظ نفسه عن المحرمات، و تظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته،
فذلك من علامات قبول صيامه و قيامه و قرباته، فإذا كان بعد رمضان يحب الصلوات و
يحافظ على الجمع و الجماعات، و يكثر من نوافل الصلاة، و يصلي من الليل ما قدر له،
و يُعِّود نفسه على الصيام تطوعاً، و يكثر من ذكر الله تعالى و دعائه و استغفاره،
و تلاوة القرآن الكريم و تدبره و تعقله، و يتعاهد الصدقة، و يصل أرحامه و يبر
أبويه، و يؤدي ما عليه من الحقوق لربه و للعباد، و يحفظ نفسه و يصونها عن الآثام و
أنواع الجرائم، و عن جميع المعاصي و تنفر منها نفسه، و يستحضر دائماً عظمة ربه و
مراقبته و هيبته في كل حال، إذا كان كذلك بعد رمضان، فإنه دليل قبول صيامه و
قيامه، و تأثره بما عمل في رمضان من الصالحات و الحسنات.
و
مع ذلك فإن صفة الصالحين و عباد الله المتقين الحزن و الأسى على تصرم الأيام
الشريفة، و الليالي الفاضلة، كليالي رمضان، و هذه صفة السلف الصالح و صدر هذه
الأمة رحمهم الله تعالى، فلقد يحزنون لانصراف رمضان، و مع ذلك يدأبون في ذكره،
فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون
سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر، فهو دليل على عظم موقعه في نفوسهم، و يقول قائلهم:
سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى و زمان
سلام على شهر الصيام فإنه
أمــان من الرحمن كل أمــان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من
قلبي عليك بفان
لقد ذهبت أيامه و ما أطعتم.
و كتبت عليكم فيه آثامه و ما أضعتم.
وكأنكم بالمشمرين و قد وصلوا و انقطعتم.
أترى ما هذا التوبيخ لكم؟!
أو ما سمعتم قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن؟! و من ألم فراقه تئن؟
كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع؟! و هو لا يدري هل بقي له في
عمره إليه رجوع!
شعر:
تذكر أياماً مضت و ليالياً خلت
فجرت من ذكرهن دموع
أين حرق المجتهدين في نهاره؟!
أين قلق المتهجدين في أسحاره؟!
فكيف حال من خسر في أيامه و لياليه؟!
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه و قد عظمت فيه مصيبته وجل عزاؤه؟!!
كم نصح المسكين فما قبل النصح؟!
كم دعى إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟!
كم شاهد الواصلين فيه و هو متباعد؟!
كم مرت به زمر السائرين و هو قاعد؟!
حتى إذا ضاع الوقت و خاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم.
و طلب الاستدراك في وقت العدم.
دموع المحبين تدفق.
قلوبهم من ألم الفراق تشقق.
عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق.
عسى توبة ساعة و إقلاع ترفوا من الصيام ما تخرق.
عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.
عسى أسير الأوزار يطلق.
عسى من استوجب النار يعتق.
لا شك أن شهر رمضان أفضل الشهور، فقد رفع الله قدره وشرفه على غيره،
و جعله موسماً للخيرات، و جعل صيامه و قيامه سبباً لمغفرة الذنوب و عتق الرقاب من
النار.
فتح فيه أبوابه للطالبين، و رغب في ثوابه المتقين.
فالظافر من اغتنم أوقاته، و استغل ساعاته، و الخاسر من فرط في أيامه
حتى فاته.
جعله الله مطهراً من الذنوب و ساتراً للعيوب و عامراً للقلوب.
فيه تعمر المساجد بالقرآن و الذكر والدعاء و التهجد.
و تشرق فيها الأنوار و تستنير القلوب.
.................................................. ........
*** الموضوع منقول *** ومن وجد اي خطأ فيرجو التنبيه وشكرا
:
:
أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلنا من عتقاءه من النار
و أن يبلغنا جميعا ليلة القدر
اللهم آآمين .. آآمين .